حين انطلقت دعوة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب لعقد قمة ثقافية عربية, فقد كان ذلك بسبب إيمان الأدباء والكتاب بأن هناك قضايا ثقافية ملحة تتطلب قرارات سيادية لا يستطيع إصدارها إلا الملوك والرؤساء من قادة الأمة العربية, وأيضا بسبب إدراك الأدباء والكتاب بأن تلك القضايا تتعلق بما يمكن أن يطلق عليه الأمن الثقافي العربي الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي. فالثقافة العربية تتعرض في الوقت الراهن لتحديات مصيرية في الداخل والخارج أصبحت تهدد وجودها ذاته, ومن الأسف أن أحد معالم عصر العولمة الذي نعيشه هو طغيان ثقافة واحدة وافدة, تسحق أمامها كل شيء وتقضي علي الثقافات المحلية, ما لم تكن تلك الثقافات راسخة القدم متجذرة في تربتها بما لا يسمح باقتلاعها. ذلك هو الخطر الذي استشعرته منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو في وثيقتها الشهيرة التي لا نمل الإشارة إليها والداعية لضرورة الحفاظ علي التنوع الثقافي في العالمCulturalDiversity. أما في وطننا العربي, فإن هناك أيضا من الأخطار التي تهدد الثقافة العربية ما لا علاقة له بالعولمة بل هو نابع من انصراف الحكومات العربية في عمومها عن الثقافة, مما أدي إلي نضوب موارد الانفاق علي الأنشطة الثقافية واضمحلالها. من هنا فإن قضية تمويل الثقافة تعتبر من القضايا الملحة التي ينبغي أن توضع علي جدول أعمال القمة الثقافية المرتقبة, وهنا يري الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن علي القمة أن تتخذ قرارا بألا يقل الإنفاق علي الثقافة في الدول العربية عن2.5% من الميزانية العامة. ولقد انتهي الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب من وضع تقرير شامل حول القمة الثقافية العربية التي دعا إليها في مؤتمره العام في اكتوبر الماضي يزيد علي ال60 صفحة وذلك بعد أن قام رئيس الدورة الحالية للقمة العربية العقيد معمر القذافي بتكليف الاتحاد العام بوضع ورقة عمل حول هذا الموضوع. وقد حدد الاتحاد العام في تقريره القضايا الملحة التي ينبغي أن توضع علي جدول أعمال القمة, ومشروع للقرارات التي علي القمة اصدارها في كل من هذه القضايا. وقد اتخذ الاتحاد العام في اعداده للتقرير عدة خطوات كان أولها جمع آراء الأدباء والمثقفين والمفكرين في كل قطر عربي علي حدة بما للاتحاد العام من تواجد قطري يتمثل في الاتحادات والروابط والأسر والجمعيات الأدبية في الدول العربية والتي تشكل عضوية الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب, ثم تلي ذلك عقد اجتماع موسع في مقر الاتحاد العام بالقاهرة حضره إلي جانب ممثلو هذه الاتحادات المنظمات المحلية والاقليمية والدولية المعنية بهذا الموضوع وهم اليونسكو والأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمؤتمر القومي العربي والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة والمجلس الأعلي للثقافة في مصر واتحاد الناشرين العرب واتحاد الفنانين العرب وبعض الشخصيات الثقافية العامة كان في مقدمتهم الدكتور مصطفي الفقي والسيد يسين والدكتور حسن حنفي. وقد خلص الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب إلي أن قضية الثقافة في الوطن العربي هي قضية إستراتيجية تتعلق بالأمن القومي العربي, وحدد في تقريره الذي يحمل عنوان الأمن الثقافي العربي سبع قضايا أولية ينبغي علي القمة الثقافية أن تبحثها وأرفق بها القرارات التي يتطلع أدباء وكتاب الوطن العربي إلي أن تصدرها القمة. وكان في مقدمة هذه القضايا قضية الحريات فلا يمكن أن نتحدث عن حماية الثقافة وازدهارها دون أن نضمن توافر الحد الأدني من الحريات التي تكفل للأديب والفنان والمفكر حرية التعبير والتي تسمح بحرية النشر وحرية تداول الكتب والأعمال الفكرية والفنية بين مختلف الأقطار العربية. وقد تضمن التقرير أيضا قضايا تمويل الثقافة, فالثقافة منذ عرفها الانسان كانت تعتمد وستظل تعتمد علي راع يرعاها بعيدا عن الاعتبارات التجارية المتعلقة بالربح والخسارة. ولقد كان هناك اتفاق بين مختلف الآراء علي أن اللغة العربية من القضايا الإستراتيجية التي لا يمكن الحديث عن الأمن الثقافي العربي دون التعرض لما آلت إليه في العقود الأخيرة, فمن الذي يستطيع أن يصدر القرارات بضرورة الاهتمام بها في النظام التعليمي العربي وبوجوب كتابة كل المواد الاعلانية بلغة عربية سليمة وبضرورة اعتماد اللغة العربية كمسوغ أساسي للتعيين في كل الوظائف, غير الرؤساء والملوك؟ إنه تقرير واف يعبر عن رأي أدباء وكتاب الوطن العربي ومن استطلعوا آراءهم من المثقفين والمفكرين وقد وصل الآن إلي المسئولين عن تلك القمة المرتقبة والتي تعتبر نقطة فاصلة في التاريخ الثقافي العربي في العصر الحديث.