رئيس جامعة عين شمس يتفقد سير الامتحانات بكليات الآداب والحقوق والعلوم    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    افتتاح المقر الرئيسي لبنك أبوظبي التجاري مصر بالقاهرة الجديدة    نقيب الفلاحين يكشف أسباب انخفاض سعر البصل    نائب: بدء حوار مجتمعي بشأن قانون الإيجار القديم بعد وصوله للبرلمان (فيديو)    رويترز عن التلفزيون الإيراني: فرق الإنقاذ عثرت على مروحية الرئيس الإيراني المحطمة    بايدن يشجب الأزمة الإنسانية في غزة ويؤكد العمل على مدار الساعة لإيصال المساعدات    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    إنريكي يحرم مبابي من المشاركة الأخيرة بالدوري الفرنسي    رئيس اللجنة البارالمبية: نشكر لجنة الساق الواحدة لمجهوداتهم في كأس الأمم الأفريقية    مدينتي تطلق الحدث الرياضي "Fly over Madinaty" لهواة القفز بالمظلات    دورات تدريبية وشهادات مزورة.. كواليس مداهمة أكاديمية وهمية بالإسكندرية    بالبوستر الرسمي.. محمد إمام يشوق جمهوره لفيلم "اللعب مع العيال"    التليفزيون الإيرانى يعلن الاتصال بأحد ركاب مروحية إبراهيم رئيسى وفرد من الطاقم    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    متحف «طه حسين».. تراث عميد الأدب العربي    أفلام مهرجان كان استحسان واستهجان.. كوبولا يثير انقسام النقاد في أحدث أعماله    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    مستشار الرئيس للصحة يكشف آخر تطورات متحور كورونا الجديد    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    حزب الريادة: مصر كانت لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالحكيم قاسم صوت المعذبين في الأرض
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 12 - 2012

يستحق عبد الحكيم قاسم عن جدارة لقب صوت المعذبين في الارض.. فقد كانوا همه الحقيقي وكانت معاناتهم والامهم وانينهم وكل تلك التفاصيل والمنمنمات الصغيره التي تزخر بها تفاصيل يومياتهم هي موضوعه الرئيسي‏. فنحن امام روائي عملاق لم يأخذ حقه من التكريم رغم المكانة البارزة التي يستحقها وسط صدارة المشهد الأدبي العربي, رغم أنه في13 نوفمبر المقبل تمر علي رحيل عبدالحكيم قاسم22 عاما.
ولد قاسم في أول يناير1935, ورحل عنا بالجسد عام1990, وما بين الميلاد والرحيل جاءت حياة قاسم كلوحة تعبيرية جسدت الوانها الصارخة كل ما تعرض له من ظلم تراوحت درجاته بين اعتقال لميوله السياسية ونفي إلي المانيا ثم ما كابده بعد عودته من صراع مع المرض حتي وفاته. اما هو فقد كان مبدعا حقيقيا وروائيا واقعيا ومتميزا لم يعش في الأبراج العاجية بل بقي في الظل بعيدا عن الأضواء والنجومية اللتين يستحقهما عن جدارة, حيث عكست أعماله الواقع الحياتي للطبقات الشعبية المسحوقة والمتعطشة الظامئة للحياة والفرح والسعادة وجاءت رواياته وقصصه بلغة شديدة العذوبة لتعبر عن انسان القرية المصرية البسيط في كل آلامه وأحلامه وتفاصيل حياته اليومية
أيام الإنسان السبعة
ورحلة عبدالحكيم قاسم الأدبية بدأت مع قدومه إلي القاهرة عام1959 حيث بدأ يطرق أبواب النشر فنشر قصته الأولي الصندوق في الآداب البيروتية عام1964, لكن شهرته الحقيقية جاءت مع نشر روايته الأولي أيام الانسان السبعة عام1968 والتي قال عنها الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور إنها أحسن كتاب قرأته في الخمس سنوات الماضية. وأيام الانسان السبعة هي غوص عميق للغاية في عالم الريف المصري بكل تفاصيله وأسراره ودقائقه حيث تسبح الرواية في دنيا موالد الأولياء من خلال توافد أهل القرية لحضور مولد السيد البدوي في طنطا, حيث يشم القاريء رائحة الأرض وتري عيناه بعمق جمال الماء والزرع, كما يعرض من خلالها حكايات الدراويش علي الحصر, والموت, والود في انقطاعه ووصاله.
