يرجع الكثيرون مشكلات السكة الحديد ومشكلات النقل عموما لقصور الإمكانات, إلا أننا نعتقد أن المشكلة لا ترجع أساسا لعدم مراعاة الاحتياجات الأساسية لنشاط النقل علي المستوي القومي, بل لعدم الشد في استخدام الإمكانات المتاحة, وفقا لأولويات تحكمها التكلفة والعائد لكل بديل. والمشكلة التي ما زالت قائمة حتي الآن هي أن المنظومة الحالية للنقل تشجع علي استخدام وسيلة النقل ليس فقط غير المناسبة بل والأعلي تكلفة, حيث إن لكل وسيلة نقل إستخداما معينا تعطي فيه مستوي خدمة أعلي وبتكلفة أقل, وذلك وفقا للأسس العلمية لتنظيم النقل التي سبق أن قنناها, وطبقت بنجاح في حالة السكة الحديدية البريطانية. ففي معظم الحالات فإن النقل باللوريات يكون أكثر إقتصادية للمسافات القصيرة بالمقارنة بالسكة الحديد. ورغم أن السياسة المتبعة حاليا في مصر تدفع لخلاف ذلك, فإن متوسط طول رحلة البضاعة علي السكة الحديد331 كيلومترا, والرقم المقارن للوريات كان حوالي190 كيلومترا فقط, ونفس الوضع بالنسبة لنقل الركاب حيث إن متوسط طول رحلة الراكب علي السكة الحديد,68.9 كيلومتر بالمقارنة55.5% كيلومتر فقط علي الأتوبيسات التي تعمل بين الأقاليم. هذا علما بأنه في الولاياتالمتحدةالأمريكية ثبت متوسط طول رحلة النقلة باللوريات عند رقم240 ميلا, رغم ارتفاع متوسط طول رحلة النقليات بصفة عامة. والسياسات التي تتبعها السكة الحديد حاليا تعطي ميزة غير مبررة للنقل باللوريات. وذلك نتيجة لنظم التشغيل وسياسات التسعير المطبقة, كذا نظم تحصيل الإيراد وهو ما ينعكس علي مستوي الخدمة التي تتيحها السكة الحديد وبالتالي حجم ما تنقله. ولعل ما يبعث علي التساؤل تناقص حجم ما تنقله السكة الحديد للبضائع المنقولة وخطورة ضخامة حجم حركة النقل باللوريات بالمقارنة بحجمها بالسكة الحديد والنقل النهري, يتضح من أن تكلفة النقل باللوريات هي الأعلي. أي أن غياب السياسات العلمية السليمة لتنظيم النقل في مصر أدي إلي أننا نستخدم وسيلة النقل الأعلي تكلفة النقل بالطرق وهو ما يؤدي ليس فقط لارتفاع تكاليف الإنتاج الإقتصادي والخدمي. بل كذلك حوادث مرورية, وتدمير شبكة الطرق نتيجة لاستخدامها بشكل يفوق طاقتها التصميمية. وهكذا فإن مشكلة السكة الحديد تعود أساسا للآتي:- 1 اتباع سياسات تدفع باستخدام وسيلة النقل غير المناسبة في المكان المعين, نظرا لغياب خدمات وسيلة النقل المناسبة في التوقيت المطلوب أو وجود خلل غير مبرر في كم ونوعية ومستوي سعر الخدمة التي تقدمها. 2 الاتجاه لإنشاء خطوط سكة حديد جديدة علي حساب الصيانة الضرورية, كذا القصور في توفير تسهيلات النقل وضبط حركته علي خطوط سكة حديد بالمواصفات الضرورية. 3 خلل نظام التعريفة الحالي كذا نظام تحصيل الايراد, علما بأنه يمكن استخدام نصف الفاقد من الإيراد نتيجة لخلل نظام التعريفة لتوفير نظام تحصيل حديث وفعال. 4 عدم مراعاة أولويات الإستثمارات الجديدة وأوجه الإنفاق وفقا لدراسات تحدد التكلفة والعائد لكل بديل, سواء أكان تكلفة أو عائدا اقتصاديا يعود علي الهيئة أو علي المجتمع ككل. 5 عدم وجود مجلس أعلي قومي للنقل بمختلف وسائله وتسهيلاته وتنظيماته, حيث إن هدف النقل هو توفير رحلة للراكب أو البضاعة, من الأصل إلي المقصد, والتي عادة ما تتم علي أكثر من وسيلة نقل وتمتد لأكثر من منطقة. ويختص هذا المجلس بوضع السياسات وإقرار الخطط والإشراف علي التنفيذ بما يحقق التنسيق والتكامل بين مختلف وسائل وتسهيلات النقل. إن من الامانة أن نقرر أن خلل منظومات النقل الحالية ليست مسئولية وزير النقل المستقيل, ولكنة نتيجة للسياسات المطبقة عبر الثلاثين عاما الأخيرة. ومن البديهي أن تصحيحها لا يمكن أن يتم خلال الفترة القصيرة التي تولي الوزاة خلالها الدكتور رشاد المتيني.