أصبحت المعارض والمؤتمرات الدولية والمحلية بأنواعها المختلفة إحدي الظواهر المهمة في العصر الحديث خاصة في السنوات الأخيرة ولا تقتصر أهميتها علي كونها أحد مصادر العلم والمعرفة فقط0 بل هي في النهاية تجارة واقتصاد وسياحة وقبل ذلك كله وبعده هي نشاط وتواصل انساني مهم يسهم في التقريب بين البشر والشعوب. وفي عالم صناعة السياحة يطلق الخبراء والمهتمون بالسياحة علي نشاط المعارض والمؤتمرات بشكل عام سياحة المؤتمرات وهي أحد أنواع السياحة الحديثة التي تسعي الفنادق في المناطق السياحية إلي جذبها بل تسعي الدول السياحية بشكل عام إلي جذبها لما تحدثه من نشاط ورواج اقتصادي وسياحي يتعدي تشغيل الفنادق إلي إحداث حركة سياحية ورواج اقتصادي كبير مثلها في ذلك مثل البطولات الرياضية أو الأحداث الثقافية والفنية التي تنظمها الدول والتي تصب كلها في خدمة الاقتصاد في النهاية. ولايخفي علي المتخصصين أن هناك مدنا في العالم نجحت في أن تصنع لها اسما في عالم المعارض والمؤتمرات وباتت تنظم أكثر من100 مؤتمر أو معرض دولي في السنة الواحدة وعلي رأس هذه المدن باريس(139) وفيينا(139) وبرشلونة(136) وسنغافورة(118) وبرلين(100) وبالطبع لايظهر اسم القاهرة في قائمة المدن الكبري عالميا التي نجحت في هذا المجال. غير أن اللافت للنظر أن المعارض والمؤتمرات الثقافية والأثرية أصبح لها نصيب كبير من الاهتمام في عالم يموج بالعلم والمعرفة والثقافة والاهتمام بالتاريخ والآثار. من هنا كان اهتمام دول كثيرة بتنظيم معارض للآثار المصرية الفرعونية التي تلقي اهتماما كبيرا من الجمهور خاصة في عالم الغرب بكل ما أحدثته هذه الحضارة المصرية من سحر وولع خاصة عند الأوروبيين والأمريكيين. آخر هذه المعارض مانحن بصدد الحديث عنه اليوم والذي يقام في متحف مدينة فرانكفورت بالمانيا تحت عنوان ساحورع حياة وموت فرعون عظيم والذي افتتح24 يونيو الماضي ويستمر حتي28 نوفمبر, والمتوقع أن يزوره نحو(60 70 ألف زائر) علي مدي5 أشهر تقريبا هي مدة المعرض الذي تنتشر الاعلانات عنه في كل مكان في فرانكفورت وتتحدث عنه الصحف بشكل رائع وعن الحضارة المصرية بشكل عام. الدكتور فينزن برينكمان أستاذ الآثار ومدير هذا المعرض شرح لنا في جولة بالمعرض أن القطع الأثرية المعروضة وعددها80 قطعة تم تجميعها من متاحف عالمية هي اللوفر في باريس والميتروبوليتان في نيويورك وبوسطن وبرلين وميونخ, فضلا عن قطع من متحف فراتكفورت وأن تصميم صالة العرض تم علي أحدث مستوي علمي والقطع معروضة بشكل رائع وسط إضاءة للفاتيرينات والحوائط غاية في الجمال, مع تناسق في الوان حوائط صالة المعرض بشكل جميل مع وجود ماكيت أو نموذج لمنطقة أبوصير بالجيزة والتي تقع علي بعد نحو9 كم جنوب الأهرامات وكذلك لأول مرة يتم عرض نموذج للمجموعة الهرمية الخاصة بالملك ساحورع في مدخل المعرض مع لوحة أو صورة واقعية من الموقع الذي تم العثور فيه علي كل هذه القطع الأثرية. وأضاف د.برينكمان أن المعرض يقام احتفاء بالأثري الألماني عالم المصريات د.لودفيج بورخارت أحد أبناء فرانكفورت والذي عاش فترة في حي الزمالك بالقاهرة الذي اكتشف المجموعة الهرمية للملك ساحورع, حيث عمل في منطقة أبوصير في بداية القرن العشرين وتحديدا اكتشف هذه المجموعة في الفترة من1907 حتي1912 ويضم المعرض قسما خاصا عن الأثري الألماني لودفيج يضم بعضا من مقتنياته الشخصية وكتبه وأوراقه التي استخدمها وأبحاثه التي أنجزها عن منطقة أبوصير. ومن المعروف أن لودفيج الذي عاش في الفترة بين(863 1938) عمل فترة بمنطقة تل العمارنة, وهو الذي اكتشف التمثال أو مايعرف برأس نفرتيتي هناك والمعروض حاليا في متحف برلين. وبشكل عام يحكي المعرض قصة حياة وموت وآثار هذا الفرعون أو الملك العظيم ساحورع الذي كان أحد أشهر ملوك الأسرة الخامسة من الدولة الفرعونية القديمة دولة عصر الأهرامات وحكم مصر تحديدا في الفترة من(2428 2416 ق.