وتعري روايته محاولة للخروج كل مظاهر الفقر والرثاثة والقبح والدمامة في عالم الكادحين, والرواية كما يتضح من عنوانها هي محاولة للخروج من واقع صعب مترد يعيشه البطل إلي حضارة مبهرة وفتية ومسيطرة يمثلها الآخر, وهو الفتاة السويسرية التي تحاول أجتذابه إلي بلادها, الا ان عبدالحكيم قاسم يحسم علي لسان بطله القضية معلنا انحيازه للقرية.
وإلي جانب رواياته قدم عبدالحكيم قاسم عددا من المجموعات القصصية مثل الظنون والرؤي, والأشواق والأسي وديوان الملحقات والهجرة لغير المألوف كما أن له مسرحية وحيدة وهي ليل وفانوس ورجال
الرسائل
تكشف الرسائل التي جمعها وقدمها الناقد والكاتب محمد شعير في كتاب صدر بعد رحيل قاسم بعشرين عاما بعنوان كتابات نوبة الحراسة, عن دار ميريت في القاهرة, النقاب عن ملامح إبداعية وإنسانية جديدة لعبدالحكيم قاسم, تكشف أنه صاحب قلم متميز في مجالات عدة, فكما كان أحد الحكائين المتفردين, فهو أيضا ناثر باهر, وكاتب رسائل من طراز خاص يفاجئ مطالع خطاباته, فهي ليست مجرد كتابات مسترسلة عادية, خطت بصورة متعجلة, بل إبداع داوي به قاسم جراحه خلال فترة الاغتراب في ألمانيا, وشكل من أشكال التشبث بالحياة في الوطن ولو علي ورقة رسالة, وقبل كل ذلك محاولة لهزيمة عذابات الغربة التي قضي فيها قاسم11 عاما(1974 1985)
يقول قاسم في إحدي الرسائل ليس بيني وبين الكتابة هذه الغربة, إنما أجد في الحكي لذاذة, أو نجاة, إن سكت أغرق.. أبقي وحدي مع هذه التصورات الغريبة في أعماقي السحيقة, وما أنا بالقادر علي امتلاكها وسبرها حتي أفك طلاسمها, إنها تعمي علي, تحيرني, أنجو إلي أنس الصحاب, أقول حاكيا أو كاتبا, أقول بإلحاح وعصاب, فإن من ورائي الصمت. ويحكي قاسم أنه كانت تمر عليه أيام طويلة من دون أن يجد شخصا يحدثه أو يتحاور معه, علي الأقل خلال الفترة الأولي التي قضاها في الغربة قبل أن يلتئم شمل عائلته, ولذا كانت السلوي هي الرسائل التي يخطها, واللافت في كثير منها أن قاسم كان يستحث أصدقاءه علي مداومة التواصل معه.
