أشم رائحة الجنة في دم ابني: تقول بثقة المؤمن المكتمل. أريد أن أسألك: كيف وجدت رائحة الجنة يا سيدتي؟ وما كل هذا الثبات العظيم في محنتك الكبري, التي لا يحتملها إلا قلب كبير وروح شفافة, فبدوت مثل شجرة شامخة سقطت ورقتها الوحيدة, فلم تبك ولم تنحن! من بين كل أمهات الشهداء الحق لم أر مثل وجهها الوضاء, ولم أسمع مثل كلماتها الكاشفة القاطعة: كل جريمة ابني أنه دافع عن شرفي وعن عرضي, بعد أن سبه الضابط الذي قبض عليه بألفاظ لا يمكنني البوح بها, فرد عليه قائلا: أخرس ياكلب, فأقاموا عليه حفلة تعذيب, وأنا فخورة بأني ربيت راجل, وأنا استحييت من الله أن أبكي عليه, ولو عندي مائة ولد فسأقدمهم فداء لمصر, وليس عيبا أن نحب وطننا, ولكن عدل ربنا القصاص, وأنا حجيب حق ابني بإيدي محدش يقول لي محاكمات, محدش جاب حق اللي راحوا. أثناء الجنازة صرخت السيدة سامية الشيخ أم الشهيد محمد الجندي بصوت يمزقه الألم: مع السلامة يا ضنايا وحسبي الله فيك يامرسي. المصريون فقط هم الشعب الوحيد في العالم الذي يطلق علي ابنائه اسم الضنا, أي التعب والشقاء. يا سيدتي العظيمة.. أريد أن أخبرك بحقيقة لم تعد غائبة عن أحد, وهي أن شهداء الموجة الثالثة من انتفاضة52 يناير1102 ومنهم ضناك محمد يواجهون الآن مشكلة أخري قبل القصاص وهي الاعتراف بأنهم في الأساس شهداء, فالنظام الحاكم أصبح يراهم بلطجية بل وصدرت فتوي بتطبيق حد الحرابة عليهم, وحتي الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء في أثناء المقتلة كان يتحدث عن اغتصاب النساء والرضاعة والحمل في الصعيد!. يا سيدتي العظيمة.. رغم عدم ملاءمة الوقت أريد أن أحكي لك موجزا لقصة طويلة للأديب الجزائري الطاهر وطار عنوانها: الشهداء يعودون هذا الأسبوع, القصة تدور حول رسالة تصل إلي أب من ابنه الذي استشهد منذ عدة سنوات أثناء حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي, يقول: الابن الشهيد للأب في الرسالة: إن الشهداء سيعودون هذا الأسبوع!. ما رأيك يا سيدتي العظيمة.. تعالي ننتظر رسالة من محمد أو أحد رفاقه, يخبروننا فيها متي يعودون, ونعرف منهم أيضا كيف وجدوا رائحة الجنة. وفي الختام: يقول محمود درويش: أيها الشهداء.. تصبحون علي وطن, المزيد من أعمدة محمد حسين