فوجئت الوفود المشاركة في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الإنتشار النووي يوم الأربعاء الماضي بأنباء صدور بيان مشترك من الدول النووية الخمس الكبري صاحبة حق النقض' الفيتو'. في مجلس الأمن الدولي حول إلتزامات هذه الدول, الولاياتالمتحدةوروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا, إزاء المعاهدة ومطالبتها الدول النووية( أو المشتبه في حيازتها لأسلحة نووية) خارج المعاهدة وهي الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل بالانضمام للمعاهدة العالمية والخضوع لإجراءات التفتيش وفقا للبروتوكولات المنظمة لعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وينعقد مؤتمر مراجعة المعاهدة الموقعة عام1970 كل خمس سنوات منذ التمديد اللانهائي في عام1995, وهو العام الذي شهد صدور قرار يدعو لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. والتطور النوعي في بيان الخمسة الكبار هو قبول الولاياتالمتحدة بالتوقيع علي قرار يدعو إسرائيل- حتي ولو لم يسمها- بالإنضمام للمعاهدة والكشف عن قدراتها النووية وتأييد إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وفقا لقرار عام1995 وهي المبادرة التي طالما سعت مصر لتفعيلها علي مدي15 عاما. وفي ندوة بمقر الأممالمتحدة علي هامش مؤتمر المراجعة الحالي في توقيت صدور البيان المشترك, قالت إيلين تاوشر وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية لشئون الحد من التسلح أن' الولاياتالمتحدة لا تتصور كيفية المضي قدما في إنشاء المنطقة الخالية من النووي في الشرق الأوسط في الوقت الذي لا تحرز دول المنطقة تقدما في اتجاه تحقيق السلام'. وتثير واشنطن هذه النقطة الخلافية من واقع الرفض الإسرائيلي للتفاوض مع العرب علي إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي قبل التوصل إلي سلام شامل في الوقت الذي ترفض العواصم العربية هذا الربط. ووفقا لمصادر دبلوماسية, مقربة من المشاورات الدائرة بين المجموعة العربية والولاياتالمتحدة, تسعي واشنطن إلي تفادي العقبات التي يمكن أن تؤدي إلي فشل المؤتمر وعلي رأسها عدم القدرة علي التوصل إلي إجماع لإصدار إعلان ختامي- سيكون ذروة نجاح الرئيس باراك أوباما في الملف النووي- بين الدول189 المشاركة من وراء رفض الدبلوماسية المصرية التي تقود حركة عدم الانحياز وتحالف الأجندة الجديدة الداعي إلي إخلاء العالم من السلاح النووي تسويف مسألة الدعوة لإنشاء منطقة خالية من النووي في الشرق الأوسط الذي يضم جغرافيا- حسب التوزيع الجغرافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية- كلا من الدول العربية وإسرائيل وإيران. وتؤكد الدبلوماسية المصرية أهمية تجنب إعلان وفاة نظام منع الإنتشار النووي في ضوء إصرار الدول النووية الكبري علي وضع المعايير التي تضمن تفوقها في المجال النووي بينما تعمل علي تجريد دول أخري من الحق في حيازة تكنولوجيا نووية حتي لو كانت للأغراض السلمية. وقد ألقي السفير ماجد عبد الفتاح مندوب مصر الدائم في الأممالمتحدة كلمة مصر, قبل ساعات قليلة من بيان الدول الخمس, والذي تحدث عن قضية الشرق الأوسط بوضوح قائلا' إن نجاح المؤتمر سيتوقف علي التوصل لصفقة متكاملة تعيد التوازن والمصداقية للمعاهدة, تقوم علي التنفيذ الصادق والأمين للإلتزامات من الطرفين, من الدول النووية بالدخول في مفاوضات جادة في الإطار متعدد الأطراف يترتب عليها التزامات قانونية ذات أطر زمنية واضحة لنزع السلاح النووي الكامل, وتحقيق عالمية المعاهدة, بدخول الدول الثلاث خارجها كدول غير نووية, والحيلولة دون تكرار الاستثناءات التي تم منحها بالمخالفة لأحكام الاتفاقية, والسعي نحو إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط'. وقد إستخدمت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في كلمتها امام المؤتمر يوم الإثنين الماضي عبارة أن أمريكا ستساند' الإجراءات العملية' الرامية إلي تنفيذ قرار عام1995 دون أن تعطي تفاصيل عن طبيعة الإجراءات التي سوف تساندها واشنطن, وكشف دبلوماسيون أمريكيون في وقت لاحق إن واشنطن تبحث مع إسرائيل طبيعة الخطوات العملية التي ستؤدي إلي وفاء إسرائيل بالتزاماتها حيال معاهدة منع الانتشار النووي التي ترفض التوقيع عليها. وقد صاغت الدول الخمس الفقرة الخاصة بالشرق الأوسط بعناية فائقة حيث دعا' الدول التي ليست أطرافا في المعاهدة أن تنضم إلي الدول غير الحائزة للأسلحة النووية وإلي معاهدة عدم الانتشار والالتزام بشروطها.' وقال البيان' نحن علي استعداد للعمل مع الأطراف بغية تحقيق هذا الهدف.' وقال دبلوماسيون أمريكيون لوكالة الأنباء اليهودية أن المناقشات التي ستدور بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي لن ترقي إلي مستوي ممارسة الضغوط علي تل أبيب لكن المعضلة هي كيفية تعامل إسرائيل مع الشفافية المطلوبة للإفصاح عن تفاصيل ترساناتها النووية لو دخلت في مفاوضات للإنضمام للمعاهدة العالمية. وأمام رغبة الولاياتالمتحدة في' تعميم' الصيغة الخاصة بالدعوة إلي إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط وتجنب الإشارة إلي إسرائيل' نصا' توصلت الدول الكبري في مجلس الأمن إلي صيغة أكثر عمومية في البيان الذي تمت صياغته بعناية شديدة لإمتصاص إعتراضات المجموعة العربية علي المقترح الأمريكي-الروسي الأخير. وكان المقترح الروسي المدعوم أمريكيا قد طالب بإحراز تقدم فعلي في عملية السلام بين العرب وإسرائيل قبل التطرق لتقدم في مفاوضات إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وتوقيع الدول العربية علي جميع المعاهدات الأخري حول حظر أسلحة الدمار الشامل والتجارب النووية بينما كان المقابل الذي تقدم به الروس والأمريكيون هو مجرد دعوة إسرائيل للإنضمام للمعاهدة. كما تحدثت مصادر في الأممالمتحدة عن قبول الولاياتالمتحدة لصيغة دعوة كل الدول غير الموقعة, بما فيها إسرائيل, للإنضمام للمعاهدة مقابل تأييد روسيا والصين صدور قرار جديد بفرض عقوبات ضد إيران. وتكتنف المشاورات الحالية للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا( المجموعة المعروفة ب5+1 حول إيران) بسرية شديدة سواء في الأممالمتحدة او خارجها ويتم تداول الوثائق الخاصة بالعقوبات المقترحة علي طهران فيما بين الدول الست فقط ولا تخرج الأوراق أو المناقشات إلي الدول العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وقد تولت لبنان الرئاسة الدورية لمجلس الأمن عن شهر مايو بإعتبارها تشغل مقعدا غير دائم في المجلس في الوقت الراهن. ويسترعي الإهتمام صدور اعلان الدول الخمس الدائمة العضوية في مرحلة مبكرة من إعمال مؤتمر المراجعة النووية, الذي يستمر حتي الثامن والعشرين من مايو الجاري, وهو ما يعني أن الدول الكبري قلقة من الفشل المبكر للمؤتمر. في ضوء كل تشابكات السياسة العالمية والإقليمية, يتحدث البعض عن نقلة نوعية في بيان الخمسة الكبار حول المسألة النووية خاصة في الشرق الأوسط الذي ربما يسفر عن ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد وهي صفقة مع إيران وتعهد من إسرائيل بالإنضمام للمعاهدة واعلان ختامي يرضي طموح أوباما.. بينما يتخوف البعض الاخر من مناورات الكبار علي الساحة الدولية وهي الدول التي تملك في جعبتها حيلا ومراوغات كثيرة, مع ذلك, الصورة الإيجابية في مؤتمر نيويورك أن الدبلوماسية اليقظة يمكن أن تغير من قواعد اللعبة لو أصرت علي أنه' لا يأس في مواجهة الكبار'.