يواجه الاقتصاد الكلي في مصر تحديين رئيسيين متمثلين في إستقرار سعر صرف الجنيه وفي عجز الموازنة العامة للدولة. ولقد تمكنت السياسة النقدية للبنك المركزي من الحفاظ نسبيا علي قيمة العملة الوطنية رغم انخفاض احتياطي العملات الأجنبية وارتفاع عجز ميزان المدفوعات. لقد سمح البنك في الآونة الأخيرة بانخفاض تدريجي وبسيط للعملة المصرية, الا ان هذا الحل لن يدوم طالما لم تستقر الاوضاع بما يسمح بتدفق لعملات السياحة وتحويلات المصريين في الخارج وزيادة الاستثمارات والانتاجية في قطاعات الاقتصاد المختلفة, واما التحدي الثاني- وهو محور هذا المقال- فينحصر حول سبل علاج الموازنة العامة للدولة والتي لاتحتمل هي الاخري استمرار عجز متزايد ومتراكم منذ سنوات, لما لذلك من آثار وخيمة علي مستقبل التنمية. بتحليل مبسط لجانب النفقات في الموازنة نجد أن قرابة ربع منها يذهب لأجور العاملين بالدولة وربع للدعم وربع آخر لسداد فوائد وأقساط الدين الحكومي, بينما يتوجه الربع الأخير فقط للخدمات وللاستثمارالعام مما يبين عدم قدرة الموازنة علي توفير حقوق الرفاهة المطلوبة للمواطنين, وبينما تلتهم أجور العاملين الموازنة فان مرتبات قرابة ستة ملايين مواطن يعملون في الجهاز الاداري للدولة لاتكفي لسد ضرورات معيشتهم, ومن هنا فان الاولوية في علاج عجز الموازنة, تتطلب حل معضلة النسبة المرتفعة للاجور في الموازنة وفي نفس الوقت الارتقاء بالمستوي المادي للعاملين بالدولة, ولاسبيل الي ذلك الا في اعادة هيكلة الجهاز الاداري للدولة وفصل موازنات المحافظات عن الموازنة الرئيسية, وتحويل الوحدات الحكومية التابعة للمحليات الي كيانات إدارية مستقلة تعتمد علي مواردها الذاتية. بالاضافة الي ما يقدم لها من موازنة الدولة علي شكل اعانات لسد العجز وذلك لمواجهة أعباء الدعم الذي تحدده الدولة للمواطن في التعليم والصحة, أي ان الدعم سيتوافرمن خلال اللامركزية بشكل أفضل كما ونوعا مما يقدمه النظام المركزي ومن هنا لايكون الحديث عن الغاء أو تخفيض الدعم في الصحة والتعليم والغذاء, ولكن توفير آلية جديدة يتحقق من خلالها توفيره للمواطن( مثل المراجعة الدستورية لنظام الحكم المحلي والموازنة في فرنسا في17 مارس2003) وكما ان فصل المحليات والتي يعمل بها نصف العاملين بالجهاز الاداري سيسمح بالارتقاء بأحوالهم ورفع هذا العبء من الموازنة الرئيسية, ولهذا الغرض فان الادارة المحلية في حاجة لموازنة مواردها الذاتية, الي تخويل المجالس المحلية حق التشريع المحلي و حق التمويل المحلي في فرض رسوم وضرائب محلية ينظمها القانون.وهكذا فان بند الدعم الاساسي من جانب والارتقاء بمستوي أجور العاملين بالدولة من جانب آخر يمكن تحقيقهما من خلال برنامج للاصلاح الاداري يصمم خصيصا لتحقيق هذين الهدفين, واما بالنسبة لدعم الطاقة فيمكن مد المدة التي تستهدف تخفيضه ل39% في يونيو2013 الي يونيو2014 نتيجة الظروف التي يمر بها الاقتصاد المصري مع مراعاة الترشيد في كل المجالات واعادة نظام التوقيت الصيفي ورفع الدعم جزئيا عن البنزين90 و92 مع الابقاء علي أسعار السولار