تابعت معظم الأسر المصرية باهتمام بالغ أخبار الزيارات المفاجئة لبعض المدارس, والتي يقوم بها وزير التربية والتعليم. وما يتضمنها من متابعة دقيقة لانتظام العملية التعليمية في هذه المدارس وغيرها, وهو توجه مهم وضروري ومحمود لعملية مركبة ومتشابكة طويلة الأمد كي تحدث تأثيرا فعليا للارتقاء بجودة التعليم. والواقع أن التعليم في بؤرة اهتمام الأسرة المصرية, فهي تنفق في سبيله مليارات الجنيهات خاصة علي الدروس الخصوصية, كما أنه في جدول اهتمامات الحكومة حيث تبذل جهدا كبيرا لزيادة المخصصات المالية للتعليم في الموازنة العامة للدولة سنويا. والحقيقة أن أوضاع التعليم في مصر تستحق منا جميعا حكومة, ومجتمعا مدنيا, وقطاعا خاصا, ومواطنين جهدا أكبر, وفكرا ثاقبا, وتخطيطا مركزا وبشراكة فاعلة ليكون مركز وجوهر اهتماماتنا جميعا لكي ما نرتقي فعلا بالعملية التعليمية والتربوية. التعليم هو قاطرة التحول في المجتمعات التي تنشد التقدم وهناك العديد من التجارب العالمية الفريدة التي كان التعليم فيها أحد أهم دعائم التقدم والتحول. يرتبط التعليم ارتباطا مباشرا بمستقبل المجتمع, ليس فقط لأنه عملية معرفية يتلقي من خلالها الطالب معارف منظمة ومهارات وتقنيات مطلوبة, ولكن أيضا لدوره المتزايد في إعداد أجيال قادرة علي المشاركة بفاعلية, والتخطيط للمستقبل بشكل واع, والتسلح بالقيم الناهضة والمهارات الحياتية والاتجاهات الصحيحة التي تفضي الي تطوير نوعية الحياة. وعندما نبحث كيف وضعت دولة مثل اليابان التعليم كأولوية قصوي, نكتشف أن نصيب الطالب لديها في ميزانية التعليم يصل الي سبعة آلاف دولار سنويا, كما أننا نجد دولة مثل السعودية يصل فيها نصيب الطالب في ميزانية التعليم نحو ألف دولار سنويا, وفي تونس يصل الي نحو ثلاثمائة دولار سنويا, بينما يصل نصيب الطالب في ميزانية التعليم في بلدنا نحو مائة وخمسين دولارا فقط سنويا. هناك اتفاق عام في مصر بين المشرعين والتنفيذيين والمثقفين علي أهمية التعليم في تحديث مصر, وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية تطوير التعليم, وعقدت العديد من المؤتمرات في هذا الصدد, كما تم انشاء هيئة مستقلة لجودة التعليم, ولايزال هناك حديث مستمر عن ضرورة تطوير التعليم, هناك عناصر متشابكة ومعقدة تحكم العملية التعليمية, ويجب التعامل معها بنفس الدرجة من الاهتمام والوعي: المدرس والدارس والإدارة المدرسية ومجالس الآباء.. الخ, ولكن البداية الصحيحة والتي لامفر منها طالما ننشد جودة التعليم هي زيادة نصيب التعليم في الموازنة العامة للدولة في ضوء تزايد اعباء العملية التعليمية وتنامي أعداد الدراسين, والحاجة المستمرة إلي التوسع في الأبنية التعليمية بالتوازي مع الزيادة السكانية, تبلغ ميزانية التعليم في الموازنة العامة نحو مليار جنيه, ويبلغ عدد الدارسين في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي ما يزيد علي15 مليون طالب وطالبة, ينفقون ما يقرب من15 مليار جنيه سنويا علي الدروس الخصوصية. زيادة مخصصات التعليم في الموازنة العامة للدولة أمر حتمي لتطوير جودة التعليم, وعندما نتحدث عن دور الدولة في التعليم لا نغفل وجود دور للقطاعين الخاص والأهلي في تطوير التعليم, ولكن سيظل الدور الأكبر ملقي علي عاتق الدولة نظرا لأن المدارس الحكومية تضم الغالبية العظمي من الطلاب, وبخاصة الفقراء ومعظم الطبقة الوسطي, الذين يتعين تمكينهم اجتماعيا ومهاريا وانسانيا حتي يكونوا طرفا أصيلا في عملية التنمية. إذا زاد الانفاق الحكومي علي التعليم يمكن فقط الارتقاء بأحوال المعلم معيشيا, وتمكينه مهاريا والحفاظ علي مكانته اجتماعيا, وهو نفس الأمر الذي ينطبق علي الطالب الذي بات بحاجة الي تطوير مهاراته لملاحقة التطور في متطلبات سوق العمل محليا وعالميا, وزيادة الانفاق علي التعليم ضرورة حتمية للتوسع في الأبنية التعليمية, وتطويرها, والارتقاء بمستوي الخدمات التي تقدمها بحيث تصبح بحق مؤسسات للتنشئة.