أثار الإعلان عن مناقشة مشروع قانون التظاهر الجديد ردود فعل واسعة, بين مؤيد ومعارض لبعض بنود القانون, وفي ظل المخاوف من تقييد الحريات, أكد علماء الدين أن التظاهر حق مشروع لكن بضوابط وشروط حفاظا علي أمن واستقرار الشارع المصري. وطالبوا الدولة بضرورة تطبيق القانون بكل حزم علي من يخالف هذه الضوابط دون تفرقة بين مؤيد ومعارض, لأن الإسلام يحرم التعدي علي الممتلكات العامة والخاصة أو تعطيل العمل والإنتاج, وفي ظل مخاوف بعض القوي والتيارات السياسية من أن يكون مشروع القانون محاولة للالتفاف علي حق التظاهر السلمي وتقييد الحريات. وحدد علماء الدين عددا من الضوابط التي يجب أن يشملها القانون الجديد, وطالبوا بضرورة إعلاء مصلحة الوطن العليا دون النظر لمصلحة من يؤيد أو يعارض. كما طالبوا بضرورة تنظيم التظاهر حفاظا علي أمن وأمان المواطنين في الشوارع والأحياء التي تشهد مظاهرات بشكل مستمر. تقييد المباح ويقول الدكتور محمد نجيب عوضين, أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية السابق: إن الفترة السابقة شهدت توقف العمل وتعطل الإنتاج نتيجة أن كل من يريد أن يعبر عن رأي أو يبدي اعتراضه يقوم بتعطيل العمل وقطع الطريق أو إغلاق ميدان من الميادين الرئيسية وهذا يؤدي إلي تعطيل حركة المواصلات, وكل هذا ينعكس علي المواطن والوطن بالسلب, وإذا كنا نؤكد أن الحق في التظاهر مباح وتكفله كل القوانين والدساتير لكن لابد أن يكون بالطريقة التي لا تضر بالآخرين, والقواعد الشرعية قررت أنه لا ضرر ولا ضرار, والضرر الأخف لا يدفع بالضرر الأشد, لكن بعض الظواهر السلبية التي حدثت في الفترة الماضية لا توجد في أي دولة من دول العالم, ولا يسمح للناس بالتظاهر والاعتصام وقطع الطرق لعدة أيام, ورغم ذلك ينادي البعض ويقول إنها مظاهرات سلمية, وهي بهذه الطريقة ليست سلمية لأنها تعطل مصالح الناس وتضر بالوطن, وكل هذه الأحداث أدت إلي فوضي وأزمات اقتصادية يتعرض لها الوطن في الوقت الحالي. ويضيف أن الجميع يتحمل مسئولية الأوضاع الراهنة, لأن كل طرف يحشد المتظاهرين والمؤيدين له دون النظر لمصلحة الوطن العليا, وطالب بضرورة توقف ظاهرة حشد المتظاهرين, لأننا اليوم أصبحنا أمام دولة دستورية وهناك مؤسسات وقنوات شرعية يستطيع الجميع أن يتعامل معها ويبدي رأيه ويعرض مشكلته دون تعطيل للعمل أو قطع الطرق, وبالتالي أصبح وضع قانون ينظم هذا الحق ضرورة شرعية حفاظا علي أمن وأمان الوطن, كما فعلت الكثير من دول العالم, مؤكدا ضرورة أن يشتمل القانون إخطار الجهات الرسمية بمكان وموعد التظاهر حتي تقوم السلطات والجهات المختصة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المتظاهرين وحتي تخرج المظاهرة بطريقة مثالية دون عنف أو تخريب, بدلا من إسالة الدماء, وأشار إلي أن وضع قانون ينظم التظاهر يدخل شرعا في سلطة ولي الأمر في تقييد المباح, والتظاهر مباح لكن بشروط حفاظا علي مصلحة الوطن العليا, وطالب بضرورة تطبيق القانون علي الجميع دون تراخي أو تراجع لأن هذه مسئولية الدولة ولابد أن يخضع الجميع لهذا القانون. من جانبه يؤكد الداعية الإسلامي الدكتور سالم عبد الجليل, أن التظاهر حق مشروع, لكن تنظيمه واجب حتي لا يؤدي إلي حالة من الفوضي, ولقد رأينا في بعض الأحيان قطعا للطرق وتعطيلا للمواصلات, مما أدي إلي ارتباك في الحياة بشكل عام, ولذا أقول إن سن القوانين المنظمة للتظاهر والإضرابات تعد من الأهمية, وهناك العديد من الدول التي سبقتنا الي هذا ووضعت قوانين, أوجبت علي مريدي التظاهر الإبلاغ مسبقا لاتخاذ وسائل التأمين المناسبة سواء للمتظاهرين أو غيرهم, كما أن هذه القوانين تحدد وقتا للتظاهر ومكانا للتواجد, حتي الإضراب له قوانين تنظمه, والواجب علينا أن نسرع في سن هذا القانون بشرط أن يحقق المصلحة لكل المواطنين, ولا يحد من الحرية إلا بقدر ما يحقق المصلحة, وأعني بأن يحقق الحرية المنضبطة التي لا تضر بمصالح الآخرين, وبذلك تعود عجلة الإنتاج للتحرك والدوران من جديد, وفي الوقت ذاته تكون هناك مساحة من التعبير عن الرأي وفق الضوابط التي تحقق المصلحة للجميع. ويري بعض علماء الدين أن التظاهر السلمي