كتب - عادل الألفي: انطلق أحمد هواري مع مولوده الأول ع المكنة في رحلة إلي عالم مطحون يعيش علي بسمة غمست بفعل فاعل في واقع مرير. "ع المكنة" الكتاب الأول لمشروع قاص واعد هو هواري ابن حي شبرا الذي تخرج في كلية الألسن جامعة عين شمس, وبدأ العمل بجريدة الأهرام كصحفي إبان ثورة25 يناير المجيدة بعد رحلة كفاح داخل جدرانها. ولأنه لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب, فقد تناول في مجموعته القصصية القصيرة قضايا شائكة حين تلمسها تشعر من الوهلة الأولي أنه يحكي من واقع حكايات قد تكون عشتها بنفسك أو سمعتها من أصدقائك ومعارفك, يحكي بمشاعر جيل ينتمي إلي العشرينيات من العمر, بلغة تمزج الفصحي البسيطة بالعامية المستحدثة التي يستخدمها الشباب. مشاعر أبطال قصصه تحمل صراعا نفسيا ومجتمعيا أبدع الكاتب في سرده, حين كانت أصابع الاتهام موجهة صوب شباب مصر, والتهمة: غير مؤهل لأي شيء, حيث كتبت القصص بين عامي2008 2010 م, ونشرت علي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قبل جمعها في كتاب خرج مؤخرا إلي النور. تعكس المجموعة تأثر الكاتب بالعوامل السياسية في الواقع الحقيقي, ويظهر التأثير في الدراما التي غلفت مشاعر أبطال قصصه, فقد ارتفع نبض حدة خروج المشاعر الناقدة تارة وانخفض تارة أخري, ويدلنا علي هذا تواريخ كتابتها المنقوشة بجوار كل قصة وارتباطها مع هامش مساحة الحرية وقت الكتابة. في طرحه لتلك العقبات التي تواجه أبطاله, عمد هواري الي ترك القارئ أمام نهايات مفتوحة دون حل جذري في لحظة الوصول إلي ذروة القصة, مستخدما في معظمها طريقا مفروشا بالورود لما يملكه من خفة دم مصرية, ليطلق معها عنان الخيال الجامح لقارئه في البحث عن حلول وإجابات لها, بوضعه في طريق مواجهة المصير بيديه لا بيد الكاتب. داخل سراديب القصص استخدم أحمد هواري أبطاله في البحث عن الأمل ومعني الحياة, وباختلاف طبيعة كل قصة اختلفت المضامين, فكانت نماذج البشر مختلفة وطريقة تفكيرهم أيضا, لكن تربطهم وتجمعهم المعاناة. كان حلم العيش بكرامة, سببا ليعرض أحد الأشخاص علي صديقه في قصة التأشيرة أثناء تناولهما سيجارة الحشيش الذهاب لطلب الهجرة إلي سيدني بالادعاء أن المجتمع يحاربهما لأنهما شاذان جنسيا, معلنا تعجبه ممن يختزل الرجولة في الجزء السفلي من الجسد, ويتناسي كيف يمتهن في لقمة عيشه, وكيف لا يقدر علي علاج والدته, وكيف تتمزق أخته بلا ونيس لعدم القدرة علي تجهيزها. وفي قصة أخري حملت اسم حين عطست فاتن كان الكل مظلوما والكل ظالم, حيث أوصلت حياة فاتن البائسة إلي السكن في مقلب القمامة المجاور للطريق الدائري, والدخول في مواجهة ضباط وأمناء مديرية الأمن الذين قدر لهم مهمة إزالة أكبر حظيرة خنازير في القاهرة, خشية فيروس إنفلونزا الخنازير الذي كان منتشرا حينها. وكانت فاتن متمسكة ب نوسة الخنزيرة الصغيرة التي وجدت ملاذا للرحمة في أحضانها, وفي المقابل كان أمين الشرطة الذي شاركها أصفادها الحديدية في سيارة التراحيل بعد مقاومتها الضارية للاحتفاظ ب نوسة, يوبخها بسبب اعتدائها علي محمد باشا تارة ويتملكه الخوف من أن يكون المرض والموت نصيبه بعد عطسة فاتن تارة أخري. ليسدل الستار علي دموع لم يعهدها أمين الشرطة طوال طريقه إلي النيابة من فتاة حاولت باستماتة الاحتفاظ برمق الحياة في وجهة نظرها نوسة, ولم تخش مواجهة السجن, ولا من كلماته العنيفة التي تثير الرعب في القلوب, ولا من حياة مقيتة تعيشها في مقلب قمامة, والسبب عطسة فاتن التي جعلت الأمين يدرك معني العيش ميتا, فينحني إلي جوارها ويربت بيده علي كتفها في حنان.. فتنهمر دموعها ربما لأول مرة في حياتها. لحظات البكاء من عيون تذرف دما تتوسطها ضحكة موضوعة في سياقها في محاولة دفينة لتغيير حقيقة الألم, كانت وراء رباعيات زيطة التي أهداها لروح الكاتب الكبير خيري شلبي, وتضمنت اشتغالات وسلطنة وشحططه وهيجان, والتي يمكن إيجازها في عجالة بتصنيف البشر في عيون عم عبده زيطة باكابورت خبرات علي حد تعبير الكاتب : الأول هو الشقي الذي يسب ويلعن بسبب الزحمة والطرق غير المرصوفة والحياة البائسة التي يعيشها, أما الثاني فهو لا يعلق علي العوامل السلبية المحيطة به, ويعد الأخير هو الأوفر حظا في الحياة في رأيه. وهكذا استمر الحال مع قصص أحمد هواري, وكأنه يقدم مسلسلا صادما لواقع مجتمع جيله, ففي قصة عباس عقاد وعاشر تجد الإسقاط علي شخصية هاني الشنواني عضو جمعية شباب جيل المستقبل الذي يسرق الشباب بطريقة الاستغفال, ومن المعلوم أن تلك الجمعية كان يترأسها في ذلك التوقيت جمال مبارك, وفي قصة بلد الأمن يضطر العاشق لترك محبوبته لرجل يستغل السيطرة الأمنية منتحلا صفة ضابط مباحث, وذلك خوفا من مواجهة لا تنتهي في صالحه وصالحها, ويزيد بدفعه رشوة له علي سبيل الاحتياط, بينما وجه انتقادا لاذعا للصحافة القومية والتلفزيونية وشركات الدعاية الإعلانية وأيضا الأطباء في قصة أبو العيال لمتاجرتهم بحلم المواطن الفقير ماديا شعبان في طفل يناديه بلفظ بابا. [email protected]