ما حدث في نجع حمادي عشية عيد الميلاد المجيد, يدينه الإسلام ويشجبه ولا يقره ولا يسمح به ويعتبره خروجا عن واحة الدين وما أمر به القرآن الحكيم. وليس يبرره أو يشفع فيه أن يكون شاب مسيحي فيما يقال! قد اغتصب فتاة مسلمة بإحدي القري هناك من شهرين.. فجريمة الاغتصاب تلحق بالمغتصب, وعقوبته مغلظة تصل للمؤبد في القانون الوضعي وتصل إلي الإعدام في شريعة السماء.. ولكن جريرته لا تلحق ولا يجوز أن تلحق بسواه, لا بأحد من ذوي قرباه, ولا بأحد من ديانته أو طائفته أو ملته.. بهذا أمر القرآن الحكيم.. القرآن الحكيم هو الذي علمنا تقديس الروح الإنسانية.. في المسلم وفي غير المسلم.. فالكرامة وقداسة الروح هي لكل بني الإنسان.. ففي القرآن المجيد:' ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا'( الإسراء70).. سبحانه وتعالي هو الذي' خلق الإنسان* علمه البيان'( الرحمن4,3).. سبحانه خلق الإنسان فسواه وعدله, وهو سبحانه القائل:' ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون'.( الروم20).. ويقول جل شأنه:' الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم'( الروم40).. هذه الأرواح خلقها الله, وأمرها له سبحانه وتعالي, وروح الواحد هي روح الناس جميعا, وفي القرآن الحكيم يقول رب العزة:' أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا'( المائدة32), فهذه الحياة هبة ربانية مقدسة, لكل إنسان بل وفي الحيوان.. وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث رسول القرآن عليه السلام:' ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان علي ابن آدم الأول( قابيل) كفل من دمها, أنه أول من سن القتل.', وفي الحديث أيضا:' لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل نفس بغير حق'.' وأن قتل النفس التي حرم الله من السبع الموبقات! يعلمنا الإسلام, الذي قدس الروح الإنسانية, أن قتل الأبرياء ناهيك بقتلهم غيلة من أشد الموبقات, جزاؤه جهنم وغضب الله ولعنته, وما أعده للقاتل من عذاب أليم, وعلمنا أن المسئولية في الدنيا وفي الآخرة لا تلحق بأحد إلا عن فعله هو لا عن فعل أو عمل غيره.. لا مجال_ في شرعة الإسلام لأن يتحمل أحد أو يحمل بوزر أو خطيئة غيره حتي لو كان من أقرب ذوي قرباه.. ففي القرآن الحكيم:' وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا'( الإسراء13), وفيه أيضا:' وكلهم آتيه يوم القيامة فردا'( مريم95).. من مبادئ المسئولية في شرعة القرآن الحكيم أن لا تزر وازرة وزر أخري, فيقول الحكم العدل:' ولا تزر وازرة وزر أخري(الأنعام164, فاطر18), وفي سورة النجم, قال عز من قائل:' ألا تزر وازرة وزر أخري* وأن ليس للإنسان إلا ما سعي'( النجم39,38).. لا يمنح الثواب, ولا يقرر الجزاء, إلا لقاء العمل الشخصي.. خيرا أو شرا..' فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره'( الزلزلة8,7).. لا يعرف الإسلام عقوبة تصيب بريئا, ولا شهادة تجامل قريبا, أو شنآنا يبرر تحاملا.. فالشاهد لا يشهد إلا بالحق ولو علي نفسه أو الوالدين والأقربين:' يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم أو الوالدين والأقربين'( النساء135), ولا يبرر له شنآن فرد أو جماعة أو قوم أن يحيد في عمله أو سلوكه أو شهادته عن العدل أو الحق, فإنصاف الشانئ نفسه واجب, ولا يسقط شنآنه واجب العدل والتزام الحق معه, بل يجب علي المسلم أن يعدل معه في كل الأحوال,' يا أيهآ الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون'( المائدة8). الذين حصدوا حصدا عشوائيا أرواح الإخوة الأقباط الخارجين من الدير وفي موقعين تجاريين في نجع حمادي, قد ارتكبوا إثما كبير وأتوا أمرا إدا تشجبه وتدينه شريعة الإسلام, ويخرج عن مباديء وأحكام وعقيدة هذا الدين الذي كرم الروح ورعاها في كل مخلوق حتي في عالم الطير والحيوان.. وفي الحديث:' من قتل عصفورا عبثا عج إلي الله يوم القيامة يقول: يارب, إن فلانا قتلني عبثا'!! إن قتل الأبرياء بغير حق, لا يتفق والدين, ولا يصحح خطأ, ولا يشفي غليلا.. الجاني المتهم