كتب : محمود القنواتي: تتعرض بحيرات مصر الشمالية لجرائم لا تنقطع سواء من تعديات أو تجفيف أو ردم أو إنشاء جزر داخلية بعيدا عن عيون الأمن لممارسة أعمال الاجرام والبلطجة. فالبحيرات ثروة قومية يجري دفنها في جنح الظلام ورغم أن الآمال كانت عريضة في زيادة الثروة السمكية منها, فإن الجرائم الكبيرة التي ترتكب ضدها أدت لانخفاض انتاجها من الأسماك ويقدر بنحو11% من الانتاج القومي رغم مساحتها الشاسعة. وقد اختفت من هذه البحيرات عشرات الآلاف من الأفدنة, وتنامي فيها الهيش نتيجة تزايد الملوثات بها.. ونحن لا نتجني علي أحد, حيث كشفت عيون الأقمار الصناعية عن هذه الجرائم في حق البحيرات, وبعد معالجة علماء هيئة الاسشعار للبيانات الفضائية وإعداد خرائط مصورة بأحدث التكنولوجيات كشفت عن كم تعديات رهيب يكشف عن قرب وقوع كارثة, وبعد التنبيه علي الجهات المسئولة بهذه الأعمال المدمرة للبحيرات, بدأ مشروع نتمني أن يتم التوسع فيه بين هيئة الثروة السمكية والاستشعار عن بعد لاستخدام تقنيات الاستشعار ونظم المعلومات في تنمية الثروة السمكية. وسيكون المشروع الأول تحديد الحدود الجغرافية للبحيرات المصرية والمسطحات المائية, كما يشير الدكتور أيمن الدسوقي رئيس هيئةالاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء, ويوضح أن مصر لديها مساحة ساحلية ومسطحات مائية كبيرة والبحيرات تشكل جزءا كبيرا منها وتشمل المنزلة والبرلس وإدكو والبردويل ومريوط وملاحة بورفؤاد إلي جانب البحيرات الداخلية, وكشفت بيانات هيئة الثروة السمكية عن أن إنتاج مصر من الثروة السمكية نحو مليون و8 آلاف طن في عام2007, منها11% فقط من البحيرات الساحلية, وهذا أقل من المستهدف. ويحدد بعض المشكلات التي تهدد الثروة السمكية وأهمها ردم وتجفيف أجزاء كبيرة من البحيرات الساحلية وانكماش مسطحاتها وعدم كفاءة سياسات وإجراءات الصيد والعديد من العوامل البيئية الأخري نتيجة التلوث بمياه الصرف الزراعي والصحي والتدخلات الانسانية غير الرشيدة. وفي الحقيقة قمت بزيارة لهيئة الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء ووجدت تعاونا من الخبراء لكشف الوجه الخفي لتدمير البحيرات الشمالية ودفنها تحت الردم, واستغلالها أسوأ استغلال سواء ببناء المناطق العشوائية عليها أو بتبويرها بل هناك بعض الجهات الحكومية لها منشآت وغيرها علي أراض مستقطعة من البحيرات!! وظلت زياراتي3 أيام نقلب ونبحث في البيانات والصور القديمة والحديثة لكشف حجم التعديات والتغيرات والتقلص الذي حدث لأكبر هذه البحيرات, وبالعودة لخريطة مصورة من القمر الصناعي الأمريكي لاند سات 1 في عام1973 بحث عنها المهندس بلال الليثي خبير الاستشعار ومدير محطة الاستقبال الفضائية بهيئة الاستشعار ضمن دراسة قام بها علي بحيرة المنزلة أكبر البحيرات الساحلية المصرية لمدة30 سنة مدعمة بكميات كبيرة من البيانات الفضائية التي تم معالجتها في هيئة الاستشعار, وكشفت المرئية الفضائية التي يبلغ عمرها36 عاما وهي لا تعرف الكذب, عن المساحة الحقيقية للبحيرة بالكامل فكانت140 ألف هكتار, منها مسطح مائي107 آلاف هكتار و24 ألف مسطحا مائيا و300 هكتار غطاء نباتيا و12 ألف جزيرة داخلية. وعرض المهندس بلال الصور الفضائية عاما بعد الآخر وكل سنة كان يحدث تقلص للمسطح المائي, وتم اختيار مرئية بعد عشر سنوات أي في عام1983, فبين التناقص بوضوح وأصبح مجمل مساحة البحيرة102 ألف