م) وكان هو الملك الثاني في ملوك هذه الأسرة, أي أن آثاره عمرها نحو4500 سنة ومعروف أن هذه الدولة كانت تهتم بالثقافة والفنون, فضلا عن أنها تركت لنا الأهرامات. وفي الكتالوج الرسمي للمعرض الذي كتب فيه عالم الآثار الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار مقالا مهما عن منطقة أبوصير كتقديم رائع للمعرض, ذكر الدكتور حواس أن هذه المنطقة سيتم افتتاحها للجمهور خلال هذا العام وأنه سعيد بإقامة معرض عن آثار أبوصير, في متحف فرانكفورت وكذلك سعيد بالاحتفاء بعالم الآثار لودفيج وبما حققه في أبوصير وأن عام2010 سيكون مناسبا أو سيشهد احتفاء من المجلس الأعلي للآثار بعدد من علماء المصريات الذين أسهموا في هذا العلم وسيتم طبع أعمالهم وأن الألماني لودفيج بورخارت الذي اكتشف المجموعة الهرمية للملك ساحورع أسهم بعمل كبير في الكشف عن هذه المنطقة التي نسميها منطقة الأهرامات المنسية والتي تستكمل الحفائر فيها حاليا بعثة تشيكية. غير أن الجانب الآخر المهم في هذا المعرض هو ذلك الاهتمام الاعلامي به في المانيا, فضلا بالطبع عن الناحية العلمية, فكما تقول دورثيا بورفينك المسئولة عن الإعلام في متحف فرانكفورت وعن هذا المعرض إنه تم تنظيم رحلة ل14 صحفيا وإعلاميا وتليفزيونيا إلي القاهرة وزيارة منطقة أبوصير ولقاء د.زاهي حواس والسفير الألماني بالقاهرة قبل افتتاح المعرض, كما تم النشر عن المعرض في العديد من الصحف والتليفزيونات في فرانكفورت والمانيا بشكل عام, مما اضفي اهتماما خاصا علي المستوي الإعلامي بمعرض ساحورع وهو في النهاية يخدم العلاقات الثقافية والسياحية والعلمية بين مصر وألمانيا, كما أشارت إلي أن هناك عدة شركات وهيئات ومؤسسات إعلامية ترعي هذا المعرض إيمانا بأهميته. وبعيدا عن مضمون المعرض وأهميته من الناحية الأثرية والعلمية يبقي لنا علي صفحات سياحة وسفر مجموعة من الملاحظات المهمة التي تتعلق بالسياحة والآثار وضرورة استغلال هذه المعارض في التسويق والترويج السياحي لمصر ولذلك نقول: * ليس من المعقول أن يقام هذا المعرض المهم عن الآثار المصرية في واحدة من المدن الألمانية الكبري فرانكفورت والتي يوجد بها المكتب السياحي المصري الرسمي للدولة المصرية ولايوجد أدني اهتمام بالمعرض, فالمكتب غائب تماما عن الحدث وبرغم مئات ولا أقول آلاف الزوار الذين يدخلونه يوميا, فلايوجد أي نشاط سياحي مصري هناك ولاتوجد مطبوعة أو بريشور باسم مصر علي مدخل المعرض ولايوجد حتي موظف من المكتب المصري جاء يستغل هؤلاء الزوار ويقدم لهم السياحة المصرية ويحاول جذبهم إلي مصر, ولا أدري ماهو العمل العظيم الذي ينشغل به المكتب بعيدا عن التقاط هذه الفرصة المهمة في الترويج سياحيا لمصر, فعلا شيء يدعو للعجب, ولا أريد الخوض تحديدا في مهمة هذا المكتب وطريقة عمله وأين ينفق أمواله؟ فتلك قضية أخري ليس مجالها اليوم, ولكن سنعود إليها حتما يوما ما أو في وقت قريب!! * يطرح هذا المعرض قضية أخري أكبر وهي ذلك التنسيق المفقود بين الثقافة والآثار في مصر من ناحية والقائمين علي السياحة من ناحية أخري ومدي امكان استغلال هذا الولع بآثار مصر في الترويج لها سياحيا, فمن المسئول عن ذلك؟! * بقي أن أشير إلي أن المعارض أصبحت سمة من سمات هذا العصر, ولذلك كنت دائما من الذين ينادون بإقامة معارض للآثار المصرية في الخارج مع وجود قائمة للممنوعات لقطع فريدة لاتخرج من مصر أبدا وهو ما أتفق فيه بالطبع مع السيد فاروق حسني وزير الثقافة والدكتور زاهي حواس, فهما من أصحاب هذا الرأي وإلا خسرت مصر أموالا طائلة تجلبها هذه المعارض وتسهم في الترميم وإقامة المتاحف, ولعل في معرض فرانكفورت الآن مايؤكد ذلك وأنه من الأفضل أن نقيم وننظم نحن المعارض.. فمتحف فرانكفورت أضطر لتنظيم هذا المعرض وتجميع قطعه من متاحف عالمية كما أوضحنا كنشاط علمي لانستطيع الاعتراض عليه وبرغم أن المتحف المصري لم يشترك لضيق الوقت كما علمنا وبالتالي لن نأخذ منه عائدا ماديا, فإنني أقول إن هذا المعرض نموذج يؤكد ضرورة الاهتمام بالمعارض الأثرية وتنظيمها في الخارج وإلا سنخسر كل شيء وتحديدا سنخسر موردا مهما لترميم الآثار المصرية, فالمعارض ستتم إقامتها رضينا أو لم نترض فلماذا لا نغتنم الفرصة ونكسب من هذه المعارض ماديا وسياحيا؟ وإذا كانت الفرصة ضاعت ماديا من معرض فرانكفورت لأننا لسنا المنظمين فإن الفرصة مازالت قائمة سياحيا, فإدارة المعرض تفكر في اقامة ليال ثقافية مصرية, والدكتور زاهي حواس سيلقي محاضرة مهمة هناك10 سبتمبر المقبل وسيحضرها عدد كبير, فهل نغتنم الفرصة سياحيا لمصلحة مصر حتي تزيد السياحة إلي مصر من المانيا حاليا مليون سائح أكثر وأكثر يارب!! [email protected] المزيد من مقالات مصطفى النجار