كتبت - فاطمة الدسوقي: يا سيدي.. انطفأت في وجهي كل مصابيح الدنيا ولم تعذب حياتي إلا الشكوي.. لم يتبق مني سوي بقايا رجل عصفت زوجته بكرامته وغرسته في الوحل وقسمت وجوده وكبرياءه. .. تلك الخداعة.. الإفاقة.. الساقطة.. اندست جذورها في نياط قلبي ورويتها بغيث دمي.. كانت كل فرائض عشقي ونوافل شوقي.. كانت الأغنية التي أترنم بها أينما ذهبت وأردت الميلاد والموت داخل معبدها فقد سكنت قلبي واعتلت منصة عقلي وكانت الوحيدة التي وطأت مشاعري.. اخترتها دون كل الصبايا وبقيت لها عابدا في كبرياء المتخلي عن عروش قلوب كل الجميلات وأويت إلي قلبها فقط فكانت لي الملاذ والانتماء أسكنتها حقا في كل أوردتي فقد كانت الأولي في عمر تجاربي.. ولكن تلك الخداعة حرقت قلبي وتركته ينزف وأبحث عن من يلملمني من عتبة التهلهل والانكسار وأصبحت لا أملك إلا عيون الصمت والحزن وبدأت رحلة التخفي عن عيون الآخرين. تلك اللعوب عصفت بسنوات عمرنا بعد أن تمنيتها عمرا وجمعتها من قلب الأبجدية حرفا حرفا حتي صارت وقولت لها أن اردتيني نهارا فأنت منبعي وان رأيتيني جبلا فأنتي ودياني وإن وجدتيني صحراء.. بحدا فأنت رمالي وشواطئي وإن وجدتيني غلطة مطبعية في أطلسك فأطلقيني من ضفتيك ولا تعتذري وارحلي في كبرياء العاشقين. ولم يدر بخلدي أنها سوف تقوقع حدودي وتثني ذيل الأيام فوق وجودي وأنها سوف تجعل من حكايتنا مثل كجملة اعتراضية في رواية بائرة لن تحصل علي الاستحسان مطلقا. يا سيدي.. تلك الساقطة ارتجفت لها أوصالي داخل الجامعة فقد شهدت أسوار الجامعة علي سنوات عشقنا التي استمرت أربع سنوات كنت خلالها طالبا بكلية الصيدلة وهي في كلية الآداب ونمت بذور حبها في قلبي وتوجتها ملكة في عرش عمري وتقدمت لخطبتها وباركت أسرتي وأسرتها الزواج وعشنا في الفيلا التي يمتلكها والدي بمنطقة الرمل بالاسكندرية غمرتنا السعادة ورفرفت الفرحة حولنا خاصة عندما وهبتنا الأقدار ولدين وبنت كانوا الضحكة الشفافة والقلوب البريئة لنا وتفانيت لإرضاء محبوبتي وتلبية طلباتها فكانت الملكة وأنا وصيفتها.. فقط تفرغت لخدمتها سيدي فقد كان عشقها يجري في أوردتي وعيني لا تري سواها. كبر الأبناء والتحقوا بالمدارس التي اختارتها زوجتي حتي زادت علي الطلبات والمصروفات وبات دخلي من الصيدلية التي أمتلكها لا يكفي الحاجات التي لا تنتهي فقررت بمساعدة والدي تأسيس شركة لتصنيع الأدوية واستيراد المستلزمات الطبية ولكن لك المشروع كان يحتاج إلي ملايين الجنيهات فقررت أن أحصل علي قرض من أحد البنوك الكبري بضمان فيلا والدي والصيدلية واصطحبت والدي وزوجتي لإنهاء إجراءات القرض وتعرفنا علي مدير البنك وتبادلنا المحادثات التليفونية ثم الزيارات العائلية وأصبح صديقا للعائلة ولم يدر بخلدي أنه سوف يقلب حياتي جحيما وأنه سيلقنني درسا في الندالة لن أنساه أبد الدهر. ذلك الصديق زاغ بصره علي زوجتي التي قد تربعت علي عرش مملكة الجميلات والنور يشع من وجهها البريء وراودها عن قلبها فاستجابت ونشأت بينهما علاقة آثمة تحت شعار الحب وانقلب حالها أحاديث تليفونية فجرا وخروج متكرر عن المنزل بزعم زيارة الصديقات والأقارب وبدأت تهمل أبناءها وتثور علي أتفه الأسباب واعتقدت أنها ضاقت من الوحدة وانشغالي عنها في تأسيس الشركة ورحت أقبل يديها وقدميها وأطلب منها العفو والمغفرة ولم أتوقع أنها رحلت عني بلا رجعة ولم يتبق منها سوي الذكري الأليمة والرائحة الكريهة. زادت مسافات البعاد بيننا وبقي جسد زوجتي وحده في المنزل بينما عقلها ومشاعرها وقلبها خرج من العش الهاديء ولم يعد.. كلما حدثتها ثارت.. وكلما داعبها أطفالها نهرتهم.. لم يعد بداخلها لمحة من حبها القديم لي لأبنائها حتي ساورني الشك وتفرغت لمراقبة أحاديثها الهاتفية وأماكن خروجها وكانت الطامة التي زلزلت وجداني عندما اكتشفت أنها علي علاقة بصديقي مدير البنك فعاتبتها ونهرتها وضربتها فأقسمت أنها ستكون خادمة في محرابي أبد الدهر ولابد أن تشفع لها سنوات عشقنا فتحاملت علي نفسي وتناسيت جريمتها. وذات يوم سيدي لم تشرق فيه شمس النهار فوجئت بمجهول يطرق بابي ويسلمني اسطوانة ورحل في لمح البصر وأنا أمطره بالأسئلة ولم يعيرني اهتماما واختفي من أمامي فوضعت الاسطوانة علي جهاز الكمبيوتر ومجرد أن وقع بصري علي محتواها تعالت صرخاتي مثل النسوة ورحت ألطم خدي وأقطع في شعري وأضرب رأسي في الحائط وكاد عقلي أن يذهب عندما شاهدت زوجتي في أحضان الصديق ويعاشرها معاشرة الأزواج.. كيف وأنا الذي كنت خادما في محرابها هرولت كالمجنون إلي الصديق الندل وأطبقت علي رقبته لقتله إلا أنه بادرني بأنني متزوج من شيطانة فهي التي ألقت بشباكها الزائفة حوله وأوهمته بالحب وعندما سلبت منه كل ما يملك زاغ بصرها علي إبنه الطالب بكلية الهندسة ولم تتركه إلا بعد أن كسرت حياءه وعاشرته وبات الطالب لا يقوي علي فراقها فترك دراسته وأسرته وكان يهرول خلفها مثل الظل وعندما شعر أن ابنه الوحيد علي شفا حفرة من الانهيار والفناء قام بتصويرها وهي بين أحضانه لفضحها أمام زوجها حتي تبتعد عن فلذة كبده وكفي ما فعلته تلك الشيطانة