في الثالث والعشرين من يوليو المقبل يتم الاحتفال في سلطنة عمان بيوم النهضة العمانية و يعد العام الحالي سنة تاريخية. حيث يشهد تتويج اكتمال أربعة عقود منذ بدء أهم مراحل التاريخ العماني المعاصر عقب تولي السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان مقاليد الحكم في مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي حينما بدأ تنفيذ إستراتيجية متكاملة استهدفت إقامة دولة عصرية حديثة ثم مواصلة و متابعة برامج الخطط المتتالية للتنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة. وبالفعل نجحت السلطنة في تحقيق هذه الأهداف خلال فترة زمنية قياسية. و في يوم18 نوفمبر المقبل يتم الاحتفال بالعيد الوطني الأربعين. وخلال زياراتي, متباينة التوقيتات والفترات, للسلطنة تابعت عن كثب انجازات النهضة الشاملة. التواصل المباشر بين القيادة والشعب علي امتداد خريطة السلطنة تحظي جولات السلطان قابوس في المحافظات والمناطق باهتمام بالغ حيث يتابع الأشقاء العمانيون أحاديثه التي يتناول فيها العديد من القضايا الإستراتيجية والإنسانية بالغة الأهمية علي صعيد تنفيذ الخطط الرامية الي زيادة معدلات النمو وكفالة سبل الاستقرار لاسيما علي الأصعدة الاجتماعية انطلاقا من رؤية تعتبر ان الإنسان هو أغلي ثروات السلطنة. وفي رحاب أحدث تلك الجولات تم عقد ندوتين موسعتين. بحثت إحداهما التنمية المستدامة للقطاع الزراعي. وناقشت الاخري تفعيل دور المرأة. و تعد الجولات التفقدية التي يقوم بها السلطان قابوس احدي السمات والملامح المميزة للمسيرة العمانية لأنها تشكل صيغة فريدة وناجعة لضمان التواصل المباشر بين القيادة والشعب بكل شرائحه وفئاته, وكذلك لأنها بإسلوبها ومضامينها تمتد دوما الي كل ما يهم الوطن والإنسان الآن وفي المستقبل كذلك, فضلا عن انها تمثل تطبيقا عصريا لمبادئ الشوري والمشاركة وكذلك فإنها تعد تجسيدا لأعرق صيغ الديمقراطية المباشرة, إذ يعقد السلطان قابوس خلالها لقاءات مع الشعب تشهد حوارات مفتوحة وفي الهواء الطلق ما بين القائد وجموع المواطنين دون أن تكون قاصرة علي نخبة معينة أو فئة محددة. ويتحدث إليهم في مناخ تسوده مشاعر فياضة من الود والمحبة الصادقة المتبادلة الأمر الذي يكفل الفهم المشترك والتفاعل العميق المتواصل بين كل قطاعات المجتمع وفيما بينها وبين قائدها. وكل تلك عناصر مهمة تسهم في توفير مناخ يشحذ الهمم لتتكامل الجهود ويتزايد الإنتاج وتصب نتائج كل ذلك في مجري نهر الخير العمل المشترك القائم علي المصالح المتبادلة ومنذ عام1970 تحدث أصداء قوية للكلمات التي يخاطب السلطان قابوس عبرها الأشقاء أبناء الشعب العماني. حيث يؤكد دائما علي عدة مرتكزات, لا لصالح وطنه وحده, و إنما من اجل رفاهية وتقدم الإنسان في كل زمان وفي كل مجتمع. علي سبيل المثال فانه تناول العناصر الأساسية لرؤيته للقضايا الدولية في إيجاز بليغ, وذلك في الكلمة التي ألقاها حينما شمل برعايته الانعقاد السنوي لمجلس عمان في شهر نوفمبر من العام الماضي حيث استعرض العديد من التوجهات الرئيسية حيث يعكس مضمون كلماته الاهتمامات العمانية وكذلك العناصر الإستراتيجية للسياسة الخارجية للسلطنة والتي تعبر عن قناعات نجحت في تقديم خيارات لأساليب التعامل مع القضايا التي تتعلق بطبيعة العلاقات ما بين البلاد والحضارات المختلفة, انطلاقا من خطاب سياسي يدعو إلي تحقيق الاستقرار ومساندة الحقوق