بأصوات أنثوية حماسية تهز أركان المدرجات تجدهن مرتديات زى فريقهن المفضل ويهتفن بكل ما أوتين من قوة, ف «الساحرة المستديرة» قد أسرت قلوبهن تماما مثلما سلبت عقول الرجال حتى بات وجودهن فى المدرجات للتشجيع شيئا أساسيا, ولا تتعجب من اهتمامهن بتفاصيل اللعبة وعلى دراية كافية بقواعدها، فهن لسن مشجعات «عاديات» بل «محترفات», تنتقى كل منهن بعناية الفرق التى تدعمها سواء على المستوى المحلى أو الدولي, يعرفن جيدا أسماء اللاعبين ومراكزهم ووظيفة كل منهم فى المباراة, بإمكان كل مشجعة أن تشرح لك بالتفصيل مباريات فريقها وتاريخه, وتعدد لك هزائمه وإنتصاراته, لأن هزيمته يعنى إنكسارها وفوزه بمثابة سعادة غامرة لها. هو بالتأكيد عشق «أنثوي» للعبة «خشنة» ظلت حتى وقت طويل «حكرا» على الرجال, إلا أنه فى الأونة الأخيرة تغيرت نظرة المرأة لكرة القدم, وبعد أن كانت تشعر بالملل من مشاهدتها بل وتتشاجر مع زوجها لمتابعته المستمرة للمباريات, بات تواجد النساء فى المدرجات مشهد يتكرر كثيرا وبالأخص فى مباريات المنتخب الوطني, وتزايد «هوس البنات» بالتشجيع إلى حد كبير, فمنهن من تسافر خلف «الزمالك» فى كل مكان, وأخرى أخذت رضيعتها التى لم يتجاوز عمرها 20 يوما لمشاهدة مباراة مهمة ل «الأهلي». ترى ما الذى بات يجذب الفتيات بهذا الشكل لكرة القدم؟ وهل يتعرضن للمضايقات فى المدرجات أم أن التمييز ضدهن «موضة قديمة» لم يعد لها وجود على أرض الواقع؟ فى البداية تقول ندى الحسينى مدرسة (33 عاما): «منذ صغرى وأنا محبة للرياضة بشكل عام, ولكن كرة القدم هى اللعبة الشعبية الأولى فى العالم ولها إهتمام خاص فى مصر دون الرياضات الأخري, لذلك جذبتنى لمتابعتها, ومع الوقت بدأ شغفى يزداد لمعرفة قوانين اللعبة ومتابعة كل البرامج التحليلية لفهم مراكز لاعبى الكرة ووظيفة كل شخص فى المباراة», وتكمل ندي:» كنت أنتظر المباريات الخاصة بنادى الزمالك التى تقام فى إستاد المحلة أو المنصورة أو طنطا نظرا لأنى أسكن فى كفر الشيخ وكان ذهابى إلى القاهرة للتشجيع أمرا صعبا لصغر سني, ولكنى الأن أذهب وراء «الكيان» فى أى مكان سواء داخل مصر أو خارجها». أما بخصوص إقناع عائلتها بالسفر تقول ندي:» فى البداية لم يكن الأمر سهلا, فوالدتى كانت تخاف من تعرضى للمضايقات, ولكن أمام إصرارى الشديد وتصميمى على السفر أصبح من «البديهي» وجودى فى الإستاد للتشجيع, فهى متعة لا تضاهيها متعة, كما أن الهتاف الحماسى يخرج كثيرا من الطاقة السلبية, والمشاعر هناك تلقائية وحقيقية». وتوجه المشجعة الزملكاوية رسالة خاصة للذين يعتقدون أن كرة القدم رياضة «للرجال فقط», حيث تقول أنه من الطبيعى أن ينزعج البعض من إقتحام المرأة لعالم ظل الرجل لفترات طويلة يعتبره «ملكيتة الخاصة» ولا يجب على النساء منافستهم فيها, ولكنها ترى أن هذه التصنيفات لم يعد لها مجال فى عصرنا الحالي, فأشهر طباخى العالم «رجال» كما استطاعت المرأة فى الأعوام القليلة الماضية اقتحام مجالات عديدة وأثبتن تفوقا فيها, فالمرأة أصبحت وزيرة وكابتن طيار ولاعبة كرة ومحللة برامج رياضية, ولا نغفل اهتمام العالم ببطولة كأس العالم لكرة القدم للنساء التى تقام حاليا فى فرنسا.