استنكر علماء الدين ما تردد من فتاوي تدعي أن النظام الديمقراطي المعمول به في البلاد حاليا يتعارض مع الإسلام, وأكدوا أن تلك الفتاوي خاطئة وتدل علي عدم فهم ومعرفة بالدين الإسلامي الصحيح. مستشهدين علي ذلك بمفهوم الشوري في الإسلام الذي يطابق مفهوم الديمقراطية كما طالب علماء الدين بالتوقف عن إصدار تلك الفتاوي التي تثير الفتنة والبلبلة وتسيء إلي الإسلام والمسلمين. وأكد الدكتور أحمد عمر هاشم,عضو هيئة كبار العلماء الأزهر, أن النظام الديمقراطي بمفهومه الصحيح هو نظام الشوري في الإسلام, ولا يتعارض مع الإسلام, ويضيف قائلا: غاية ما في الأمر أن المصطلح في عصرنا اسمه ديمقراطية, أي حكم الشعب, وفي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم يسمي الشوري, فإذا كان النظام الديمقراطي علي نفس أسس وقواعد الشوري في الإسلام فهو جائز, أما إذا كان يتصف بالاستبداد وباحتكار السلطة وتفضيل وتقديم بعض الفئات التي لا تستحق, فلا يعد ذلك نظاما إسلاميا, والخلاصة أن النظام الذي يسمي نفسه علي أي اسم ولكن يسير علي نهج الشوري في الإسلام فلا مانع من تطبيقه, مادام يطبق قول الله عز وجل:(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين), وقوله تعالي أيضا:وأمرهم شوري بينهم سورة الشوري: آية38, وقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يأخذ دائما برأي من حوله دون استهانة, ففي غزوة بدر تقدم أبو الرأي أبو عمر الحباب بن المنذر رضي الله عنه وقال للرسول صلي الله عليه وسلم ردا علي كلامه, يا رسول الله: أهذا المنزل أنزلكه الله أم هي الحرب والرأي والمشورة والمكيدة ؟, فقال صلي الله عليه وسلم: يا أبا عمرو بل الرأي والحرب والمكيدة والمشورة, قال أشير يا رسول الله أن نتقدم إلي الأمام حتي تكون جميع عيون الماء وراءنا ثم نجمع كل الماء في أكبر بئر ونقيم عليه حوضا ويقف الجيش أمامه فيكون الماء وراءنا نشرب ونسقي والأعداء لا يشربون ولا يسقون, فقال صلي الله عليه وسلم: نعم الرأي يا أبا عمرو, وأخذ به ونفذه,فأهم ما يجب تنفيذه هو احترام آراء الآخرين والأخذ بالرأي الصواب دون أي تعصب أو استبداد, فهناك قاعدة تقول( لا مشاحة في الاصطلاح) أي لا خلاف, فإذا اختلف اللفظ لا يهمنا مادام معني الشوري موجودا. فتوي باطلة ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية, ان هذه الفتوي باطلة ولا تستند إلي دليل صحيح في القرآن والسنة, ذلك لأن الإسلام دين يقوم علي التعددية في الأديان والآراء والأجناس والألوان داخل الدولة الإسلامية الواحدة, والدليل علي ذلك أن نموذج الدولة الإسلامية الأولي في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم اعترف فيها لغير المسلمين بحقوق مجتمعية يدلون فيها بآرائهم ويشاركون المسلمين في إدارة الحياة العامة في المجتمع المدني بموجب أنهم شركاء في وطن المدينة الذي كان يحتوي علي المسلمين والمسيحيين واليهود, وكان هناك أيضا بعض الوثنيين, تضمنتهم صحيفة المدينة, كما تضمنت أيضا حقوقا يجب مراعاتها والوفاء لهم بها, وهذا تطبيق لمفهوم الديمقراطية الحديثة التي تقوم علي حق الجميع في التعبير عن دينهم وآرائهم وأفكارهم, وهذا ما كفلته صحيفة المدينة وتكرر علي أساسها المبدأ الإسلامي المعروف:لهم ما لنا وعليهم ما علينا وأضاف أن التسليم بحقوق غير المسلمين في المجتمع هو إعمال لمبدأ ديمقراطي باعتباره اعترافا بحق المواطنة لكل فرد من الشعب, كما أن مبدأ الشوري الإسلامية يستدل منه أن علي الحاكم أن يستشير ويتعرف علي رأي أبناء المجتمع في إدارة شئونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تمييز, وهذا المبدأ الرئيسي في الشوري يعد ركيزة من ركائز النظام السياسي الإسلامي,ولا يختلف كثيرا عن الديمقراطية المعاصرة في حدود أنه لا يجوز باسم الديمقراطية الموافقة علي حكم يتعارض مع نص قطعي في الشريعة الإسلامية, كما يلاحظ أن الشئون السياسية في معظمها تعتمد علي الاجتهاد وهو إعمال لمبدأ الديمقراطية. ويحذر الدكتور الجندي من تلك الفتاوي التي تثير الفتنة والبلبلة, ويؤكد أن قدسية أحكام الدين تقتضي عدم الزج بالدين وتوظيفه لمصالح شخصية ضيقة أو سياسية, لأن في ذلك امتهانا للدين وإخلالا بحق من حقوق الله تعالي علي أساس أن الدين هو صلة بين العبد وربه, ويضيف قائلا: من الطبيعي أن يكون للشريعة دور في تسيير الشئون العامة في المجتمع, يقول الله تعالي: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا علي الله الكذب إن الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون الآية رقم116 من سورة النحل, وهذه الآية الكريمة تشير إلي حرمة التلاعب بالدين وأحكامه من أجل نصرة رأي أو تأييد قضية دون وجه حق وإقحام للدين في معترك السياسة, ويؤكد ذلك أن الحكم في الإسلام أمانة ومسئولية لقوله تعالي: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا سورة النساء: الآية.58