هذا روائي عملاق لم يأخذ حقه من التكريم رغم المكانة البارزة التي يستحقها وسط صدارة المشهد الأدبي العربي, رغم أنه في13 نوفمبر الحالي تمر علي رحيل عبدالحكيم قاسم20 عاما. ولد قاسم في أول يناير1935, ورحل عنا بالجسد عام1990, وما بين الميلاد والرحيل جاءت حياة قاسم كلوحة تعبيرية جسدت الوانها الصارخة كل ما تعرض له من ظلم تراوحت درجاته بين اعتقال لميوله السياسية ونفي إلي المانيا ثم ما كابده بعد عودته من صراع مع المرض حتي وفاته. اما هو فقد كان مبدعا حقيقيا وروائيا واقعيا ومتميزا لم يعش في الأبراج العاجية بل بقي في الظل بعيدا عن الأضواء والنجومية اللتين يستحقهما عن جدارة, حيث عكست أعماله الواقع الحياتي للطبقات الشعبية المسحوقة والمتعطشة الظامئة للحياة والفرح والسعادة وجاءت رواياته وقصصه بلغة شديدة العذوبة لتعبر عن انسان القرية المصرية البسيط في كل آلامه وأحلامه وتفاصيل حياته اليومية. أيام الإنسان السبعة ورحلة عبدالحكيم قاسم الأدبية بدأت مع قدومه إلي القاهرة عام1959 حيث بدأ يطرق أبواب النشر فنشر قصته الأولي الصندوق في الآداب البيروتية عام1964, لكن شهرته الحقيقية جاءت مع نشر روايته الأولي أيام الانسان السبعة عام1968 والتي قال عنها الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور إنها أحسن كتاب قرأته في الخمس سنوات الماضية. وأيام الانسان السبعة هي غوص عميق للغاية في عالم الريف المصري بكل تفاصيله وأسراره ودقائقه حيث تسبح الرواية في دنيا موالد الأولياء من خلال توافد أهل القرية لحضور مولد السيد البدوي في طنطا, حيث يشم القاريء رائحة الأرض وتري عيناه بعمق جمال الماء والزرع, كما يعرض من خلالها حكايات الدراويش علي الحصر, والموت, والود في انقطاعه ووصاله. وتعري روايته محاولة للخروج كل مظاهر الفقر والرثاثة والقبح والدمامة في عالم الكادحين, والرواية كما يتضح من عنوانها هي محاولة للخروج من واقع صعب مترد يعيشه البطل إلي حضارة مبهرة وفتية ومسيطرة يمثلها الآخر, وهو الفتاة السويسرية التي تحاول أجتذابه إلي بلادها, الا ان عبدالحكيم قاسم يحسم علي لسان بطله القضية معلنا انحيازه للقرية. فالبطل رغم كل الصعاب يري سعادته في الأشياء البسيط وأكوام القش وبيوت الطين وشاي العصاري, والتي لا تعادلها سعادة أخري في أية صورة مدنية مترفة, وبالاضافة إلي روايتيه السابقتين فقد قدم عبدالحكيم قاسم روايات أخري هي الأخت لأب قدر الغرف المقبضة والمهدي و طرف من خبر الآخرة التي أستخدم فيها تقنية لغوية مزج خلالها ما بين الفصحي والعامية والتراثية وهي علي غرار رحلة أبي العلاء المعري في رسالة الغفران. وإلي جانب رواياته قدم عبدالحكيم قاسم عددا من المجموعات القصصية مثل الظنون والرؤي, والأشواق والأسي وديوان الملحقات والهجرة لغير المألوف كما أن له مسرحية وحيدة وهي ليل وفانوس ورجال. .. واليوم وبعد مرور20 عاما علي رحيله فإننا نجدد الدعوة إلي تكريم عبدالحكيم قاسم بإعادة نشر أعماله التي هي علامة بارزة في الكتابة القصصية والروائية العربية, فقاسم ينتمي إلي تلك النخبة الرائعة من أدباء جيل الستينيات الكبير بكل رموزه الفكرية وزخمه وحيويته وثوريته وعراكه الثقافي والايديولوجي والسياسي والذي صاغ جانبا مهما من وجدان القاريء العربي وساهم بحق في عملية تنويرية تظل بالفعل نموذجا فريدا نتمني تكراره.