لا تقرأوا كتاب روبنسون.. فمن يقرأه سوف يصاب بالاكتئاب حيث أن كل ما ذكره عن عوامل فشل الدول يتمثل في مصر سياسيا واقتصاديا.. بهذه الكلمات المتشائمة علق الدكتور محمد صالح الحناوي خبير الإدارة العامة علي كتاب روبنسون الخبير الاقتصادي المعروف والذي ألقي الأسبوع الماضي محاضرتين في القاهرةوالإسكندرية بالمنتدي الأقتصادي الذي يرأسه أحمد جلال وكلية التجارة بالإسكندرية عن عوامل فشل ونجاح الدول ودارت مناقشات واسعة بعد المحاضرتين سواء في مركز الدراسات الاقتصادية بالقاهرة أو بكلية تجارة الإسكندرية. عن موقع مصر الحالي من عوامل وعناصر روبنسون لفشل ونجاح الدول كلمات الحناوي عبرت عن قطاع من الخبراء والمراقبين والمتغافلين عن التحولات الهيكلية الاقتصادية والسياسية الايجابية والتي حدثت وتحدث في مصر حاليا وبعد ثورة25 يناير غير مفرقين بين الهياكل السياسية والاقتصادية لمصر قبل الثورة وبعدها وغافلين أيضا عن تأثيرات تلك الهياكل ما قبل الثورة علي الواقع الحالي خاصة الاقتصادي منه؟! ذلك الواقع الحالي الذي صوره الدكتور أحمد جلال كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي قائلا: مصر حاليا في مفترق طرق وأمامها فرصة تاريخية لاكتساب مقومات الدول الناهضة خاصة إذا نجحت في إنشاء مؤسسات سياسية واقتصادية عادلة وشفافة ويشارك فيها الجميع.. عناصر الفشل والنجاح.. وموقف مصر السؤال الأساسي الذي طرحه روبنسون هو لماذا تفشل بعض الدول ولماذا تنجح بعض الدول الأخري والفشل والنجاح هما عبارة عن الرفاهة الاقتصادية, البعض يقول إن هذه متوقفة علي الثقافة الخاصة ببلد ما.. وتفسير آخر يري في الجغرافيا عنصرا حاكما فالبلاد المطلة علي البحار أفضل من تلك التي ليس لها صلة بالبحر.. وينطبق هذا علي بعض الدول الإفريقية وهو ما أطلق عليه جمال حمدان عنصرية الزمان والمكان وتفسير آخر يقول إن فشل بعض الدول لعدم تطبيقها السياسات الصحيحة ويقصد هنا سياسات صندوق النقد أو البنك الدوليين. هذه التفسيرات وغيرها رفضها روبنسون.. وأوضح في محاضرته بالقاهرة أن السبب الرئيسي لنجاح الدول أو فشلها في تحقيق الرفاهية الاقتصادية يرجع بشكل أساسي إلي المؤسسات الاقتصادية ومثلها السياسية وهو يفرق بين نوعية من المؤسسات السياسية والاقتصادية الأول يسميه المؤسسات السياسية المستغلة والنوع الثاني المؤسسات السياسية والاقتصادية الاحتوائية المؤسسات المستغلة هي التي يحكم فيها مجموعة قليلة غير منتخبة بشكل حقيقي أو بشكل جيد ولا تمثل كل الناس في المجتمع أو كل الأصوات الفاعلة في المجتمع وهذه القلة الحاكمة تحاول وضع قواعد للعمل الاقتصادي لمصلحتها ولمصلحة أصحابها فهذا يتم تسميته بالمؤسسات السياسية والاقتصادية المستغلة والنوع الثاني والبديل هي مؤسسات سياسية واقتصادية شاملة واحتوائية فيشعر المواطن بأن الذي يحكمه منتخبون ويمثلون إرادة المواطنين المختلفين وأن قواعد انتقال السلطة معروفة مسبقا ومتاحة لكل أعضاء المجتمع وبالتالي قواعد العمل في الإطار الاقتصادي تتميز بالشفافية والاستقرار والمحايدة فالقواعد لا تحابي أحدا علي حساب أحد وتتيح الفرص وتحابي المجتهدين وتمنع الاحتكار.. ويدلل روبنسون علي ذلك بأمثلة منها كوريا الشمالية والجنوبية فرغم