في مقال سابق تناولت بالحديث إشكالية الإنفاق الحكومي علي التعليم, وذكرت أنه لابد من زيادته علي نحو يسمح له بمواكبة الاحتياجات المتنامية للعملية التعليمية. كما وكيفا. وإذا لم تزداد المخصصات المالية للتعليم في الموازنة العامة للدولة, فان الجهود المبذولة للارتقاء بالتعليم سوف تتعرض لإجهاض مستمر. وبالرغم من ذلك فإن الموارد المائية تشكل أحد العوامل المتشابكة والمعقدة في العملية التعليمية. وهي شرط ضروري لتطوير التعليم, لكنها وحدها غير كافية. والسؤال الذي يجب طرحه هو ما المنتج النهائي المرجو من العملية التعليمية ؟, بعبارة أخري ما الهدف الذي تسعي إليه الدولة والمجتمع والأسرة المصرية من وراء الإنفاق علي التعليم, والمطالبة بزيادة المخصصات المالية له ؟ فإذا لم يكن هناك عائد واضح, وهدف محدد, وغاية ملموسة تصبح الموارد المنفقة علي التعليم مجرد أموال مهدرة, لا طائل من ورائها. أما إذا كان هناك هدف من العملية التعليمية فمن الضروري الانفاق عليه, والعمل علي تحقيقه. في تقديري أن المنتج النهائي من العملية التعليمية يتمثل فيما نتوقع ان يكتسبه الأفراد في مرحلة التعليم من أفكار وعادات وسلوكيات ومهارات وممارسات تسهم في الارتقاء بجودة الحياة التي يعيشونها علي المستوي الفردي, ومستوي التقدم الذي ينشده المجتمع بأسره. بالتأكيد المجتمع يتوقع أن يؤدي انخراط أبنائه في العملية التعليمية لفترة زمنية معينة الي اكتسابهم قيم ومهارات تساعد علي النهوض به. وليس معقولا أو مقبولا أن يتعلم الطلبة والطالبات في أروقة المدارس والجامعات قيما وسلوكا لا ترقي بحال مجتمعهم, بل أحيانا قد تكون مناهضة له, تشده للخلف أكبر مما تدفعه إلي الأمام. فما الذي يمكن أن يتعلمه طالب حصل علي شهادته بالغش والخديعة ؟, وماالذي يمكن أن يتعلمه الطالب الذي اجتهد ولم يمارس الغش ولم يستطع الحصول علي النتيجة التي يستحقها لأسباب لا يفهمها ؟ إن التحديد الدقيق للمنتج النهائي الذي نرجوه من العملية التعليمية هو الأساس الذي نقيس عليه مكونات هذه العملية من منهج ومدرس ومبني واسلوب تربوي.. إلخ, لذلك علينا أن نحدد نوعية المدرس الذي تفتح له قاعات الدرس ؟ وشكل المنهج الذي يحمله الطلاب في أيديهم وعقولهم ؟ ومكونات المؤسسة التي تساعد الطلاب علي إطلاق طاقاتهم, والتفاعل مع الواقع الذي يعيشون فيه ؟.. وبذلك نحاول أن نجد الاجابة عن السؤال الأساسي والمحوري: ما الذي نريده من العملية التعليمية ؟ إننا نريد شبابا قادرا علي الفهم والإدراك, التمييز والاختيار, قادر علي التعبير والمشاركة, والتغيير, والمبادأة والابتكار, والنقد الذاتي والتعلم المتواصل, والتواصل المستمر مع الناس واحترام التنوع في المجتمع. يحتاج شبابنا أيضا أن يكتسب من خلال العملية التعليمية قدرات فنية تمكنه من الدخول الي سوق العمل بمهارات وقدرات عالية للمنافسة, كذلك قدرتهم علي المبادرة ببدء مشروعات جديدة مبتكرة تعاونه علي الحياة الكريمة بداية من احترام قيمة العمل والأمانة في تأديته. هذه مجموعة من القيم والمهارات والاتجاهات الذهنية تبدو في ظاهرها يسيرة لكنها في حقيقتها تجسد التساؤلات الأساسية حول الفرد الممكن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا. المواطن الفرد الذي يخرج من الحشد أو القطيع الذي يسير أفراده علي المألوف ولا يخرجون عن النص. إذا كان هذا هو المنتج الذي نسعي لبلوغه, فإنه من المنطقي أن نتساءل هل مستوي تأهيل المعلم في الوقت الراهن يساعد الطالب علي بلوغ ذلك ؟ هل شكل ومحتوي المقرر الدراسي يؤهل الطالب علي الإلمام بالمهارات ومنظومة القيم الحديثة ؟ هل المؤسسة التعليمية تحوي من الوسائل التي تدفع أفرادها علي التعبير عن أنفسهم, وتكوين العقلية النقدية, وترسيخ الثقافة الديمقراطية, والنظرة الإنسانية ؟