اشتهرت مصر علي مدي تاريخها الطويل بكلمة ولادة وأن معينها في العطاء لا ينضب في كل مجالات الحياة, وفي كل جيل من أجيالها المتعاقبة تسطع في سمائها أسماء نجوم كبار في الشعر والأدب والموسيقي والغناء والقصة والرواية والفنون التشكيلية وغيرها. وتفتح القاهرة بأضوائها المبهرة ووسائل الإعلام المتعددة مسموعة ومقروءة ومرئية كل أبوابها لهؤلاء المبدعين وتنفتح عليهم أيضا الأجهزة الإعلامية والثقافية ليأخذوا أماكنهم علي طريق الشهرة والمجد والتألق, يساعدهم في ذلك قربهم منها ووجودهم الدائم في عقر دارها, وعلي الجانب الآخر يحدث العكس لهؤلاء الذين حرمتهم ظروفهم من هذه الأضواء والاستفادة منها لبعدهم عنها, فظلوا قابعين في أماكنهم داخل مناطقهم النائية واقاليمهم البعيدة عن العاصمة وهذا قدرهم كما يقولون ويصفون أنفسهم بأنهم أدباء وشعراء في الظل من كثرة وقسوة حرمانهم من ثمار هذه الأضواء ومن بينهم كثيرون كما يجمع النقاد ممن وهبهم الله نعمة الفكر والقدرات العالية في مجالات الابداع الفني والأدبي والتي قد لا تقل عن اترابهم في العاصمة, وهم يعانون بالفعل من ذلك الحرمان والذي يتمتع به أدباء وشعراء القاهرة, ولم يكن أمامهم سوي مباشرة نشاطهم الثقافي داخل مدنهم وأقاليمهم ودون الخروج عن حدودها قيد أنملة. وفي آخر احصائية تلقيتها من رئيس هيئة قصور الثقافة د. أحمد مجاهد توضح لنا هذا الزخم الأدبي والثقافي والفني الكبير الذي تزخر به أقاليم مصر ويشكلون ثروة هائلة من هذا الابداع المتميز الذي تنعم به مصر دون غيرها من البلدان العربية, فقد خصها الله وحدها بهذا التميز, وتؤكد الاحصائية أن لدينا في الأقاليم142 ناديا أدبيا مركزيا وفرعيا في مختلف المحافظات, يشارك فيها نحو2283 عضوا ممن تنطبق عليهم شروط العضوية, بأن ينشر له عملان أو ثلاثة علي الأقل ويتم اختيار205 أعضاء منهم يمثلون محافظاتهم في مؤتمر الأدباء الموسع الذي يعقد كل عام, وأن هؤلاء الأدباء والشعراء والمبدعين علي درجة عالية من الكفاءة بشهادة كبار المفكرين والنقاد وأساتذة الأدب في كليات جامعاتنا الإقليمية وان الفرصة لو أتيحت لهم مثل غيرهم ووصلوا بإبداعاتهم خارج الأقاليم لأصبحوا نجوما ساطعة وحققوا اضافة حقيقية علي خريطة الابداع الأدبي والشعري ليس في مصر وحدها وربما علي خريطة الابداع العربي بشكل عام, وحتي لا تضيع من مصر هذه الثروة الهائلة من المبدعين ويتقدم بهم العمر داخل مدنهم ومناطقهم البعيدة عن الأضواء وتخسر مصر هذه الكنوز الغالية من مبدعي الأقاليم لنا بعض هذه المقترحات المهمة الآتية: أن تتبني هيئة قصور الثقافة تشكيل لجنة من كبار الكتاب والأدباء والمفكرين لاختيار نماذج من أعمال أدباء الأقاليم المتميزة وترشيحها للهيئة العامة للكتاب لطبعها ضمن إصداراتها التي تعرضها في معرض القاهرة الدولي للكتاب كل عام. أن تختار القطاعات المنتجة للدراما التليفزيونية الثلاثة بعض قصص أدباء الأقاليم ذات المضمون البناء والجيد والهادف وبالاتفاق مع بعض المخرجين الكبار ومديري مديريات الثقافة وذلك لتحويلها الي مسلسلات تليفزيونية بحيث تقدم لنا عملا أو عملين كل عام وتكسر بها حاجز احتكار نخبة معينة من أدباء القاهرة للأعمال الدرامية. وأخيرا لا مانع أن تتبني الجامعات الاقليمية, ترشيح بعض أساتذتها وأدبائها وشعرائها النابغين لنيل جوائز الدولة, الذين لهم أعمال ترقي لهذه الجوائز, وبذلك وحده يخرج أدباء الأقاليم من مناطق الظل المعتمة الي دوائر النور التي يستحقونها.