العربية العادلة والمشروعة, من جهة وإعلاء القيم الإنسانية التي تكفل للبشرية جمعاء الحياة الآمنة والمستقبل الواعد من جهة أخري. ترجمة لكل تلك الرؤي: لم يكتف السلطان قابوس بالحديث عن الشئون الوطنية وحدها إنما تناول أيضا في كلمته المواقف المبدئية للسلطنة علي الأصعدة الإقليمية والعالمية, فأكد ان السياسة الخارجية العمانية معروفة للجميع, وهي مبنية علي ثوابت لا تتغير, قوامها العمل علي استتباب الأمن والسلام والسعادة للبشرية كافة. وإذا كان حديثه موجها أساسا الي الشعب العماني الشقيق, من خلال أعضاء مجلسي الدولة والشوري, فانه في اتجاه آخر كان بمثابة رسالة عمانية الي شعوب المنطقة و العالم أيضا. في هذا السياق فانه تحدث عن مجالات وآفاق التعاون الخليجي, حيث أشار الي ان السلطنة استضافت في شهر ديسمبر من سنة2008 الدورة التاسعة والعشرين لقمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية, كما ترأست العديد من اجتماعات المجلس خلال ذلك العام. وقال لا يخفي علي أحد أننا نسعي جميعا إلي تحقيق المزيد من العمل المشترك القائم علي المصالح المتبادلة لما فيه خير شعوبنا ومنطقتنا علي هدي كلماته فإن معني ذلك استمرار الإسهام العماني في مواصلة التحرك علي نفس تلك المسارات والدروب. الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية ويؤكد المحللون ان السياسة الخارجية العمانية تتسم بالصراحة والوضوح وبالقدرة علي التعامل مع كل الدول الشقيقة والصديقة للسلطنة انطلاقا من مبادئ الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية والحرص علي تحقيق المصالح المشتركة, ولذلك فان علاقاتها الطيبة والوثيقة مع مختلف الأقطار مع عدم وجود أية مشكلات بينها وبين أي منها يمكنها دوما من القيام بكل ما تستطيع من جهد طيب ومساع حميدة لحل المشكلات والتقريب بين وجهات النظر وإذابة الجليد بين مواقف فرقاء القضايا العالمية لتجاوز الخلافات والتمهيد للقاءات ضرورية قد تشكل مدخلا لحل مشكلة أو توتر ما. يرجع ذلك الي ان السلطنة وقيادتها الحكيمة ممثلة في السلطان قابوس تحظي بثقة وتقدير كل الأطراف الخليجية والعربية والإقليمية والدولية. علي هذا الأساس يعد النشاط الدبلوماسي المكثف والمتواصل الذي تشهده السلطنة أو تشارك فيه دليلا واضحا وملموسا علي هذا الإسهام الايجابي علي كل المستويات. الخطة الخمسية السابعة وعلي الصعيد الوطني فان الحقيقة المؤكدة ان كلمات السلطان قابوس تعكس اصدق تصوير وأدق تعبير عما يحدث علي ارض الواقع. ولقد شاهدت, خلال زيارات متعددة للسلطنة, رأي العين الخطوات المتوالية لتنفيذ مجموعة من المشروعات العملاقة في كل المجالات ومن بينها المدن الصناعية والسياحية والتي سيسهم إنتاجها في تفعيل خطط التنويع الإقتصادي من اجل الحد من الاعتماد علي عائدات تصدير البترول كمصدر رئيسي للإيرادات. من جهة أخري يمثل العام الحالي اخر سنوات الخطة الخمسية السابعة التي تستهدف رفع معدل الاستثمار لم يكن من قبيل المصادفات ان يشهد تنفيذ اكبر موازنة مالية في تاريخ السلطنة. ومن المؤشرات المهمة ان التنمية العمانية ليست مجرد إحصائيات وجداول وخرائط رقمية صماء أو نسب مئوية ورسوم بيانية فحسب, لكنها ثمار فكر يتسم بالحيوية وبمراعاة الاعتبارات الإنسانية وتلك هي عناصر المرجعية الأساسية الحاكمة لكل قرار يصدر بإقامة احد المشروعات فورا وبأقصي سرعة, او تأجيل تنفيذ مشروع