ماذا سيبقي لنا إذا تم تخريب القضاء. هناك ثلاثة رموز لكل دولة تعرف منها قوة وضعف هذه الدولة. القاضي رمز العدالة, ورجل الشرطة رمز الأمن, والمدرس رمز المستقبل. وبتخريب القضاء نكون قد اقتربنا من الحد الأقصي من التدهور. أحكي عما حدث عام1945 عندما استدعي الفرنسيون الجنرال شارل ديجول لقيادة فرنسا المدمرة نتيجة الحرب العالمية الثانية. وكان أول سؤال سأله ديجول للذين ذهبوا إليه: ما أخبار القضاء والجامعات؟ وعندما قالوا له إنهما بخير, قال بثقة: الآن نستطيع النهوض بفرنسا. وبرغم أن فرنسا كانت من الدول التي احتلتها ألمانيا في الحرب ودمرتها, فإنها استردت قوتها بفضل أنها حافظت علي قضائها وجامعاتها خلال الاحتلال. وقد شهدت مصر عديدا من الاغتيالات والأحداث لكن يبقي تاريخا مميزا لا ينسي القاضي أحمد الخازندار الذي اغتاله الإخوان المسلمين لأنه حكم بالأشغال الشاقة علي أحد جماعة الإخوان, والدكتور عبد الرزاق السنهوري أحد أكبر فقهاء القانون مصريا وعربيا, الذي صاغ عددا من القوانين العتيدة علي رأسها القانون المدني الحالي, كما أسهم في إنشاء مجلس الدولة, وقد اختلف السنهوري مع جمال عبدالناصر حول دستور54 الذي اشترك السنهوري في صياغته, وكان رأي السنهوري عودة الجيش إلي ثكناته ويجري حكم البلاد ديمقراطيا, وتزعم هذا الرأي اللواء محمد نجيب بينما عارضه عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة الذين رأوا أن ذلك يعني تسلل رجال الأحزاب السابقين الذين أفسدوا البلاد إلي الحكم, وكان من الوسائل التي استخدمها مؤيدو عبد الناصر إرسال مظاهرة إلي مجلس الدولة تهتف ضد السنهوري واقتحمت المجلس واعتدت عليه بالضرب! وقد مضت عشرات السنين علي الواقعتين ولكن ذاكرة التاريخ ظلت تذكرهما بالاستنكار, وتعتبر كل منهما نقطة سوداء, سواء في تاريخ الإخوان بالنسبة للخازندار, أو في تاريخ ثورة يوليو بالنسبة للفقيه الكبير, لما للقضاء من قداسة خاصة, وسيضاف للواقعتين بلاشك حصار المحكمة الدستورية العليا أكثر من أسبوعين ومنع قضاتها المرموقين من دخول المحكمة, دون أن تنتفض الدولة لرد هذا الاعتداء! [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر