.. ونحن نعبر مرحلة الارتباك التي طالت أكثر مما ينبغي, تباغتنا أصوات لاهثة ومستجدية تعيد إنتاج مطالب تجاوزها التاريخ ولم تعد متسقة مع تطور الصراعات السياسية وطبيعة العلاقات المجتمعية. بالكلام عن تحديد نسبة لتمثيل الأقباط في البرلمان وفي الوظائف والمواقع المتقدمة علي خريطة المؤسسات المختلفة, محاصصة أو كوتة. وهي ردة إلي دعوات تأسيس دولة الملل والنحل والطوائف ودعما لها, وإهدار لتاريخ نضالي طويل كتبه الأقباط بدمائهم ودفعوا ثمنه من أمنهم وسلامهم وكاد يطول وجودهم, وهم يؤكدون دوما رفضهم لدعوات عزلهم عن السياق الوطني العام عبر كل الأزمنة والأنظمة, في إدراك استباقي لمغبة القبول بمحاصصة يتلقفها متغولو تفتيت الوطن ليعزفوا عليها مارشات التقسيم والإقصاء وربما ما هو أبشع. ولن يكون الأقباط يوما مخلب اصطياد الوطن وتفتيته ولن يكونوا رأس حربة التقسيم فما رفضه الآباء لن يقع في شباكه الأبناء, كانت الظروف أكثر إظلاما وضبابية, وكانت نعرات اختطاف الوطن لمربع التطرف الديني تحت حماية المحتل ودعمه تسعي لتنشب مخالبها في جسد الوطن بعد سقوط الخلافة العثمانية في غضون عام1923, وكان المصريون قد استبقوا هذا بعبقرية1919 التي شيدت سدا منيعا لصد رياح ابتعاث الفتنة, وراحت حينئذ قوي الإظلام تسعي لتخترق ثقافتنا بمفردات مفارقة للحس المصري القائم علي التنوع والتعدد تدعو لاستبدال تأسيس العلاقة بين المصري ووطنه علي أرضية المواطنة إلي أرضية المعتقد والمذهب والدين, وتتحول النعرات إلي تنظيمات تمر بمراحل وأطوار متعددة بين الاستكانة والمصادمة والاستمكان, وتتلون ادواتها بحسب المرحلة. في كل هذا وبحس مبدع يرفض الأقباط طرح الكوتة أو النص عليها في دستور23 ويقود البطريرك المصري الأنبا يؤانس الرفض مع الرموز الوطنية والتي لم تصطف علي ارضية دينية أو عنصرية, فكيف يعاود البعض طرح مطلب تجاوزه مفهوم الحريات والحقوق, وتجاوزته آليات وأدوات الدولة في عصر الفضاء المفتوح واشتباكات العلاقات الدولية وعولمة الحقوق والحريات وتوازنات القوي الدولية, وتصاعد وتيرة وثقل ودور المنظمات الحقوقية الدولية وقنواتها المفتوحة علي القرارات الاقتصادية والسياسية في عوالم مختلفة. ولعل المتابع للأزمة يلمس أنها تطفو علي السطح حال عبور الوطن بمضيق تهتز فيه قيم الاندماج والتكامل, وعندما يكون الوهن عنوان المرحلة, وحين نقع في براثن التغول والاستئثار من فصيل أو تيار, ولذلك تصطف علامات التعجب ونحن نشهد اعادة انتاج هذا اللغو ومازالت ثورة25 يناير قائمة ومستعرة لم تسلم قيادها بعد لاستقرار منشود, وفي مرحلة تأكد فيها ان الأقباط قد غادروا الهامش ودخلوا إلي المتون وفي لحظة فارقة صارت فيها المقارعة بين دولة المواطنة ودولة الاصطفاف الديني. وقد غاب علي من يتبنون سعي الكوتة أنها تأتي في لحظة استحواذ سيرحب رموزه بها وفق قشور الديمقراطية التي اختزلتها في التصويت وكفي, وآية ذلك أن الكوتة المبتغاة تدور حول ال10% علي أقصي تقدير, والتي قد تشاغب في المداولات والمناقشات, وقد تلهب سطور وشاشات وتقارير الإعلام ثم تصاب بالسكتة الدماغية عندما يطرح الأمر علي التصويت, ويتكرر مشهد رئيس الجلسة وهو يدق علي طاولته: إجماع أو أغلبية, ليتجول شخوص الكوتة إلي عراب تمرير كل القوانين سيئة السمعة والسالبة أو المقيدة لحقوقهم, الكوتة في صحيحها تأتي ضمن حزمة توزع المقاعد والأنصبة علي قوي المجتمع كافة ولا تقتصر علي فئة بعينها, فيكون لدينا المقعد المسيحي ومقعد المرأة ومقعد البدو ومقعد العمال ومقعد الفلاحين ومقعد الشيعة ومقعد السيناويين ومقعد السنة ومقعد الأمازيج ومقعد النوبة الي آخر التقسيمات التي تنتظر دورها وحصتها وفق ثقلها النسبي في الشارع, أما كوتة الأقباط وحسب فيجعلها لقمة سائغة تلوكها بنهم أفواه الأغلبية. ونجد أنفسنا قد عدنا إلي ما قبل الدولة القومية وفتحنا كل الأبواب والنوافذ أمام صراع لا سقف له مدعوما بكل انواع الدعم من القوي الإقليمية والدولية ومعه ينتقل مسرح المصادات الي أرضنا لنتحارب بالوكالة عن كل القوي المتناحرة حولنا, وهو ما نشم رائحته عن بعد حتي الآن. علينا بدلا من توظيف الحديث عن الكوتة لمصالح تكاد تكون شخصية لبعض ممن يعرضون بضاعتهم في سوق النخاسة, علينا ان نتكاتف لوضع رؤية تنويرية تصل الي رجل الشارع والحارة والزقاق والقرية والنجع والمدينة ونلتحم في مواجهة التغييب المتعمد ومقاومة محاولات التخوين والتكفير المتواترة, والانتباه الي حتمية انقاذ التعليم والإعلام والثقافة من الاختطاف المتغول من التيارات الظلامية وترويعاتها, المشوار طويل وشاق ولا نملك إلا السير فيه الي نهايته, فضحالة الفعل السياسي وادارة ازمته بآليات عصر الاستقلال التام أو الموت الزؤام وضع كارثيدون كيشوتي. ويبقي ان اشتباك الأقباط إيجابيا مع الشارع السياسي وطرق أبواب الأحزاب والمشاركة في الفعل المجتمعي من قبلهم هو الباب الوحيد لاستعادة حقوقهم وموقعهم علي ارضية وطن لكل المصريين. بلا وجل أو خوف أو تردد.. أفيقوا حتي يرحمكم الوطن والتاريخ. المزيد من مقالات كمال زاخر موسى