آخر, وأحيانا إرجاءه الي اجل غير مسمي. الإنسان هو الهدف المحوري من أوضح الأدلة علي ان الإنسان هو الهدف المحوري لكل الاستراتيجيات والخطط والمشروعات ان مجالي التعليم و الصحة يتصدران دائما مقدمة الأولويات. علي سبيل المثال تستأثر مخصصات القطاعين بحوالي نصف إجمالي الموازنة. واليوم فإن أبناء الشعب العماني الشقيق يواصلون استرجاع أصداء صوت السلطان قابوس الجلي حينما ألقي كلمته المهمة, في حصن الشموخ بولاية منح في العام الماضي حيث شمل برعايته الانعقاد السنوي لمجلس عمان الذي يتكون من مجلسي الدولة والشوري. لقد جاءت فيها عبارات واضحة الدلالة تمثل تتويجا لكل ما تحقق في السلطنة, فقد حدد فيها بدقة ملامح ومرتكزات الخطط المقبلة. في هذا الإطار تضمنت كلمته مجموعة من المنطلقات الأساسية جاء علي رأسها: إن مسيرة النهضة شقت طريقها بخطي ثابتة, نحو آفاق التنمية الشاملة بعزم راسخ الي فتح أبواب التطور والتقدم والرقي في مختلف مجالات الحياة العصرية. تم إتاحة الفرص المتكافئة لكل المواطنين دون تمييز أو تفرقة, لتحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم, ورؤية الآمال التي تجيش بها صدورهم حقيقة ماثلة أمام أعينهم, تثبتها وقائع حياتهم اليومية وما تم انجازه من أجل تيسيرها وتطويرها خلال المرحلة المنصرمة وتؤكدها ما تستشرفه الدولة من أبعاد متنوعة للمستقبل. تعمل الدولة لخدمة المواطنين, وتطوير قدراتهم وزيادة خبراتهم ومهاراتهم, وإتاحة مزيد من الفرص لهم في مجالات العمل المتعددة وذلك لكي يتمكنوا من تحقيق الكسب لأنفسهم وأسرهم ويساهموا في تنمية مجتمعهم0 دعم مشاركة المرأة العمانية علي صعيد آخر اهتم السلطان قابوس بالتعقيب علي فعاليات ندوة المرأة التي عقدت بسيح المكارم بولاية صحار, في شهر أكتوبر الماضي, حيث توصلت الي توصيات تم اعتمادها ليبدأ تنفيذها علي الفور وفي مقدمتها: تخصيص يوم السابع عشر من أكتوبر في كل سنة يوما للمرأة العمانية, ليبرز منجزاتها خلال عام مضي, ويلقي الضوء علي إسهاماتها في خدمة مجتمعها, وينشر الوعي الصحيح بدورها ومكانتها, ويعزز تطلعاتها نحو المستقبل. وأعرب السلطان قابوس عن اهتمامه الكامل بدعم مشاركة المرأة العمانية في مسيرة النهضة بتوفير فرص التعليم والتدريب والتوظيف وتفعيل دورها ومكانتها في المجتمع, مؤكدا علي ضرورة إسهامها في شتي مجالات التنمية حيث تم تيسير ذلك من خلال النظم والقوانين التي تضمن حقوقها وتبين واجباتها وتجعلها قادرة علي تحقيق الارتقاء بذاتها وخبراتها ومهاراتها من أجل بناء وطنها وإعلاء شأنه. ووجه من خلال كلمته الدعوة إلي الإنسانة العمانية إلي الاستفادة من الفرص التي منحت لها لإثبات جدارتها وإظهار قدراتها. جائزة صون البيئة والحقيقة المؤكدة ان التعاون العماني مع دول العالم لا يقتصر علي المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية إنما يشمل مختلف اوجه النشاط الانساني وفي مقدمتها حماية البيئة العالمية0 وفي هذا الاطار يشهد العام المقبل الإعلان عن الهيئة التي ستفوز بجائزة السلطان قابوس الدولية لصون البيئة, والتي يتم تقديمها كل سنتين للعلماء ولمراكز الأبحاث. و للمشروعات التي تحقق انجازات متميزة في مجالاتها الحيوية والإستراتيجية. وقد فازت بها في الدورة السابقة هيئة الحدائق الوطنية الاسبانية. لقد خرجت الجائزة الي النور بمبادرة من السلطان قابوس في عام1989 وتقوم بمنحها منظمة اليونسكو.