ندى لم تتعرض للمضايقات فى المدرجات بقدر المشاحنات التى تتعرض لها على صفحات التواصل الإجتماعى حينما تبدى رأيها فى نقاش «كروي» ليكون الرد عليها من قبل بعض الرجال بالجملة «الذكورية» الأشهر على فيسبوك «لما تخرجى من المطبخ إبقى إتكلمى فى الكورة»!. ولا يختلف الأمر كثيرا مع سلمى عز الدين (25 عاما) إعلامية ومذيعة رياضية, حيث تقول: «عائلتى كروية جدا, فوالدى غرس فى نفسى الحب والإنتماء لنادى الزمالك وأحاول أن أفعل ذلك مع إبنتى, فأنا حريصة على إصطحابهما معها إلى المدرجات, حيث تقول: «كارلا إبنتى كانت لم تكمل شهرها الأول بعد حينما إصطحبتها معى إلى الإستاد», وتكمل: «زوجى يشجعنى على الذهاب للمدرج وحضور المباريات, فحب الزمالك قاسم مشترك بيننا». ولم تنكر سلمى أن هناك بعض الفتيات «المحبات للظهور» اللاتى يذهبن إلى المدرجات فقط لإلتقاط الكاميرا والبحث عن شهرة زائفة على «السوشيال ميديا», ولكنها ترى أن نسبتهن قليلة جدا, فظاهرة «كاميرا الحسناوات» لم يعد لها وجود قوى الأن, وأن المشجعات الحقيقيات هن الأبقي. أما هنا جمال (26 عاما) مذيعة بأحد البرامج الرياضية على الراديو ومن أكبر مشجعى النادى الأهلى فى المدرجات فقد نقلت لنا تجربتها مع التشجيع فى إيطاليا حيث ولدت ونشأت هناك مع أسرتها قبل عودتها إلى مصر, وتقول: «التجارب الأوروبية فى التشجيع أكثر ظهورا نظرا لانفتاحها الكبير, كما أن مساحة الحرية الممنوحة للفتيات فى المدرجات الأوروبية أكبر كثيرا من المدرجات المصرية, ورغم أن الكرة واحدة فى كل مكان فى العالم, ولكن المشجعين مختلفون, ففى إيطاليا على سبيل المثال يحكم النظام كل شيء فى المدرج, فكل مشجع يحظى بمقعده الخاص ولا يمكن لأى مشجع أخر الجلوس مكانه حتى لو لم يحضر, كما أن المرأة تحظى بقدر كبير من الاحترام والحماية, ورغم التعصب الشديد إلا أن الفتيات لا يتعرضن للمضايقات أو التحرش اطلاقا, فالعقوبة هناك «رادعة» ولا مجال للتهاون». وتكمل الشابة العشرينية: «هناك بعض المضايقات تتعرض لها الفتيات فى المدرجات المصرية من قلة قليلة من الشباب, خاصة فى حالة هزيمة فريقهم, ولكن كلها حالات فردية وليست حالة عامة». وتنصح ندى الفتيات بإرتداء ملابس مناسبة للاستاد وألا يبالغن فى مظهرهن, ففى النهاية نحن فى مجتمع شرقى له عاداته وتقاليده التى يجب أن تحترم». هؤلاء البنات وان اختلفت انتمائاتهن الكروية الا أن لسان حالهن يصدح بفكرة واحدة: « لا فرق بين رجل وامرأة, فالتشجيع متعة كروية».