لمن يهمه الأمر من الأحزاب المصرية الشرعية, وفي المقدمة منها الحزب الوطني الديمقراطي, حتي المستقلين الذين يقررون السير منفردين علي طريق الحصول علي ثقة الشعب في الانتخابات البرلمانية; فيما يلي سوف يجدون عناصر مهمة وضرورية لبرنامج انتخابي وطني ربما يكون مفيدا في التعامل مع القضايا الأساسية التي يهتم بها الوطن والمواطنون. وقبل أن ندلف إلي هذه المهمة الكبيرة فربما يحسن علي صاحب المصلحة من الأطراف السياسية المنوه عنها أن يحدد أمرين قبل النظر في البرنامج الانتخابي: أولهما أن يحسم الحزب, أو قيادته الشرعية الممثلة له, قضية ما إذا كان يمثل مصر كلها, أو أنه يسعي إلي قيادتها, وهناك فارق بين الحالتين. فمن يرد تمثيل مصر كلها فسوف يكون عليه أن يرضي جميع الأطراف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع, وهو ما يستحيل من الناحية العملية, وسوف ينتهي البرنامج بأن يكون إعلانا عن كثرة من النوايا الطيبة, وقائمة طويلة من القضايا المعروفة التي تضاف لها طبقات حريفة من الينبغيات علها تصير حقيقة بالتمني والرغبة. أما من يرد قيادة مصر فإن عليه أن يكون أكثر قوة وقدرة علي صياغة مواقفه في اتجاهات بعينها وفي مواجهة اتجاهات أخري; وعلي سبيل المثال فإن الحزب, أو المرشح, الذي يريد دولة مدنية حديثة سوف يختلف عن هؤلاء الذين يريدونها دولة دينية أو دينية مقنعة بقناع مدني. هنا فإن الخيارات واضحة, والرؤي جاذبة للبعض ومنفرة لبعض آخر, والطرق كلها جلية لا تخفي ولا تتغطي بأردية الكلام وعذب الحديث. وضمن هذا الإطار ربما يحسن أن يعرف السياسي الحزبي أو المستقل جوهر قضية الانتخابات في مصر, وهو أن عدد الذين يشاركون في التصويت في المتوسط لا يزيدون علي25% من عدد المصوتين, أو عادة ما يتراوح بين6 و7 ملايين مصوت في مصر كلها, وهو ما يعني أن هناك رصيدا كبيرا من المصوتين يمكن اجتذابهم إذا ما كانت الكلمة في البرنامج ذات معني عملي وواقعي. وثانيهما أن للبرنامج الانتخابي وظائف يقوم بها, فالمفترض من ناحية أن يعبئ البرنامج جماهير الحزب وراء المرشحين, ويعطيهم فرصة للمراجعة لما تم إنجازه في المرحلة السابقة. ومن ناحية أخري فإن للبرنامج وظيفة الإلهام للجماهير عامة, علي اعتبار أن المرشح أو الحزب سوف يفتح طريقا أو مستقبلا أو حتي تاريخا جديدا يختلف عما سبق, ولا يكون ذلك بالطبع علي سبيل الإيهام أو التدليس وإنما يكون بإعمال الفكر في سياسات تغير الوطن. ومن ناحية ثالثة فإن البرنامج هو واحد من وسائل الاشتباك السياسي مع أحزاب ومرشحين آخرين, ومن ثم وجب إقناع الناخب بانتخاب طرف بدلا من آخر. وربما يكون أهم أشكال الاشتباك الجارية الآن في السياسة المصرية أن الساحة باتت منقسمة بين فريقين, واحد منهما يؤمن بشرعية النظام السياسي ولكن له تحفظاته وانتقاداته علي السياسات القائمة وله سياسات بديلة تختلف عنها; والآخر يستفيد من مزايا النظام السياسي الحالي من حيث حرية التعبير والترشيح والوصول إلي المجالس التشريعية, ولكنه في نفس الوقت يرفض شرعية النظام السياسي وهو في ذلك علي استعداد لاستخدام وسائل غير سلمية وحتي الاستعانة