لم يحدث في التاريخ أن شعبا تحرر بسبب مساعدات أو نصائح خارجية, ولم تتحرر النساء في أي بلد بقرار من الحكومة أو الملك أو الرئيس, فالشعوب تتحرر بالثورة النابعة من داخلها والناتجة عن الوعي الجماعي بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة بين جميع الفئات نساء ورجالا. الوعي الجماعي يأتي عن طريق الثقافة المستقلة والفكر الابداعي بالحرية والمساواة, الذي يقدمه المفكرون والكتاب من النساء والرجال, وقد رأيت الشباب الثوار والشابات الثائرات بميدان التحرير( خلال يناير وفبراير1102) يحتفون بأصحاب وصاحبات الفكر الثوري, ممن مهدوا الطريق لهذه الثورة, ورغم بطش الحكومات المتعاقبة بهم وحذف أسمائهم من قوائم الأدباء والمفكرين بالمجلس الأعلي للثقافة, لا تنفصل ثورة الشباب عن ثورة النساء في أي بلد, لأن الأم الثورية تنتج الابن والابنة الثورية ويقود الثورات الشعبية دائما الشباب من الأبناء والبنات, وليس الكهول والشيوخ من الآباء والجدود. كان طلاب وطالبات الجامعات المصرية هم طليعة الثورات الشعبية, في ثورة9191, وثورة2591, وثورة7791, وثورة1102 ونجحت الحكومات المصرية مع الاستعمار البريطاني الفرنسي الأمريكي الاسرائيلي, في اجهاض الثورات الشعبية علي مدي العهود, واهدار دماء الشباب الثائر, ودفنهم تحت الأرض, وحذف أسمائهم من التاريخ.. وقد بحثت في الدفاتر الرسمية عن أسماء شهداء ثورة9191 فلم أجد لها أثرا, ولم أعثر علي حكومة واحدة احتفلت بذكري شهيد أوشهيدة, ولم أجد في سجلات التاريخ أسماء شهداء ثورة2591, لم تحتفل حكومة واحدة بذكري ايا منهم رغم احتفالاتها العديدة لمن لم يقدموا قطرة واحدة من عرقهم لمصر, بل شربوا من دماء الشعب حتي الثمالة وأتذكر أن أحد شهداء ثورة2591 أحمد المنيسي كان زميلا لي في كلية الطب, قتله الانجليز ضمن الفدائيين في القنال لم يذكره التاريخ المصري, الكاتبة الانجليزية البوليسية أجاثا كريستي( ماتت في21 يناير6791) واحتفال أمريكا بماكوك الفضاء كولومبيا( في21 يناير6891), ومولد الخديوي اسماعيل في(21 يناير0381), وأسقط التاريخ المصري اسم الفدائي شهيد الوطن أحمد المنيسي مات في21 يناير.2591 والحكومات المصرية والقوي السياسية وأحزابهم تعودوا القفز فوق جثث الشهداء الي مقاعد الحكم والبرلمان والشوري لا تختلف أهداف ثورة1102( الحرية والعدالة والكرامة) عن أهداف الثورات السابقة حكومة عبدالناصر انتهت بهزيمة7691 وكان مشروعها يقوم علي استقلال اقتصادي وحزب واحد. وانتهت حكومة السادات باغتياله في01 أكتوبر1891, وكان مشروعها يقوم علي تبعية اقتصادية وتعددية حزبية وانتهت حكومة مبارك بسقوطه في11 فبراير1102, وكان مشروعها يقوم علي مزيد من التبعية ومزيد من التعددية وسوف تسقط حكومة الاخوان المسلمين بسبب الاستمرار في الطريق ذاته مع الدكتاتورية الدينية. لا يمتلك حزب مصري واحد مشروعا ثوريا للتحرير الاقتصادي الاجتماعي السياسي الفكري التعليمي, الذي يضرب جذور النظام الرأسمالي الأبوي وتنقسم الأحزاب المصرية حول مفهوم العدالة الاجتماعية, وهل تشمل المساواة بين النساء والرجال؟ أو المساواة بين الطبقات ؟ أو دور الدولة في الاقتصاد؟ أو دور القطاع الخاص والسوق الحرة؟ أو الدور الأمريكي في الاقتصاد والسياسة والتعليم؟ ليس هناك ثورة في التاريخ دون فكر ومشروع ثوري وكان واضحا منذ البداية أن الشرعية الثورية هي أساس الثورة وليس الشرعية الدستورية القديمة, وأن التفاوض عبر الوسطاء( داخليا وخارجيا) اضاعة للوقت واهدار لقوي الثورة وتقسيمها. وأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية وصناديق الاستفتاء كانت خدعة سياسية لاضفاء الشرعية علي برلمان غير ديمقراطي ومجلس شوري غير شرعي ودستور جديد أكثر تخلفا من دستور مضي عليه واحد وأربعون عاما. الفروق كبيرة بين أهداف الثورة وأهداف القوي التي قفزت علي الساحة, الذين يؤمنون بالحلول الوسط, ويهرولون الي الانتخابات حرصا علي فتات المقاعد, رغم رفضهم قانون الانتخاب الجديد, ويتنازلون عن أهداف الثورة, يكتفون بالمطالبات الجزئية مثل: نزاهة الانتخابات, توفير قاض لكل صندوق, رقابة دولية علي الانتخابات, ادارة مشتركة لعملية الانتخابات, وغيرها من الطلبات يقدمونها للحكومة مثل الموظفين علي ورق تمغة هذه السياسة الوسطية التنازلية تم فشلها خلال العامين الماضيين, وأغرق مصر في الأزمات والكوارث ولا تتعلم القوي السياسية المصرية من أخطائها السابقة. فهم يفصلون بين العدالة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية, كلمة الاجتماعية تبدو لهم بريئة أكثر من كلمة الاقتصادية, وكلمة الحرية والعدالة هي الأفضل لهم, لأنها تعني العدالة والحرية لكل الشعب ما عدا النساء والفقراء ويتهمون الشباب الثوار بعدم التعقل لاصراره علي اسقاط شرعية الحكم القائم, وينسي هؤلاء الكبار العقلاء أنهم رددوا بعد خلع مبارك شعار الثورة يسقط النظام. ثم دفنوا رءوسهم في الرمال, وفصلوا بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية, وبين اسقاط نظام مبارك وبناء نظام جديد القيادات الحزبية المصرية( الدينية والمدنية) تربوا علي أفكار السوق الرأسمالية الأبوية, لهذا يتنازلون عن حقوق النساء والفقراء دون أن يطرف لهم جفن وأتمني للقوي الثورية( نساء وشبابا) عدم الخضوع لمنطق التنازلات, وتنظيم صفوفهم وتوحيدها, وتسجيل شهدائهم وشهيداتهم, والثورات السابقة, تحقيقا للأمانة التاريخية. المزيد من مقالات د.نوال السعداوى