مع اقتراب شهر رمضان الفضيل كنا نلاحظ ارتفاع أسعار اللحوم, وكان الرد رمضان.. وكل عام وأنتم بخير, كأن الناس لا تأكل اللحوم إلا في رمضان. بينما الحقيقة هي أن أسعار اللحوم لم تعد مرتبطة بشهر رمضان وان الأسعار تزيد بالرغم من تراجع أسعار الأعلاف. لا أود أن أذكر أن وسائل الإعلام هي التي ترفع الأسعار فحقيقة الأمر أن سعر اللحم عند الجزارين مرتبط بالمنطقة فأسعار اللحم في الزمالك; ليست هي نفس الأسعار في بولاق أو امبابة ونتيجة لتخبط السياسات في الزراعة وتربية الماشية وعدم وجود نظرة مستقبلية من المتوقع أن تستمر الأسعار في الارتفاع! إذن ما أسباب المشكلة؟ يجيب الخبير المهندس محمد رأفت شكير, بأن أسباب المشكلة عديدة ومن أهمها التخلص من أغلب الإناث, خاصة في العامين الماضيين إذ أن الإناث تمثل للمربين عبئا كبيرا عند ارتفاع أسعار الأعلاف والتي تجاوزت ثلاثة آلاف جنيه للطن في بعض الأحيان وعندها يلجأ المربون الي التخلص من ثرواتهم الحيوانية. والغريب أن الإناث يضيف أول ما يتجه إليه المربون بالرغم من أنها هي التي تلد العجول وتعطي اللبن ويتم تسمينها للتربح حيث يصل وزنها الي600 كيلو, ولكن ينتج عن ذلك قلة وجود عجول للتسمين بل والأكثر من ذلك اختفت معظم الإناث التي تمثل اللبنة الأولي لزيادة الثروة الحيوانية. ويضيف المهندس محمد شكير أن هناك أسبابا أخري ومنها الاستمرار في ذبح البتلو الصغير من عمر8 الي16 أسبوعا وهو ما يعطي أقل من أربعين كيلو لحم, بينما لا يجب الذبح للعجول إلا عند18 شهرا اذ إنه في هذا العمر يعطي أكثر من مائتي كيلو لحم أي بمثابة خمسة أضعاف. ويتابع المهندس شكير, ان انتشار الأمراض البيطرية في السنوات الأخيرة يرجع لعوامل عديدة منها وفود الأمراض من الخارج من خلال عمليات استيراد الحيوانات الحية غير المحصنة تحصينا جيدا وكذلك عدم توافر الأمصال والتحصينات الكافية من حيث الكمية أو تأثيرها في سلالات الأمراض الجديدة المنتشرة وعلي رأس هذه الأمراض الحمي القلاعية بأجيالها الثلاثة وحمي الثلاثة أيام والجلد العقدي وهذا ما دفع المستهلكين من المواطنين الي العزوف عن أكل اللحوم المستوردة, خاصة بعد انتشار مرض انفلونزا الخنازير, وأصبح الطلب علي العجول فقط, مما شجع أغلب المربين علي رفضهم لبيع العجول في الفترة التي تصل الي4 شهور قبل عيد الأضحي طمعا في زيادة الأسعار وتحقيق مزيد من المكاسب, خاصة أن هناك عمليات تصدير الي السعودية من بعض الأنواع التي تتميز بها مصر لذبح الأضاحي خلال موسم الحج. ومع كل هذه الأسباب يضيف المهندس محمد شكير انه يتزامن مع هذا قلة الأعلاف الخضراء في الصيف حيث تقل عن الشتاء لوجود زراعات البرسيم وغيرها, ثم نأتي الي مشكلة أخري وهي قلة زراعة القطن في السنوات الأخيرة إذ كانت تمثل مصدرا مهما للأعلاف المتمثلة في بذرة القطن, وأصبح البديل هو فول الصويا المستورد وبالطبع فهو غالي الثمن ومن هنا يأتي تذبذب أسعار الأعلاف مما جعل كثيرا من المربين ينصرفون عن الاستمرار في تربية المواشي, علاوة علي عشوائية الأسواق وعدم وجود قاعدة بيانات عن الثروة الحيوانية في مصر مما يجعل الأمر صارفا لأي مستثمر عن الخوض في هذا المجال. يقول المهندس محمد شكير يجب أن نخلص النيات لإيجاد حل لوقف نزيف ارتفاع الأسعار فيجب وضع سياسة مستقبلية يتم التنسيق فيها بين الوزراء المعنيين للتغلب علي مشكلات الثروة الحيوانية, وأن تسهم الدولة في تشجيع صغار المربين من شباب الخريجين بإحياء المشروع القومي للبتلو الذي كان يسهم في إمداد الأسواق المصرية بجزء كبير من استهلاك اللحوم. كما يجب العمل علي انتشار الجاموس المصري المتأقلم علي المناخ المصري من مئات السنين وله قدرة عالية علي مقاومة الأمراض وله صفات جيدة في اعطاء اللحم والألبان عالية الجودة. ويضيف يجب توفير أعلاف جيدة ورخيصة سواء باستيرادها واعفائها من الجمارك, بالإضافة الي تشغيل مصانع الأعلاف التابعة لوزارة الزراعة بالإضافة الي الاستعانة بمصانع الأعلاف الخاصة بالقوات المسلحة, اذ إنه لا تربية للمواشي بدون أعلاف. ويؤكد أنه يجب العمل علي إيجاد أعلاف غير تقليدية باستغلال المخلفات الزراعية في الحقل كقش الأرز وحطب الذرة والقطن بالاضافة الي مخلفات التصنيع الغذائي. ويجب علي الدولة يتابع تقديم القروض الميسرة قليلة الفائدة لصغار المربين لحثهم علي التوسع في تربية الماشية لإنتاج اللحوم, وهو المشروع القومي للبتلو الذي يمثل أهم الحلول لوقف نزيف الأسعار.