حق لكنه مقيد بضوابط وشروط وليس مطلقا, وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس إن هناك أنواعا من التظاهر السلمي, فقد تكون مظاهرة مصرحا بها, ولكنها خرجت عن خط سيرها وأصابها الفوضي والغوغاء, وقد تكون مظاهرة تقوم بها جماعة مصرح بها للمطالبة بالحقوق أو رفع الظلم أو نحو ذلك, وقد تقوم بها للمطالبة بالحقوق المشروعة لأفراد المجتمع, وقد تقوم مظاهرة هدفها التغيير السياسي, ومما يقره الشرع من ذلك حق التظاهر للمطالبة بالحقوق المشروعة لطائفة من المجتمع أو لكل طوائفه, أو رفع الظلم والجور عنهم, إذا لم تجد الوسائل التقليدية للحصول علي هذه الحقوق أو رفع الظلم, ولكن التظاهر وإن كان حقا فإنه لا يوجد حق مطلق في أي شريعة من الشرائع, بل كل حقا مقيدا بضوابط للمطالبة به أو بممارسته, حتي لا يكون تجاوزا وانفلاتا وفسادا, وحق التظاهر من هذا القبيل له ضوابط عدة يجب اعتبارها فيه, وإلا كان مجرما شرعا, ومن هذه الضوابط, أن يوجد المقتضي الشرعي للتظاهر, ألا توجد وسيلة مشروعة أخري تغني عنه في المطالبة بالحقوق المشروعة أو رفع الظلم عن الناس, ألا يترتب عليه تعطيل مصالح الناس أو الحيلولة بينهم وبين حصولهم علي حاجياتهم ألا يترتب عليه ترك العمل في مؤسسات الدولة أو العصيان المدني أو توقف عجلة الإنتاج, ألا يكون سببا في تضييق الطريق علي الناس, أو منعهم من المرور في الطرقات, ألا يقترن به إتلاف أنفس أو أموال أو ممتلكات عامة أو خاصة, أو الاعتداء علي الأفراد أو الجماعات, وكذلك ألا يقترن به محظور شرعي كتخويف الناس أو إرعابهم أو انتهاك حرماتهم أو قطع الطريق عليهم أو سبهم أو إغلاظ القول لهم أو اختلاط الرجال بالنساء, وأن تكون ثمة فائدة مرجوة من القيام به وأن تنعدم هذه الفائدة عند انعدامه. ويضيف أن كل هذه الضوابط مدلول عليها بأدلة شرعية, ومن ثم فإنه عند عدم مراعاة هذه الضوابط يكون التظاهر غير مشروع لما يفضي إليه من مفاسد وهذه المفاسد مقدمة في الدفع علي المصالح التي تبتغي من إجراء التظاهر باعتبار أن قواعد الشرع تقرر أن درء المفسدة مقدم علي جلب المصلحة, ومن الأدلة علي مشروعية التظاهر السلمي: ما أقنع به عمر رضي الله عنه بعد إسلامه رسول الله صلي الله عليه وسلمبإعلان إسلامه علي قريش في فناء الكعبة, وخرج هو وحمزة في صفين من المسلمين حتي دخلوا المسجد الحرام ليعلنوا علي الناس إسلامهم وما روي أنه جاء رجل يشكو جاره إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال له اذهب فاصبر, فأتاه مرتين أو ثلاثا, فقال له النبي صلي الله عليه وسلم اذهب فاطرح متاعك في الطريق, ففعل فجعل الناس يمرون ويسألونه ويخبرهم خبر جاره فجعلوا يلعنونه, وبعضهم يدعو عليه, فجاء إليه جاره فقال: ارجع فإنك لن تري مني شيئا تكرهه. ظواهر مرفوضة وأستنكر علماء الدين ظاهرة احتلال الميادين لعدة أيام بزعم التظاهر السلمي, وقال الدكتور علوي أمين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر إن تنظيم التظاهر ضرورة شرعية, وقد تأخرت مصر عن إصدار مثل هذا القانون الذي يحمي الشوارع والميادين من الفوضي ويحافظ علي الأرواح والممتلكات, لأن ظاهرة احتلال الميادين لعدة أيام أصبحت ظاهرة تثير الكثير من علامات الاستفهام, فماذا يعمل هؤلاء المتظاهرون؟ ومن أين ينفقون طوال هذه الفترة؟, وما هي الأهداف التي يتظاهرون من أجلها؟, ويضيف قائلا: إن كل النتائج السلبية التي تترتب علي ذلك يتحملها المواطن البسيط الذي يعاني نتيجة الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار في الوقت الحالي نتيجة توقف العمل والإنتاج بسبب هذه الظواهر التي أصبح الشعب يرفضها ولا يتعاطف مع من يقوم بها, وطالب بضرورة معاقبة كل من يخالف الضوابط التي تضعها الدولة لمواجهة هذه الظواهر السلبية, مؤكدا أن الغرامة وحدها قد لا تكفي, ولابد أن تكون هناك إجراءات شديدة حتي يعود الأمن والأمان للشارع المصري وتنتهي ظاهرة احتلال الميادين, ويعود الناس للعمل والإنتاج لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي تهدد الوطن وعلي الجميع أن ينظر للمواطن الفقير الذي يتأثر بكل هذه التصرفات غير المسئولة.