باغتيال عرض الطفلة واغتصابها, لا يزال حيا يرزق, ينتظر حكم القانون.. والذين اغتالوا الأرواح البريئة, وأدموا الثكالي والأرامل والأطفال الذين يتموا, لم ينجزوا بجريمتهم النكراء عملا, ولا أقروا عدلا, ولا حققوا غاية يقرها العقل والعقلاء.. الشيء الوحيد الذي أنجزوه, هو بث الاحتقان وإشعال النيران علي غير حجة أو منطق!!! من الحمق أن يدفع الأبرياء ثمن جرم لم يرتكبوه, ومن العماء الضرير أن يحسب خطأ أو جريمة فرد علي أبرياء لمحض الاتفاق في الدين.. تري ماذا كانوا الثائرون فاعلين لو كان الجاني الذي اغتصب الطفلة المسلمة مسلما ؟! هل سيحملون الأسلحة ليعملوا القتل والاغتيال في المسلمين, وماذا لو وقع اغتصاب من مسلم علي مسيحية, هل تقبل سنن الحق والعدل ويقبل العقل أن يشرع المسيحيون الأسلحة لقتل المسلمين لأن واحدا منهم جمح وأخطأ وارتكب إثما كبيرا هو الذي يجب أن يحمل جريرته في الدنيا والآخرة ؟!! لا معني لهذه الجريمة البشعة يمكن أن يقره عقل, ناهيك بالدين وأحكامه.. فهذا العمل الضرير لا ينطلق إلا من مجرد اختلاف ديانة الجاني والمجني عليها, وهو أمر حدث وسيظل يحدث ما بقي الشر والخطيئة عالقين بالآدمي.. أيا كانت ديانته وديانة المجني عليها.. وليس من الحق ولا من العدل ولا من العقل أن تحمل طائفة بأسرها, مسلمة كانت أو مسيحية, مغبة جانح خرج علي شريعة دينه ذاته حين استباح عرضا لطفلة بغير حق.. خطأ الجاني جنوح شخصي, لا هو خطأ دينه ولا هو خطأ الطائفة التي ينتمي إليها أو يحسب عليها! هل معني اختلاف الدين تبادل العداء علي غير حجة أو منطق أو عقل ؟! والقرآن المجيد هو الذي قال:' ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين'( هود118).. وفي القرآن دلالة علي الأصل الواحد لجميع الأديان, يقول الحق جل وعلا:' قولوا آمنا بالله ومآ أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون'( البقرة136).. والقرآن الحكيم هو الذي جرت آياته علي ما يحفظ العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين, فقال تعالت حكمته:' اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذآ آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين'( المائدة5).. أباح الإسلام للمسلم طعام أهل الكتاب وأن يتزوج منهم وأن تبقي الزوجة علي دينها ويبقي هو علي دينه, لها كل ما للزوجة المسلمة من حقوق سواء بسواء.. ولم يتحدث كتاب عن السيد المسيح عليه السلام بمثل الحديث البليغ الرائع الذي ورد في القرآن:' إذ قالت الملآئكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين* ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين'( آل عمران46,45).. والقرآن المجيد هو الذي خص النصاري بإشارة خاصة لما بينهم وبين الإسلام والمسلمين من مودة ورحمة فقال تبارك وتعالي:' ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون* وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنآ آمنا فاكتبنا مع الشاهدين'( المائدة83,82). والإسلام منحوت اسمه من لفظ السلام, وتحيته هي السلام, والسلام مهجة وروح الإسلام, تحية الله للمؤمنين تحية سلام:' تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما'( الأحزاب44), ومستقر الصالحين دار أمن وسلام:' والله يدعو إلي دار السلام ويهدي من يشاء إلي صراط_ مستقيم'( يونس25)..' لهم دار السلام عند ربهم'( الأنعام127).. والأمن والأمان هما غاية الإسلام. من أميز ما في الإسلام, أن جميع المباديء والأحكام التي قررها تصب في آليات تحقيق الأمن والأمان المجتمعي التي يحرص عليها الإسلام, لأمان الإنسان كل إنسان علي روحه ونفسه وعرضه وماله, فهذا الأمان هو مهجة وعمود وغاية كل المباديء والقواعد والأحكام الإسلامية.. وليس أجزي للإنسان, وأمان مجتمعه, من دين يطوي الناس جميعا في أسرة إنسانية واحدة ينعم فيها الكل بالأمان, ولا تفاضل فيما بين أفرادها إلا بالتقوي والعمل الصالح.. وصدق تبارك وتعالي إذ قال في كتابه المبين:' يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير'( الحجرات13).