مشاعر
كم من المشاعر المختلطة تجاه خيار الاغتراب الصعب, تحفل بها رسائل قاسم التي كتب بعضها وهو يعمل حارسا ليليا علي أحد متاحف برلين, فثمة حزن وغضب وإحباط, لكائن يحاول إقناع نفسه بما صنع, بأن في تلك الرحلة تحققا من نوع ما, بعد الامتهان والعمل في وظيفة لا تتناسب مع موهبته كمبدع, إذ يجيب أخاه في رسالة عن سؤال: لماذا سافر؟(هل قلت لك أن ثمة احساسا كان لدي بفجوة بين وضعي الاجتماعي كموظف في المعاشات واعتدادي بنفسي كإنسان موهوب, سأعود للقاهرة دكتورا حتي لو لم يكن معي مليم)
ولم يكن حلم الحصول علي الشهادة العلمية المرموقة السبب الوحيد الذي من أجله ارتحل قاسم عن مصر, بل رأي في السفر إلي ألمانيا تجربة تستحق خوض غمارها, خصوصا أنه منذ طفولته وهو صاحب ارتحالات, إلا أنها كانت بين ثنايا الوطن, إذ عاش بين أكثر من مكان, فالدراسة توزعت بين مدن مصرية عدة, منها ميت غمر وطنطا والإسكندرية, وكان عمله نهاية في القاهرة
مبدع استنائي
وتقرب الرسائل عبدالحكيم قاسم الإنسان إلي القارئ, تسلط الضوء علي فصول في حياة ذلك المبدع الاستثنائي, تكشف عن شخصيته, مواطن القوة فيها, ومظاهر ضعفها البشري, عمقها, وحساسيتها المفرطة, وجرأتها, وصدقها الجارح الخشن أحيانا, ثوراتها ومراجعاتها, شأن أغلبية المبدعين. وتلخص الرسائل كذلك آراء قاسم في أعماله هو أولا, وأعمال غيره من المبدعين ثانيا, لتكشف عن ناقد عميق, يغوص في تحليل النصوص الأدبية, محاولا استكناه أسرارها, وليس مجرد متذوق عادي
الهم الخاص والعام
ويختلط العام بالخاص في رسائل عبدالحكيم قاسم, فالرسالة قد تجمع بين أكثر من شيء, كتابة متحررة, تبدأ من الأمور الشخصية, لتصل إلي الحديث عن الهم العام, ففي إحدي رسائله التي كانت قبيل الاجتياح الاسرائيلي لبيروت يقول بمرارة:إنني الآن أدرك كيف أنني عشت العمر كله أواجه في وطني قهرا حقيقيا وإذلالا حقيقيا, وأعيش مع ناسي مقاومة غير جادة, وثورة مغشوشة, وحماسة مدخولة. العمر كله أمشي في تظاهرات, وأحضر اجتماعات, وأسمع خطابات.. تلك نهاية جيلنا, جيل فشل نهائيا, وعلي كل المستويات, وبعد الانتصار الاسرائيلي, سيكون علي نطاق العالم وضع شاذ مؤداه إذلال أمة كاملة في كل مكان
ويعتبر الكاتب والناقدمحمد شعير أن( كتابات نوبة الحراسة) الذي يقع في253 صفحة ليس( سيرة للكاتب الراحل عبدالحكيم قاسم, بقدر ما هي سيرة جيل بأكمله, جيل الأحلام المسروقة, إذ تعكس الرسائل الجو الأدبي الذي نشأ وتكون فيه جيل الستينيات, واللحظات الصعبة التي عاشها أثناء حكم عبدالناصر, ثم حكم السادات, خصوصا بعد كامب ديفيد, مرورا بغزو بيروت وحرب الخليج الأولي.. كل هذا يجعل من هذه الرسائل توثيقا سياسيا واجتماعيا لهذا الجيل, وليس فقط لصاحبها).
الرحيل
يقول عبد الحكيم قاسم في إهدائه لقصته المهدي:
ابنتي إيزيس.. ابني أمير.. أرجو أن تعيشا مصرا أحسن من تلك التي عاشها أبوكما وأن تذكراني.
وإذا تأملنا الحياة القصيرة التي عاشها قاسم فسنجدها مفعمة بإبداع عظيم له تميزه الخاص, لقد ظل قارئ عبد الحكيم مع كل عمل جديد ينشر له ينتابه شعور بأنه لم يقل كل ما عنده, وأن جعبة هذا المبدع ما زالت تخبئ الكثير, تحالف المرض الذي داهمه في أخريات حياته مع ظروف حياتية لم تكن ميسرة في كثير من الأحيان.. تحالفا ضده, ووقفا حائلا دون رغبته في البوح بما لديه وشاء القدر برحيله المفاجئ عام1990 عن55 عاما ألا يكتمل هذا المشروع, فبدت حياته التي امتزجت في قصصه كحكاية سطر بدايتها ولم يقدر لها أن تمضي في طريقها للنهاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.