حين يذكر الإسلام والقرآن كحل لواقع نعيشه يتبادر إلي الذهن مباشرة المحظورة والمطاردون في كهوف تورابورا وبرجا مبني التجارة بأمريكا أو علي الأحسن تقديرا الموالد والأضرحة والأحجبة والدراويش. ولا يعلم الكثيرون من أبناء وطننا فضلا عن الأجانب أن الله وضع تصورا كاملا للمدينة الفاضلة والمجتمع المثالي الذي ينعم فيه الأفراد بالرغد في العيش والبحبوحة في مظاهر الحياة. تذكرت ذلك وأنا اتابع أزمة اللحوم وشحها بين مناد بالمقاطعة ومطالب بالاستيراد ضاع حلم المواطن العادي في الحصول علي ما يسد رمقه. وقرأت قوله تعالي في سورة النحل: والأنعام خلقها لكم, فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون( نحل4) والأنعام اسم جامع لكل أنواع البقر والأبل والماشية والماعز والضأن. وكلمة( منها) فيها ايحاء بأمتداد الحل إلي نسل هذه الأنعام وهو ما يأكل غالبا, إذ أن العادة جرت أن تربي الأمهات لتلد ويأكل وليدها ونتاجها, فمن نسلها تذبح الذبائح, لا أن يؤتي علي الأمهات بالذبح, كما أن كلمة منها تدل علي أن الذبيحة من الأنعام يؤكل لحمها وبقية الإجزاء المختلفة فيها, كما قد يكون المقصود بها التبعيض إذ إن الانعام تؤكل مثل البقر والأبل والغنم والماعز وبعضها الأخر كالخيل والبغال والحمير لا تؤكل علي أرجح الأقوال, وكل ذلك أفادته لفظة( منها). والجو الذي تشيعه الآية في كلمات( منها دفء منافع تأكلون) يفيض بالخير والنماء, والبيئة المستقاة من الآية بيئة زراعية بها الكثير من الخيرات, بل إن وصف الحيوانات التي تؤكل بالأنعام أي مجموعة من النعم المتكاملة, له من المعاني مالا يغيب علي أصحاب العقول. والأكل من الأنعام يشمل أكل لحومها وما تنتجه بعد ذلك من لبن, والدفء يحصل بأكل اللحوم وما تشعه في الجسم من طاقة وكذلك اللبن, كما أن الدفء حاصل من استخدام صوف ووبر وشعر هذه الأنعام في الملبس والأثاث. والإنسان بطبعه يحب التنويع. والملل من النمط الواحد للحياة مهما كان مثاليا هو طابع البشر, لذلك فإن تنويع الأكل وأختلاف أشكاله ومذاقه كان من أهداف السورة في رسم معالم الحياة العصرية, فكان لحم الاسماك بطعمه المميز واختلاف قوامه عن لحوم الأنعام, بكونه طريا غضا, من النعم التي من الله بها علينا. وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا..( النحل14). هذا هو القرآن وهذه هي الحياة التي ترسمها لنا الآيات لعلنا نأخذ بتعاليمها فنفوز بخيري الدنيا والآخرة. د. محمد عبدالباقي فهي أستاذ بطب الأزهر