والمازوت والبنزين80 لتأثيرهم علي الاسعار وعلي محدودي الدخل وكذلك امكانية تطبيق مرحلة قادمة ضريبة كربون علي كل طن وقود تقليدي تستخدم في تمويل تكنولوجيات الطاقة المتجددة من رياح وشمس وخلايا وقود هيدروجينية, ويلزم التنويه بأن مستقبل التنمية وتنافسية مصر علي المستوي الدولي يعتمدان علي بلورة إستراتيجية للطاقة لبناء دولة مع بعد مشتقات الكربون وتحديد نصيب التكنولوجيات الجديدة لتوليد الطاقة في كعكة الاقتصاد المصري. تمثل الضرائب في كل أنحاء العالم المورد الأساسي للخزينة العامة, وعلينا قبل الشروع في تحديد هيكل الايراد الضريبي دراسة نصيب الضرائب الذي تتحمله كل فئة إجتماعية من الاجمالي الكلي وتحديد نسبة للحصيلة الكلية كحد أدني من الناتج الاجمالي(49% في السويد و44% في فرنسا و42% في ايطاليا و36% في المانيا علي سبيل المثال) وانشاء صندوق مالي للطوارئ للتعامل مع مصروفات غير متوقعة مثل ارتفاع سعر القمح أو السيول.. الخ, ولايمكن التعويل في المرحلة الاولي من اية اصلاحات ضريبية علي تحول انشطة الاقتصاد الموازي الي الشكل الرسمي ولكن إصلاح الادارة الضريبية وعدم هدر المستندات وقبول أنواع عديدة من المصروفات سيؤدي الي توسيع القاعدة الضريبية وتحول المنشآت المتعاملة مع الممول الرئيسي الي الاقتصاد الرسمي, ومواجهة التهرب الضريبي ضرورة لتنمية موارد الدولة, ويمكن إتباع نظام مطبق في الهند يقوم البائع بمقتضاه بتسجيل الرقم القومي للمشتري علي كل فاتورة شراء تزيد علي مبلغ معين(1000 جم مثلا) وتضاف هذه المشتريات علي القائمة السنوية للمشتري من خلال الشبكة الالكترونية للمنظومة الضريبية بحيث يتم مضاهاتها بالاقرارالسنوي للمشتري والتحقق من مصدر إنفاقه مقارنة بدخله وكما ان مثل هذا النظام سيساهم في محاربة الفساد. لقد صدرت مؤخرا خمسة قرارات بقوانين ثلاثة منها لتعديل بعض أحكام القوانين الخاصة بالضرائب العقارية وضريبة المبيعات وضريبة الدمغة واثنان للنظافة العامة والباعة الجائلين وذلك بهدف ضخ موارد اضافية في الخزانة العامة وضبط حركة الاسواق والحفاظ علي النظام بالشارع المصري, ولقد تم تجميد تنفيذ هذه القرارات نتيجة موجة من الانتقادات والي حين اجراء حوار موسع للاستفاده من آراء ومقترحات القطاعات المختلفة, ورغم ان معظم هذه القرارات جاءت معتدلة وعادلة في نفس الوقت وتصب في مصلحة الاقتصاد علي المدي المتوسط والطويل الا ان فرض ضريبة اضافية علي خدمات الفنادق والمنشآت والمطاعم السياحية في الوقت الراهن الذي تعاني فيه السياحة من ركود لأمر غير مستحب ونفس الشيء ينطبق علي نسبة ال10% علي الحديد والاسمنت, وفي المقابل فان القرارات راعت العدالة الاجتماعية, وبالذات بالنسبة لتدرج ضريبة الدخل والتي لم تزد علي25% في حدها الأقصي مقارنة بنسبة اعلي بكثير في معظم دول العالم, وبوجه عام فالأمل معقود علي الحوار المجتمعي للوصول الي صيغة تتواءم مع الوضع الاقتصادي الراهن وتساهم ايضا بشكل ملموس في تخفيف عجز الموازنة العامة للدولة بما يوفر الثقة في مسار السياسات المالية المصرية. المزيد من مقالات شريف دولار