الكوارث التي لحقت مؤخرا بروسيا ومواطنيها من جراء الارتفاع غير المسبوق لحرارة الجو وامتداد لهيب الحرائق الي قواعد عسكرية وقري كثيرة مهددة بذلك امن بعض المراكز النووية صارت سببا في اشتعال منافسة غير مباشرة بين قطبي الساحة الرئيس دميتري ميدفيديف ورئيس حكومته فلاديمير بوتين. هكذا يقولون!. ويقولون ايضا ان النيران لم تكتف باعادة رسم جغرافية روسيا الاتحادية حين ابادت عددا كبيرا من النقاط المأهولة وغيرت من تضاريس الكثير من الأمكنةبل وتعدت ذلك لتحدد معالم الخريطة السياسية والعلاقة المتبادلة بين قطبي الساحة وابعاد التغييرات المرتقبة في الانساق العليا للسلطة في موسكو. غير اننا وبعيدا عن هذا القيل وذلك القال نشير الي انه ومن هذا المنظور تحديدا يتوقف المراقبون في الآونة الاخيرة عند النشاط الملحوظ لرئيس الحكومة فلاديمير بوتين ومدي ما يبذله من جهود تستهدف احتواء تداعيات الكارثة وتقصي اسباب القصور وبما يترتب علي ذلك من اجراءات عقابية. وفيما كان بوتين يتعمد اصطحاب ممثلي وسائل الاعلام الذين يتولون نقل دقائق لقاءاته مع المتضررين من مواطنيه كان الاخيرون يتعمدون الافصاح عن سخطهم بسبب تقصير القيادات المحلية علي مرأي ومسمع من هذه القيادات. بساطة بوتين ورسمية ميدفيديف بوتين كان يظهر امام مواطنيه في لباسه الصيفي مشمرا عن ساعديه نشيطا مقداما يواسي المتضررين في العديد من المناطق ويحاسب المسئولين مهددا اياهم بالويل والثبور وعظائم الامور, ما جعل البعض يسقط في شرك ما يقال حول ان بوتين يحاول استغلال الاوضاع الراهنة ل' أهداف انتخابية' في الوقت الذي لم يكن يظهر فيه ميدفيديف الا علي شاشات التليفزيون جالسا في مكتبه المكيف الهواء في سوتشي علي ضفاف البحر الاسود او في الكرملين مع ضيوفه من زوار موسكو او الابطال الرياضيين العائدين من البطولات بالميداليات الذهبية ومراكز الشرف يبدو اكثر اهتماما بالانترنت والتويتر وشئون ومستقبل' القرية الذكية' في سكولكوفو بضواحي موسكو علي حد قول آخرين. وقد تطايرت هذه الاتهامات لتثير ردود فعل متباينة لم يكد المرء يستوضح مكنونها وابعادها حتي فوجئت روسيا بالاعلان عن اجتماع عاجل لمجلس الامن القومي الروسي ظهر فيه رئيس الدولة دميتري ميدفيديف في وضع مماثل وهو يحاسب المسئولين في وزارة الدفاع وينتقد نشاط الكثيرين منهم بلهجة الآمر المتنفذ صاحب السطوة والنفوذ. وشاهدته الملايين من المشاهدين وهو يسخر من هؤلاء العسكريين الذين قال انه كان يعتقد في قدرتهم علي المساهمة في مواجهة كوارث الحرائق لكن الواقع اكد حاجتهم الي من يدافع عنهم. وبعد عاصفة من التصريحات النارية اعلن ميدفيديف عن قراراته حول اقالة عدد من كبار قيادات القوات المسلحة وتوجيه الانذارات لآخرين وفي مقدمتهم قائد القوات البحرية ورئيس الاركان بسبب اهمالهم في اطفاء حريق نشب في احدي قواعد البحرية الروسية القريبة من ضواحي العاصمة موسكو والتهم كل منشآتها بما في ذلك الكثير من الطائرات والمعدات والاسلحة ومخازن الذخيرة وهو ما لم يعلن عنه في حينه. وقال انه لن يتوقف عن اتخاذ قرارات مماثلة في حال استمرار مثل هذه الاوضاع, مشيرا الي ان اجتماعا سوف يعقده قريبا مع اعضاء الحكومة الروسية والمحافظين لبحث تطورات الاوضاع علي صعيد مكافحة الحرائق التي تتواصل للاسبوع الثالث علي