بالضغط الأجنبي من أجل تحقيق مطالبه. الاشتباك هنا كبير بين الأحزاب الشرعية والأحزاب غير الشرعية التي تدخل الانتخابات تحت رداء المستقلين حيث يحتاج الأمر لوضع كثير من النقاط علي الحروف وتحتها. بعد ذلك يأتي مضمون برنامج الحزب وفي المقدمة منه سوف تأتي القضية السياسية التي تكاد تكون أم القضايا حتي لو كانت تهم النخبة بأكثر مما تهم الجماهير العريضة وهي تلك المتعلقة بالنظام السياسي كله وعدد من قضاياه الأساسية. وليس سرا علي أحد أن القضية الدستورية لا تزال مطروحة علي مائدة التغيير في مصر, وبجوارها توجد قضيتان عمليتان: الأولي قانون الطوارئ, والثانية نزاهة العملية الانتخابية. وأظن أن من يريد قيادة مصر خلال المرحلة المقبلة عليه أن يحدد موقفا من القضايا السياسية العامة, والقضايا العملية, وكلاهما باتت سببا في انقسام النخبة السياسية داخل البلاد. وفي البلدان عامة, والديمقراطية خاصة, فإن الانقسام والاستقطاب في القضايا الأساسية ليس من الأمور المحمودة, وفي الولاياتالمتحدة وكثير من البلدان الديمقراطية الغربية هناك شكوي مرة من هذه الحالة التي تجعل التآلف علي صنع السياسات اللازمة لتطور المجتمع من الأمور بالغة الصعوبة. أما عندنا فإن المأمول هو قيام المرشحين والأحزاب بالبحث عن البرنامج السياسي الذي يعبر الفجوات, ويلغي الاستقطاب والانقسام, ويضع حدا لقانون طال وجوده أكثر مما ينبغي, ويوفر ضمانات لا يختلف عليها أحد للعملية الانتخابية تجعل التساؤل عن شرعية الانتخابات علي غير ذي موضع. القضية الثانية تتعلق أساسا بالتغير الجغرافي والديمغرافي في مصر, وربط الإنسان بالمكان في البلاد, أو باختصار قضية العمران في مصر التي كانت واحدة من أهم سياسات الحزب الوطني الديمقراطي خلال العقود الثلاثة الماضية. مثل هذه السياسة يجري الاشتباك معها حاليا من خلال أجهزة الإعلام, ولكن القوي السياسية المختلفة إما صمتت لأنها لا يوجد لديها سياسة عمرانية من نوع أو آخر, أو أنها تجد في سياسة الحزب الوطني ما يروق لها. ولكن الواقع الآن هو أن هناك أفكارا كثيرة جارية تحمل مصر من واديها الضيق إلي بحارها الواسعة, ومن صفرة الصحراء إلي خضرة الأرض الزراعية; وصمن هذا الإطار تطرح مشروعات وتصورات عن الظهير الصحراوي وممر التنمية ومصر الخضراء. وبينما هذه المشروعات الهائلة مطروحة فإن هناك قضايا وسياسات أخري تتعلق بتخصيص الأراضي, والسماح للشركات العملاقة والعابرة للقارات باستغلال الأرض في مشروعات كبري. القضية الثالثة فيما الظن هي في حقيقتها حزمة من المسائل الكبري المتعلقة بالتعليم والأمية; وبينما هذه الأخيرة لا تزال تمثل عارا قوميا أن ندخل القرن الحادي والعشرين بينما توجد نسبة لا تقل عن28% من السكان لا تزال لا تعرف القراءة والكتابة, فإن قضية التعليم أصبح جوهرها ليس فقط إتاحة التعليم وإنما إتاحته بجودة تؤثر في عقلية المتعلم وتعطيه القدرة في نفس الوقت علي الدخول إلي سوق العمل. كيف نفعل ذلك وبالسرعة الكافية؟. تلك هي وظيفة السياسة التي هي نتاج ذلك التفاعل الحادث في المؤسسات المختلفة التي يسعي المرشحون والأحزاب للوصول