هل اختار التاريخ هوبسباوم راويا وعالما له ام اختار هوبسباوم التاريخ حرفة ودراسة وطريقا لتغيير العالم ربما لان التاريخ ومنعطفاته هي التي شكلته فكرا ووجدانا وسبيل حياة فقد ولد لثورة وأرخ لثورات ومات في وسط الربيع العربي الذي لم يفشل في إشعال حماسه لإمكانية تغيير العالم, رغم انه كان قد تجاوز سن الحماس فقد مات عن95عاما دون أن يصيبه السأم.. صاحب كتاب التأريخ ل زمن النقيضين عاش هو نفسه عدة متناقضات وجمع بينها.. فهو اليهودي المصري المولد الذي ولد لأب تاجر بريطاني وام نمساوية يقيمان في الاسكندرية في عام الثورة البلشفية ليكون تاريخ مولده عام1917محفزا له علي ان تصبح الشيوعية وتاريخها محورا لعمله علي مدار عشرات السنين لم يتراجع فيها عن آرائه الداعمة لمبادئ الماركسية حتي بعدما خبت شعلتها في العالم كله فظل مخلصا لها- واحيانا مبررا لجرائمها ومتسامحا مع أخطائها- منذ انضم للحزب الشيوعي في بريطانيا وهو بعد فتي في الرابعة عشر من عمره.. وفي بريطانيا كان المستقر بعد انتقاله من الاسكندرية الي النمسا بصحبة والديه بنهاية الحرب العالمية الأولي ثم ارتحال إلي برلين مع وفاة والديه وهو في الثالثة عشر ليعيش مع عمه, وليفر منها مع من تبقوا من اسرته بعد صعود هتلر الي الحكم في عام3391. ولا يكف هذا المؤرخ اليهودي المناهض لإسرائيل والمعادي للصهيونية عن إثارة الدهشة بمتناقضاته فهو معجب بشكل ما بهتلر رغم أنه كان طريد النازي, فهو من قال عن الفترة القصيرة التي عاشها في برلين مع صعود النازي في المانيا لم يكن هناك خيار فالليبرالية كانت تنهزم ولو كنت المانيا وليس يهوديا لكنت قد اصبحت نازيا اي الماني قومي. كان ذلك وقت لم تكن فيه لتصدق ان هناك اي أمل في مستقبل من دون تغيير العالم جذريا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية التحق هوبسباوم بالجيش ورغم معرفته باللغات الالمانية والإسبانية و الفرنسية فانه لسبب ما لم يتمكن من الالتحاق بالمخابرات الحربية كما أراد وبعد الحرب حصل اليهودي الشيوعي اللندني علي الدكتوراه من جامعة كامبريدج بدراسة عن تاريخ الجماعة الفابيانية الشيوعية وعمل هوبسباوم بعدها بإحدي جامعات بريطانيا الشهيرة أستاذا للتاريخ, ونشر اول كتبه بعنوان ثوار بدائيون في عام1959واتبعه بكتاب عصر الثورة في 1962 ثم العامل في1964والصناعة والامبراطورية في1968واللصوص في1969. وقد ظل عضوا بالحزب الشيوعي علي عكس معظم اصدقائه في بريطانيا لكنه احتج ضد الغزو السوفييتي للمجر وتشيكوسلوفاكيا في1956و1968. ورغم هذا لم يتبرأ من خطايا الماركسية او يعتذر عن تسامحه الامر الذي وصل إلي حد إجابته ب نعم عندما سأله مراسل الملحق الادبي لصحيفة التايمز عام1994: هل يعني ما تقول انه لوجاء الغد المشرق فعلا( بيد ستالين والشيوعية) فإن هذا كان ليبرر موت15الي20 مليون شخص؟ نعم.. كانت اجابة المؤرخ الذي عاصر صعود الماركسية وانهيارها وظل مخلصا لها رغم فشل مشروعها فهو لا يريد أن يعرف العالم بمن أبقي الراية مرفوعة فحسب, بل بمن آمن أن التلويح بهذه الراية له قيمة كبري حتي لو كانت قيمته تنحصر ببعض الكتب الجيدة التي يقرأها فيفيد منها الناس المؤرخ الذي ينتمي الي الندرة من المؤرخين الذين كتبوا التاريخ ليس من زاوية الملوك والقادة بل من مطل علي عامة الناس قال إنه عاش أفظع قرن في تاريخ البشرية, لكنه فرح بالربيع العربي وانفعل معه و قال عنه في حوار للإذاعة البريطانية في ديسمبر2011هذه الثورات تذكرني بثورات اوروبا عام1948من حيث أنها بدأت في دولة واحدة بشكل تلقائي لتنتشر لدول أخري, ورغم أنها بدت بعد عامين وكأنها فشلت فإنها أنجزت مكاسب ليبرالية مهمه وقد اهتم بتحليل الثورة المزدوجة في تاريخ أوروبا المعاصر, وكان يقصد بها الثورة الفرنسية والثورة الصناعية البريطانية اللتين كان مسارهما مصدر التحليل المهم الذي أتي به كارل ماركس في منتصف القرن التاسع عشر لتلك المرحلة المهمة من تتبع تطور النظام الإقتصادي الرأسمالي هوبسباوم ألف أكثر من30كتابا ترجم بعضها لكثير من اللغات وكتابه الشهير زمن المتناقضات ترجم إلي أكثر من أربعين لغة وتناول تاريخ أوروبا والعالم منذ اندلاع الحرب العالمية الأولي ثم الثورة البلشفية في روسيا وحتي انهيار الإتحاد السوفييتي وتجربته في التحول الإشتراكي. ومن بين كتبه أيضا الثوار(3791) وعصر راس المال(1975) و تاريخ الماركسية(1978) والعمال(1984) وعصر الامبراطورية(1987) واشهر كتبه الامم والقومية(1990) وفي التاريخ(1997) وأناس غير عاديين(1998) والقرن الجديد1999و أزمنة مثيرة(2002) والعولمة والديمقراطية والارهاب8002 وكان اخر ما نشر في حياته كتاب كيف نغير العالم في2011وآخر ما كتب كان الربيع المكسور الذي قالت أسرته انه ترك لها مخطوطه وأنه سينشر في ربيع3102.