أن للدولتين نفس الجغرافيا والتاريخ والثقافة ومع ذلك المؤسسات السياسية والاقتصادية في كوريا الجنوبية من النوع الاحتوائي مقابل المؤسسات السياسية والاقتصادية في كوريا الشمالية من النوع المستقل.. قارن أيضا بين جنوب افريقيا قبل الابارتيد والتفرقة العنصرية وبعد الأبارتيد ستجد تركز للثورة قبلها فنحو08% من الثورة في يد01% من السكان.. واختلف الموقف بعد الأبارتيد وأحد الأمثلة شديدة الدلالة في جنوب افريقيا أن البيض كانوا يمنعون عمل السود في بعض الوظائف كالطب والهندسة ويقصرون عملهم علي الفلاحة والأعمال اليدوية ومن ثم كان هذا نظام مستغلا.. أما الصين فهي تكاد تكون دولتين دولة جزء منها به حوافز والقطاع الخاص كبير ومنتشر ولكن النظام السياسي يدار بشكل انتقائي ولا يمثل فيه الأفراد ويصف روبنسون تلك الحالة بأن بها نوعا من الانفتاح أي الشمولية بمعني اشتراك الناس في النشاط الاقتصادي ولكن الاطار السياسي لم يتوافق مع الاطار الاقتصادي ولن يستمر الحال طويلا ويتوقع في المستقبل إما أن تصبح الصين أكثر انفتاحا سياسيا أو تنغلق اقتصاديا حتي تتواءم مع نفسها. كذلك الحال بالنسبة لأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية فهما قارتان بنفس درجة الغني ورغم ذلك فأمريكا وكندا أغني كثيرا من أمريكا الجنوبية.. وهو ما يقدم اجابة عن السؤال السابق لماذا تتقدم بعض الدول وأخري لا تتقدم الإجابة هي أن الدول التي تنجح لديها مؤسسات سياسية واقتصادية عادلة وشفافة ويشارك فيها الجميع.. {ويظل التساؤل ما هو موقع مصر من روشتة روبنسون.. وهل يحمل المستقبل خطوات للتقدم للأمام أم عودة وتراجعا للخلف؟ يجيب الدكتور أحمد جلال كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي قائلا: لاشك أن عوامل الفشل كانت موجودة قبل ثورة25 يناير أما الآن فهناك فرصة كبيرة للنهوض سياسيا واقتصاديا. وهناك العديد من المؤشرات عن السير في طريق النهوض.. ولكن دعنا أولا نرصد عوامل الفشل قبل ثورة52 يناير فقد كانت المؤسسات السياسية والاقتصادية قبل يناير1102 من النوع المستغل بمعني أن التركيز كان علي النمو ولم يكن توزيع الثورة عادلا.. كان النمو7% ولم ير المصريون منه شيئا ولم تكن هناك مشاركة اجتماعية في عوائد النمو.. أهم السمات الأخري غياب الديمقراطية عن النظام وذلك بالمعني الفعلي والعملي والمعني المعروف وكانت الأسس التي يتم عليها اختيار الأشخاص أو السياسات التي توضع لا تتعامل مع المصريين علي السواء كان لدينا نظام سياسي قبل الثورة أقرب لتركيز السلطة في أيدي قلة من المصريين تصدر وتضع سياسات تحابي بها نفسها والمقربين منها علي حساب معظم المصريين ونتيجة تركز السلطة في هذا الشكل وعدم تداول السلطة كانت السياسات والقواعد الاقتصادية متحيزة فمن المعروف أن السياسة أولا ثم الاقتصاد.. كان من هم في السلطة يضعون السياسات الاقتصادية التي تحابيهم وتحابي مناصريهم أو المقربين منهم. ويقول أحمد جلال هذا ما كان قبل الثورة أما الآن وبعد الثورة فنحن في مفترق طريق.. لدينا فرصة حقيقية إما السير في طريق الدول الأكثر رفاهية أو المشي في اتجاه عكسي يعيد انتاج النظام القديم.. بمعني حدوث تغيير ولكن يأتي بعد القلة الحاكمة قلة حاكمة أخري.. وهو