إليها. القضية الرابعة كما هي الحال في قضية التعليم والأمية هي استكمال ما طال استكماله طويلا وهو أحكام وأوضاع قوانين السوق التي تتيح المنافسة وتمنع الاحتكار, وتسمح بعمليات سهلة وفاعلة للدخول والخروج من السوق الاقتصادية, وغيرها من الأمور التي تطمئن المستثمر, والمستهلك, وتجذب الاستثمارات الأجنبية إلي آخر ما حققته دول قريبة وبعيدة سبقتنا في هذا المجال. وربما يفيد المرشحين والأحزاب كثيرا أن يطلعوا علي قواعد دخول الدول المختلفة كأعضاء في الاتحاد الأوروبي حيث توجد قائمة طويلة للإصلاح السياسي والاقتصادي تجعل البلد جاهزا للدخول إلي نادي الدول المتقدمة. أما إذا كان الحزب أو المرشح لا يحب أو لا يفضل الروشتات الجاهزة فإن عليه أن يقدم قائمته الخاصة في هذا المجال, المهم ألا يتخذ مسارا سلبيا يتجنب الاشتباك الفكري والسياسي مع أهم القضايا المطروحة. القضية الخامسة هي تحرير مصر من الفقر, وأيا كانت الاختلافات علي نسبة الفقر والفقراء في مصر فهي كبيرة, وهي تدعو الساسة لكي يعملوا الفكر ليس في كيفية إعانة الفقراء في فقرهم, ولكن في الكيفية التي يخرجون بها من دائرة الفقر بحيث لا تمدح الحكومة أو السياسة لأنها توسعت في الدعم, وأضافت سلعا جديدة للبطاقات التموينية, وإنما تكافأ الحكومات والسياسات علي قدراتها علي إخراج الفقراء من دائرة الدعم والمنح وما يسد الجوع إلي أرض مصر الواسعة ينتجون ويحصلون علي الرزق. القضية السادسة ليست الأخيرة في قائمة أولويات الواقع لأنها تتعلق بسياسات مصر الخارجية وأمنها القومي, ويستطيع الحزب الوطني الديمقراطي أن يفخر بأنه لم ينجح فقط في تحرير مصر من الغزاة الإسرائيليين مرة من خلال اتفاقية السلام مع إسرائيل, ومرة من خلال التحكيم الدولي في طابا; وإنما نجح أيضا في أن يبقي مصر بعيدة عن التورط في مهالك حاولت قوي كثيرة داخلية وخارجية أن تدفعه أو تستدرجه إليها. وفي منطقة غير مستقرة وممتلئة بأشكال مختلفة من الأصوليات والخلافات المذهبية والطائفية وضعف الدولة وأسسها في العموم فإن السير بالسفينة المصرية في أمان ليس من الأمور السهلة. ومع ذلك ولأول مرة منذ آلاف السنين فإن مصر ليست محتلة من طرف أجنبي, ولا يحكمها حاكم أجنبي, ولديها مساحة متسعة من العلاقات الإقليمية والدولية التي تتيح لها موارد كثيرة للتنمية والتقدم. مثل ذلك يتعرض كل يوم للشد والجذب, ومع التوحش الإسرائيلي, واشتداد ساعد الأصوليات الراديكالية, فإن الضغط علي مصر سوف يتصاعد خلال المرحلة المقبلة حتي يصل إلي داخلها وهو ما ظهرت له شواهد في سيناء خلال الأيام القليلة الماضية. ودون ادعاء فإن الداخل والخارج المصري يتداخلان خلال هذه المرحلة, ووظيفة السياسة والسياسات أن تضع ما يكفي من المبادرات لكي يستمر الاستقرار والتنمية في الداخل, والدور الإقليمي القائم علي السلام والتنمية الإقليمية مستمر. وفي النهاية هذا هو برنامجنا لمن يشاء ويرغب, ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه, وهو لمن يهمه الأمر في مصر أيا كان مكانه وعنوانه. [email protected] المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد