كان يتوقع دائما خبرا سيئا يقع عليه كالصاعقة مع أنه ليس متأكدا من كونه مذنبا أو يستحق عقابا سماويا بهذا الحجم.. حين قالت له روزينا عبر الهاتف إنها حامل.. اضطرب وارتبك.. أنكر أن يكون السبب.. ثم بدأ يفكر في التسوية.. استشار كليما عازف الترومبيت أصدقاءه في الأوركسترا.. قال عازف الجيتار.. يجب صدها بقسوة.. وإذا أصرت فسوف نذهب جميعا إلي المحكمة ونشهد بأننا كلنا صادقناها آنذاك.. فليبحثوا إذن عن الوالد بيننا.. الخطورة هنا أن كليما مشهور وغني وتلك الأحداث تهدد مستقبله.. إذن لابد من البحث عن السيناريو الثاني.. الاستعطاف.. أن يحكي لها عن مرض زوجته وأنها سوف تموت لو علمت بالأمر.. وإذا فشل يبدأ السيناريو الثالث.. هو الدهاء.. سيقول لها إنه يحبها ويغمرها بالحنان ويوهمها بأنه سوف يطلق زوجته ولكن ريثما يتم ذلك يجب أن نتخلص من الجنين.. حتي يستمتعا بحياة عاطفية جميلة وإلي حين أن تهدأ الأمور.. عازف الجيتار مضي معه.. قال قولة فيتشه.. يا صديقي إذا ذهبت إليها برجليك فاعلم أنها ستكون من سيمسك بالسوط, والتالي يجب أن تقتلها إذا اقتضي الأمر.. يمكن أن أذهب معك لأدهسها.. استسخف الفكرة ولكنه ذهب إلي صديقه الدكتور سكرينا وطلب منه التأكد من كونها حامل أم لا.. قال لها إنها في بداية الحمل وأحسن طريقة هي الفأرة.. حقن فأرة ببول روزينا فإذا انتفخت بطن الفأرة ومبيضها تكون السيدة حامل.. وللأسف النتيجة أظهرت فعلا أنها حاملا.. يدخل عازف الترومبيت في حوارات مع أصدقائه حول نظرة المجتمع والناس والتغيرات فيما بعد الشيوعية ومعني الحياة والموت والأيديولوجية.. لكن يعود إلي مأساته مع روزينا مرة أخري ويتساءل عن أهمية أن يكون له طفل في هذه الحياة الدنيا.. جاكوب صديق كليما قرر أن يساعده وتحايل حتي يضع حبة زرقاء سامة في دواء روزينا إلا أن القدر كان يدخر مفاجأة.. ظهور عشيق آخر مهووس بروزينا.. راح يصرخ في عيادة طبيب النساء.. لا تجري عملية إجهاض يا روزينا أنا الأب الحقيقي لهذا الطفل الجديد.. وتمادي في صراخه حتي إنه هجم عليها فسقطت بين ذراعيه جثة هامدة بينما هو يعلن للجميع أنه قتل روزينا.. رواية فالس الوداع.. يخبرك فيها ميلان كونديرا بأن معظم الناس يتحركون ضمن دائرة مثالية بين بيتهم وأعمالهم, لكنهم يصبحون قتلة دون أن يعرفوا كيف.. هناك اختبارات وإغراءات لا تخضع لها الإنسانية إلا بفواصل متباعدة ولا أحد يصمد أمامها.. لكن الكلام عنها عبث تماما. والعالم الذي نعيشه عجيب حقا.. الرغبة في النظام تريد تحويل العالم إلي مملكة غير عضوية يعمل في ضوئها كل شيء.. والرغبة في النظام في حد ذاتها هي رغبة في الموت.. لأن الحياة خرق دائم للنظام أو بالعكس.. الرغبة في النظام هي الحجة الفاضلة التي يبرر بها الإنسان إساءاته.. وجاكوب في الرواية يؤكد أن الذين يتفرجون سيكونون مستعدين لتثبيت الضحية في أثناء إعدامها.. لأن الجلاد أصبح مع الوقت شخصية قريبة وأليفة.. أما المضطهد ففيه شيء تفوح منه رائحة الأرستقراطية العفنة.. أصبحت روح الجمهور التي كانت في الماضي تتماثل مع بؤس المضطهدين تعمي في زماننا هذا.. ويحلو لها أصحاب الامتيازات الذين يقرأون كتابا أو يملكون كلبا.. وميلان كونديرا يصب دائما جام فلسفته علينا في لغة عذبة أخاذة, وكأنه عازف ترومبيت.. وحشي جدا.. ورقيق جدا.. ويعزف لنا فالس الوداع.