ما يعرف بElitecirculation أي عمل نوع من التدوير للنخبة أي تمشي نخبة ويأتي محلها نخبة أخري وفي كلتا الحالتين تكون هناك مؤسسات سياسية واقتصادية لا تشجع علي تحقيق الرفاهية في الأجل المتوسط والطويل.. ولدينا فرصة بعد التخلص من النخبة التي كانت مستغلة في عصر مبارك أن نوسع المساحة بحيث يشارك كل المصريين في صنع مؤسساتهم السياسية والقواعد التي تتيح لهم تداول السلطة.. وبالتالي ينتج عن هذا الاتجاه أو التوجه سياسات اقتصادية تسمح للجميع بالمشاركة في عوائد التنمية إن لدينا فرصة لا يجب تضييعها والخناقات الحالية بين الفصائل المختلفة هي خناقات قصيرة النظر لأن من مصلحة الجميع أن ننهض كلنا ولابد أن يكون هناك توافق مجتمعي علي أسس الحكم والمشاركة وتداول السلطة والاستفادة من عوائد التنمية. ويقول أحمد جلال.. إن الاطار المؤسسي الذي حكم مصر والذي لم يضع بعد بالكامل شبه الإطار في الدول التي لا تنهض ولكن لدينا حالة تغير فالمجتمع المصري يتحول للأفضل ودلالات ذلك المشاركة في الانتخابات في جانب السياسة أما الاقتصاد فهناك الحديث عن الحد الأدني للأجور وفكرة العدالة الاجتماعية فلا يتم الحديث فقط حاليا عن الاستثمار والنمو حيث حدث تغير في الاطار ولم يتحول بعد لقواعد للعمل الاقتصادي والسياسي وهذه هي مهمة الحكومة بمعني ننتقل من مجتمع تحكمه القلة وقواعد بها احتكار لقواعد عمل اقتصادي وسياسي لها مشاركة وتوازن. أخيرا وليس آخرا فإن عوامل فشل الدول تنطبق علي مصر قبل25 يناير ولا يستطيع أي محايد أن ينكر التحولات الهيكلية الضخمة في القطاع السياسي والاقتصادي التي تحدث حاليا والتي تحتاج لعمل دءوب من الحكومة لوضع قواعدها لتنهض مصر وتتحول لدولة ناجحة. ويؤكد الدكتور محمد الحناوي علي ضرورة تواجد مؤسسات فاعلة في الدولة تسمح بتداول السلطة بصورة أو أخري وأنه كنقطة بداية لأبد ان يكون التعيين في الوظائف المحورية في الدولة مبني علي الكفاءة والخبرة السابقة, هذا من ناحية, ومن ناحية أخري لابد أن تكون تجارب دول فاشلة مثل كوريا الشمالية وفنزويلا أمام اعين متخذي القرارات والقاده السياسيين, حيث انه يرتبط بهذه الدول عنصرا كان موجودا بطبيعة الحال في العصر السابق, حيث كان التوريث هو الثمة الغالبة وهو ما أدي إلي فشل دول عديدة, بالإضافة إلي ضرورة عدم تركز السلطة في يد النخبة الثرية فلا يتم إدارة شئون الدولة بواسطة نخبة تتمتع بالمال الوفير, حيث ان ذلك يؤدي إلي افشال الدولة. وبالنسبة للأوضاع الاقتصادية فإن احد أهم عوامل الفشل هي تركز موارد الدولة في ايدي عدد محدود من رجال الأعمال, وهنا أري ان الدولة إذا استخدمت الصكوك بصورة رشيدة وطبقا للمعايير الشرعية السليمة فإنها ستكون المدخل الرئيسي لتحقيق التنمية من خلال مشاركة أكبر عدد من المواطنين في مشروعات التنمية, وهذا يعني انه لا خوف اطلاقا من شراء الأجانب لهذه الصكوك وهو التخوف الذي يثيره الكثيرون الذين يجهلون طبيعة الصكوك, حيث ان الصكوك لا تعني ملكية المؤسسات والشركات وانما تعني المشاركة الوقتية لحامل الصك في القيام بمشروعات معينة داخل المؤسسات, وهذه المشاركة تنتهي بعد فترة محددة, وأما الملكية فإنها تستمر في يد الدولة أو يشاركها بعض المستثمرين من القطاع الخاص.