مع تطبيق نظام الإدارة المحلية منذ بداية الستينيات اختارت كل محافظة من محافظاتنا ال26( وحاليا29) حدثا تاريخيا مرتبطا بها ليكون عيدا قوميا سنويا. ولا بأس إذا حققت مثل تلك الأعياد أهدافها المنشودة, وعندئذ تصبح كتابا مفتوحا لذاكرة التاريخ المصري, يستعيد معها كل جيل مواقع أقدامه اليوم من الأمس لاستشراف غده أو مستقبله. ولعل متابعة احتفالات المحافظات ال29 بأعيادها علي مدي العام تشير بوضوح إلي محدودية الاحتفال الذي تجري مراسمه بمعزل عن مشاركة جدية حتي من المحافظات المجاورة, ومن هنا فإن المواطن في كل محافظة يكاد لا يدرك الرباط المقدس بين تلك الأعياد جميعها, ولا يتابع عن كثب مراسم الاحتفال في محافظته أو المحافظات المجاورة. ومن ثم تبدو أهمية العمل علي إبراز ترابط تلك الأعياد القومية علي مسار وقائع وحدة التاريخ المصري القديم والوسيط والحديث ابتداء من التصدي للحملات الصليبية في القرن الثالث عشر إلي مقاومة الحملة الفرنسية(1798 1803) الي مناهضة الاحتلال البريطاني, إلي وقائع ثورة1919 لإنجاز الاستقلال التام, الي ذكري قيام ثورة23 يوليو1952 ومواجهة كل صنوف العدوان ابتداء من العدوان الثلاثي1956 الي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتي نصر6 أكتوبر1973 واسترداد طابا بالتحكيم الدولي. من هذا المنطلق يمكن تصنيف الأعياد القومية لمختلف المحافظات وفقا للمشاركة المصرية الجماعية التي تحققت علي أرض الواقع دفاعا عن أرض الكنانة ويتضح هذا فيما يلي: أولا: وقائع التصدي المصري للحملات الصليبية في القرن الثالث عشر. ويبدو هذا واضحا في احتفال محافظتي الدقهلية ودمياط بيومي8 فبراير و8 مايو عام1250, حيث انهت معركة المنصورة الحملات الصليبية علي الأمتين العربية والاسلامية, واستطاعت المدينتان كسر الروح الصليبية التي سادت طوال القرن ال13, ومن تداعي معركة المنصورة ودمياط تقلص ظل المملكة الصليبية في الشام وبيت المقدس بعد ذلك, وهكذا تبدو بعض أعياد محافظاتنا وكأنها أعياد للأمة العربية كلها, ثانيا: وقائع التصدي المصري للحملة الفرنسية(1798 1803) وقد اختارت أربع محافظات أعيادها القومية احتفاء بذكري معارك الدفاع عن أرض مصر, ومنها محافظة الغربية التي اختارت7 أكتوبر1798 ذكري انتصار شعب الغربية, واختارت محافظة قنا3 مارس1799 ذكري معركة قرية نجع البارود, وكذا اختارت سوهاج10 أبريل تخليدا لذكري تصدي الشعب للحملة الفرنسية التي هاجمت عدة مدن وقري. وكان من الطبيعي أن تختار أسيوط يوم18 أبريل1799 ذكري معركة بني عدي التي ضربت مثلا رائعا في البطولة والفداء والدفاع مما جعل القوات الفرنسية تلجأ إلي إحراق القرية كلها. ثالثا: وقائع التصدي لقوات الاحتلال البريطاني واختارت مدينة رشيد19 سبتمبر( لعام1807) عيدا قوميا للمحافظة ذكري نجاح شعب رشيد في دحر حملة فريزر الانجليزية. ومع معاودة الاحتلال البريطاني التدخل السافر في شئون مصر اختارت محافظة الشرقية9 سبتمبر لعام1881 عيدا قوميا إحياء لذكري وقفة أحمد عرابي, كما اختارت محافظة المنوفية12 يونيو لعام1906 ذكري لمذبحة دنشواي, واختارت محافظة مرسي مطروح19 سبتمبر لعام1915 تذكيرا لانتفاضة موقعة وادي ماجد ضد القوات البريطانية. رابعا: وقائع ذكري ثورة1919 واختيار ثلاث محافظات أعيادها الوطنية احتفاء بأيام المقاومة, حيث اختارت محافظتا الفيوم وبني سويف15 مارس عام1919 ذكري مواصلة شعوب المحافظتين الكفاح ضد القوات الانجليزية, وكذا انتفاضة المنيا في دير مواس يوم18 مارس عام1919. وأخيرا اختارت محافظة6 اكتوبر( الجديدة)13 مارس لعام1919 عيدا قوميا لها احتفاء بمقاومة أهل البدرشين للاحتلال الانجليزي في معركة الشوبك الشهيرة. خامسا: وقائع مسيرة ثورة23 يوليو1952 وهي عديدة ومتواصلة ومترابطة وكان من أبرزها اختيار الاسكندرية رحيل آخر ملوك أسرة محمد علي يوم26 يوليو عيدا وطنيا, وفي اليوم نفسه من عام1956 اختار الرئيس عبدالناصر المدينة ليعلن منها تأميم الشركة العالمية لقناة السويس وهي المبادرة الوطنية التي ألبت العدوان الثلاثي علي مصر عام1956, وتأكيدا للمشاركة في التصدي لهذا العدوان اختارت كل من( كفر الشيخ وبورسعيد) عيدهما القومي في مناسبتين أولاهما ذكري معركة البرلس البحرية في4 نوفمبر1956 عيدا قوميا لكفرالشيخ وذكري عيدالنصر لبورسعيد في23 ديسمبر1956 ومع أحداث مقاومة الهجمة الصهيونية الثالثة عام1967 اختارت محافظة البحر الأحمر عيدها القومي من وقائع حرب الاستنزاف وفي مقدمتها معركة جزيرة شدوان في22 يناير1970, واختارت السويس24 اكتوبر ذكري الصمود أمام حصار العدو, واختارت محافظة جنوب سيناء19 مارس ذكري رفع العلم المصري علي طابا عام1989. وأخيرا.. فإن ملاحم مقاومة الشعب المصري علي مر العصور تشكل بكل جدارة فصول وحدة التاريخ المصري, ومن هنا تبدو أهمية إعادة كتابة مناهج التاريخ حتي يدرك شبابنا وحدة التاريخ المصري والمغزي الحقيقي لاحتفالات أعيادنا الوطنية.