التوالي, ما كان يعني في طياته انه لا يزال صاحب اليد الطولي وان لا احد في الحكومة فوق الحساب. واكد ضرورة بذل قصاري الجهود من اجل حماية المنشآت الاستراتيجية والمواقع النووية وخص بالذكر مركز ساروف النووي الذي كان مهددا بنيران الحرائق التي امتدت لمسافة مباشرة من منشآته. وسارعت المصادر لتقول ان الكرملين سيواصل حملته التي يستهدف بها التخلص من الكثيرين من رموز الساحة السياسية ما فسره' اصحاب النوايا غير الطيبة' بقولهم ان ذلك يتم في اطار توزيع الادوار ومحاولة امتصاص غضب الساخطين من ابناء الوطن ولا سيما ان هناك من يشير باصبع الاتهام الي تقصير من جانب بوتين شخصيا الذي سبق واتخذ قرار الغاء الجهاز الفيدرالي للغابات في عام2006 رغم تحذيرات الكثير من العلماء من مغبة اتخاذ مثل هذا القرار واحتمالات وقوع الكارثة الايقولوجية حسبما نشرت' الصحيفة المستقلة'. وكان هذا القرار الذي سبق واتخذه بوتين سببا كما يقال في ترك الغابات نهبا لرجال الاعمال من اصحاب صناعات الاخشاب وصناعة الورق ممن وضعوا نصب اعينهم المصلحة الخاصة دون مراعاة لابعاد المصلحة العامة التي تفرقت مسئولية الحفاظ عليها بين اروقة المحليات. اما عن محاسبة المحافظين يقول, الكثيرون انه يبدو شخصيا المسئول المباشر عن تعيينهم بمبادرات شخصية منه وهو الذي الغي نظام انتخابهم المباشر في عام2004 ما كان مناسبا لهم وما كان ولا يزال يعفيهم من الحساب المباشر امام ناخبيهم. اما عن الفساد الذي يشيرون اليه اليوم بوصفه احد اسباب تفاقم الكارثة فلم يكن وليد اليوم وهو الذي قال عنه بوتين انه المشكلة التي استعصت علي الحل خلال سنوات ولايتيه الاولي والثانية اي علي مدي ثماني سنوات منذ مطلع هذ القرن. كما ان ميدفيديف ورغم انه استهل فترة حكمه في عام2008 باعلان ان اجتثاث الفساد واعلاء القانون سيكونان في صدارة اولوياته فانه لم يستطع تحقيق اي نجاح يذكر في هذا الشأن. ويذكر الكثيرون ما حدث في الامس القريب من مواجهات بين السلطة الرسمية وعدد من رجال الاعمال ممن لا يزالون يسيطرون علي العديد من المراكز الاقتصادية المحورية للدولة التي آلت اليهم في غفلة من الزمن وتحت ستار سياسات' الخصخصة' سيئة الصيت, وفي اطار ثمة من يقول ان كلا من الزعيمين يحاول الاستفادة من الكوارث التي تواجهها البلاد لتعويض ما فقداه من شعبية خلال الاشهر القليلة الماضية. وكانت استطلاعات الرأي سجلت في الاشهر الاخيرة انحسارا في شعبيتهما التي كانت استقرت قريبا من69% لبوتين و62% لميدفيديف في مطلع العام الجاري لتهبط في يونيو الماضي حتي61% للاول و62% للثاني وهي نسبة تدفع الي احتدام اوارق المنافسة التي طالما اعلن كلاهما ان لا مكان لها في علاقاتهما. وقد جاءت الكوارث الاخيرة لتزيد من نقمة الكثيرين تجاه السلطة التي ورغما عنها يلجأون اليها ينشدون الحلول ويلتمسون التخفيف من وقع تبعاتها. ورغم ما قيل حول ان هناك من يحاول الاستفادة من هذه الكوارث التي لحقت بروسيا فان الواقع يقول ان كلا من الزعيمين لا يألو جهدا من اجل استعادة ثقة مواطنيه في اطار الاضطلاع بواجبات وظيفته بعيدا عن الشعبوية ونتائج استطلاعات الرأي التي لا احد يجزم بانها القول الفصل في بلد شهد بالامس القريب املاء رغبات الحاكم علي المحكوم تحت ستار انتخابات جرت وفق سيناريو الحزب الحاكم.