مفكر وهب نفسه لأفكاره, و قال إن الكلمات هي أداة الإنسان للتعبير عن تلك الأفكار و ليس لقمعها, هو أديب من نوع خاص وسياسي نشط لم يتوان عن الدفاع عن معتقداته السياسية. انه جوزيه ساراماجو الكاتب البرتغالي المقاتل من أجل الحق و الخير, و المنحاز للمظلومين والضعفاء و المهمشين يرحل بعد أن قاد بشرف معركة ضد كل ما هو قبيح, كان لسانه سيفا يواجه به الاستبداد دون أن يخاف لومة لائم, في الستينات من القرن الماضي حارب الديكتاتورية في بلاده وانضم الي الحزب الشيوعي, وقف في وجه العولمة وانضمام بلاده الي الاتحاد الأوروبي, انتقد السياسات الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية, كان من أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية فلم يرهبه النفوذ الصهيوني المتغلغل في أوروبا ووصف جرائم. الاحتلال الإسرائيلي بأنها أبشع من جرائم النازية التي يروجون لها و يتخذونها ذريعة لإبادة الشعب الفلسطيني, ذهب إلي زيارة جنين بعد المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل هناك, وشبه ما حدث فيها بأنه يفوق الحكايات التي ترويها إسرائيل عن معسكرات تعذيب النازي لهم. ورغم ممارسات اللوبي الصهيوني الواسعة وانتقاده لتصريحات ساراماجو إلا أنه أصر علي موقفه وكتب مقالا يفند به الآراء الإسرائيلية ويهاجم الساسة الأوروبيين لصمتهم قائلا:' إذا كنا ندين إسرائيل لما تفعله فإن أوروبا تساعدهم بصمتها'. وبعد العدوان علي لبنان عام2006 كان ضمن مجموعة من الكتاب الذين كتبوا رسالة يدينون فيها ليس فقط العدوان العسكري علي لبنان بل السياسة الإستيطانية لإسرائيل التي تهدف أولا و أخيرا إلي تصفية الشعب الفلسطيني. رحل عن عالمنا يوم الجمعة الماضي عن عمر يناهز87 سنة بعد صراع مع المرض لأكثر من عامين, هذا المفكر والأديب المهموم بقضايا الإنسانية وشرور العالم المتزايدة. يعد جوزيه ساراماجو واحدا من أهم الكتاب البرتغاليين, حصل علي جائزة نوبل للأدب سنة1998, الرواية عنده ليست مجرد شكل أدبي, لكنها فضاء أو بحر تتدفق فيه آلاف الأنهار, اختار ساراماجو الواقعية السحرية أسلوبا لرواياته, و مزج الأحداث التاريخية في بلاده بالأساطير, لجأ الي الخيال والرمزية لمعالجة الكثير من القضايا الإنسانية الجادة واتجه في كثير من الأحيان الي الهجاء والسخرية لانتقاد الأوضاع الخاطئة, شخصيات رواياته في صراع دائم من أجل التواصل معا وكذلك من أجل اثبات كينونتهم كأفراد, و هم في رحلة بحث مستمرة عن الكرامة وعن معني أسمي للحياة خارج القوالب السياسية والاقتصادية المفروضة عليهم, اشتهر ساراماجو بالتجريب في طريقته في الكتابة فهو لا يعير القواعد اللغوية أي انتباه فالجملة الواحدة عنده مثلا قد تطول لتتعدي حدود الصفحة. ولد ساراماجو في نوفمبر سنة1922 في أزينهاجا وسط البرتغال لعائلة من فقراء المزارعين, انتقل مع أسرته عام1924 للسكن في لشبونة. كان متفوقا في المدرسة لكن ظروف المعيشة اضطرته الي ترك المدرسة للعمل, بدأ حياته صانعا للأقفال قبل أن يتجه الي الصحافة والترجمة لكن منذ عام1979 قرر أن يكرس وقته كليا للأدب. أصدر ساراماجو روايته الأولي' أرض الخطيئة' عام1947, إلا أنه توقف عن الكتابة ما يقرب العشرين عاما ليصدر عام1966 ديوانه الشعري الأول' قصائد محتملة'. وفي سنة1987 أصدر روايته الهجائية' النصب التذكاري للدير' و التي حلقت بإسمه في سماء العالمية. انتقل ساراماجو للعيش في جزيرة لانزاروتي الأسبانية مع زوجته الصحفية عام1991 بعدما منعت روايته' الإنجيل وفقا لرؤية المسيح' من التداول وحجب اسمه من قائمة المرشحين لجائزة أدبية أوروبية, ولجوزيه ساراماجو نحو عشرين كتابا, حصل علي جائزة نادي القلم الدولي عام1982 وعلي جائزة كأمويس البرتغالية عام1995. ' و في النهاية نكتشف أن شرط الحياة الوحيد هو الموت' جوزيه ساراماجو