هكتار بانخفاض38 ألف هكتار, منها مسطح مائي70 ألفا وغطاء نباتي16 ألفا بزيادة كبيرة جدا و16 ألفا جزرا, وتكشف هذه الأرقام عن التراجع الخطير للمسطح المائي. وللعلم وراء كل رقم مجهود خارق من هؤلاء الخبراء, ونتيجة كم المعلومات الرهيب الذي عرضه المهندس بلال كان لابد من راحة, عاودنا التفتيش عن المزيد من الخرائط وبيانات الأقمار الصناعية المعالجة, وإذ بمرئية أحدث مأخوذة من الأقمار الصناعية عام1990 أي بعد8 سنوات, وبالحسابات المتقدمة لعلماء الاستشعار انخفضت مساحة البحيرة بالكامل إلي76 ألف هكتار, وحققت مساحة المياه انخفاضا شديدا وبلغت52 ألف هكتار وزاد الغطاء النباتي إلي19 ألف هكتار, والجزر6 آلاف وفي عام2003 انخفض مجمل المسطح إلي68 ألف هكتار. ويشير المهندس بلال إلي أنه منذ عام1973 حتي عام2003 اندثر نحو62% من بحيرة المنزلة وحدها وفي نفس الوقت يحدث مثل هذه الأعمال في البحيرات الأخري, وفي هذا اليوم انهينا الصراع مع المرئيات والبيانات الفضائية بعد المغرب. وانطلقت بعد الاتفاق مع الدكتور سامح الكفراوي بقسم علوم البحار علي اللقاء في الهيئة ثاني يوم, حيث كان في بحيرة المنزلة ليجري الأبحاث الحقلية, وفي اليوم الثاني قام الدكتور سامح المتخصص في المياه والاستشعار عن بعد بفتح ملف البحيرات وأحدث خريطة مصورة مأخوذة من بيانات القمر الصناعي المصري لاند سات, إلي جانب الصور الفوتوغرافية التي عبرت عن مأساة البحيرات الشمالية التي يتم دفنها بطرق عجيبة وغريبة, فبعد اكتشاف رجال الظلام الذين يدمرون البحيرات أن هناك اعتراضا لهم من الحكومة علي ردم البحيرات اتخذوا حيلا جديدة حيث ابتعدوا عن المحيط الخارجي للبحيرات, وتم الردم من الداخل وإنشاء جزر داخلية بعيدا عن أعين الجميع وللعلم يحميهم بلطجية مسلحون ولنشات أقوي مما تمتلك الدولة, فيصعب الصراع معهم حيث يتم إيواء المنحرفين والمجرمين والقيام بأعمال خارجة علي القانون. وكشفت أحدث مرئية في عام2010 عن مزيد من التعديات وتراجع خطير في مساحة بحيرة المنزلة والبحيرات الأخري خاصة البرلس ومريوط, فالردم مستمر والأعمال مازالت مستمرة لدفن البحيرات في غيبة من الجميع, والمشكلة هنا تعدد المسئولية والرقابة علي البحيرات, فهي تحتاج جهة واحدة قوية تدعمها قوات أمنية كافية لإحكام قبضة الدولة علي البحيرات التي تعد ثروة قومية ضخمة لكنها تتدهور. والحلول المقترحة كما يقول الدكتور أيمن الدسوقي في تحديد المسطحات المائية والبحيرات باستخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بعد, ومعالجة المرئيات الفضائية وتحويلها لأرقام وبيانات حقيقية أمام الحكومة, ولذلك أبدت هيئة الثروة السمكية التعاون للبدء في هذا المشروع القومي للحفاظ علي الثروة السمكية, لأن الدراسات تشير إلي التغير السلبي المستمر في مساحات هذه المسطحات, وتعاني الجهات المعنية والمسئولة عن إدارة الثروة السمكية وتنمية البحيرات صعوبات في رصد هذه التعديات في ظل عدم وجود حد جغرافي ثابت للرجوع إليه, واقترحت هيئة الاستشعار بما يفرضه واجبها العلمي ودورها القومي استخدام التكنولوجيا المتقدمة للمعلومات وصور الأقمار الصناعية خاصة الصور الحديثة التي تلتقطها عيون القمر الصناعي المصري سات 1, وتم توقيع مذكرة التفاهم خلال الأيام الأخيرة بين الهيئتين التي تهدف لتنفيذ3 مشروعات قومية لتنمية الثروة السمكية وبناء قاعدة رقمية وديناميكية عن الثروة السمكية في مصر.