نشا كيان الاتحاد من أجل المتوسط عام 2008 ليضم 43 دولة من شمال وجنوب المتوسط لتعزيز الشراكة الأورومتوسطية والتى عرفت بعملية برشلونة. ويحرص الاتحاد على العمل على تحقيق التكامل بين دول الجنوب من ناحية وبين دول الشمال والجنوب من ناحية أخرى. وتحتل مصر مكانة خاصة داخل الاتحاد باعتبارها إحدى دولتين مع فرنسا قامتا بالدعوة لإنشاء كيان إقليمى لتطوير عملية التعاون الأورومتوسطى. ويقول السفير ناصر كامل الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط إنه نظرا للمكانة التى تحتلها مصر، فقد تم اختيارها لعقد أول منتدى للأعمال للدول الأعضاء بها قبل أيام . وأضاف فى حوار ل «الأهرام»، أن مصر تعد من أهم وأكبر الاقتصاديات فى منطقة جنوب المتوسط بشهادة الهيئات والمؤسسات الدولية، حيث استطاعت تحقيق ما يشبه المعجزة فى مسار الإصلاح الاقتصادى. وفيما يلى نص الحوار: ما أهمية عقد أول منتدى للأعمال لدول حوض البحر المتوسط بالقاهرة؟ يعد هذا المنتدى تفعيلا لملف التجارة والذى يشهد طفرة نوعية فى إطار الاتحاد من أجل المتوسط، فالاتحاد المتعدد المجالات والاهتمامات والتجارة أحد أهم هذه المجالات والتى شهدت على مدى العامين الماضيين دفعة قوية بناء على تكليف من وزراء التجارة لدول الاتحاد فى اجتماعهم الذى عقد فى العام الماضى عندما أقروا برنامج عمل لعقد منتدى للأعمال للتجارة والاستثمار معا. ومن هذا المنطلق جاء قرار عقد أول منتدى للأعمال لدول الاتحاد فى مصر باعتبارها أحد أهم وأكبر الاقتصاديات فى منطقة جنوب المتوسط، حيث تشهد ما يمكن أن يوصف بمعجزة فى قدراتها فى إصلاح المسار الاقتصادى وتطبيق حزمة متكاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد وبشهادة كل مؤسسات التمويل الدولية ومؤسسات التصنيف استطاع الاقتصاد المصرى أن يفيق من عثرته التى مر بها ويحقق معدلات نمو غير مسبوقة فى المنطقة حيث تعد من أعلى معدلات النمو الاقتصادى فى جنوب المتوسط. لذا لم يكن هناك مكان أكثر جاذبية ليحتضن أول فاعلية نتناول فيها قضية التجارة والنفاذ للأسواق ويتفرع منها قضية التجارة الإلكترونية التى أصبحت مفتاحا لتحقيق معدلات أكبر للنمو الاقتصادى على مستوى العالم. وكيف جاء إقبال الدول الأعضاء فى الاتحاد من أجل المتوسط على المشاركة فى المنتدى فى نسخته الأولى؟ عدد كبير من دول منطقتى الجنوب والشمال إستجابت لحضور المنتدى فقد حضر المنتدى ما لا يقل عن 20 دولة من بين 43 دولة هم عدد الأعضاء فى الاتحاد، وبلغ عدد المسجلين فى المنتدى نحو مائتى شخص وهيئة ، ممثلين على مستوى حكومى أو القطاع الخاص أو الخبراء لأن المنتدى ليس مفهومه تجاريا بمعنى التوفيق بين الشركات مثلا، ولكن للتوصل لرؤى وصياغات مشتركة لتطوير عملية التكامل الإقليمى فى التجارة بين دول المنطقة. وهناك مؤسسات تمويل دولية أيضا شاركت فى المنتدى وعدد كبير من أصحاب الأعمال ومفوضين تجاريون ومنظمات إقليمية ودولية إلى جانب وفد كبير ممثل للاتحاد الأوروبى. ومصر كانت حاضرة بقوة فى المنتدى والذى أقيم تحت رعاية وزارة التجارة والصناعة المصرية ووزارة التعاون الدولى الألمانية من خلال ذراعها التنفيذية وهى وكالة التعاون الالمانية، واتحاد الغرف التجارية المتوسطية ومكاتب التمثيل التجارية المصرية فى الخارج. كيف يمكن أن نصف دور مصر فى الاتحاد من أجل المتوسط؟ دور مصر فى الاتحاد دور استثنائى ومميز لأن مصر وفرنسا عملا سويا منذ البداية لتطوير عملية التعاون الأورومتوسطى متمثلا فى عملية برشلونة من خلال إضفاء طابع مؤسس على هذه العملية بإنشاء منظمة إقليمية وهى الاتحاد من أجل المتوسط تتميز فى حوكمتها بتحقيق التوازن بين الشمال والجنوب بحوكمة مشتركة بين دول المنطقتين بالمقارنة بالتعاون الأورومتوسطى، ويتم تمثيل الدول ال43 الأعضاء على مستوى كبار المسئولين والوزراء مثل وزراء الخارجية والتجارة والبيئة والطاقة ومجالات أخرى عديدة. لذا فالاتحاد من أجل المتوسط هو نتاج لعملية برشلونة ولكن إعادة صياغة لها لضمان ألا تكون مجرد علاقة بين شمال وجنوب ولكن لتكون علاقة متوازنة ومتكافئة بين طرفى التعاون وهما دول جنوب المتوسط من ناحية والدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى من ناحية أخرى. هل يمكن إن نقول أن الاتحاد من أجل المتوسط بديل لما صعب تحقيقه من خلال عملية برشلونة بشأن التعاون بين شمال وجنوب المتوسط؟ لابد أن نكون واضحين بهذا الشأن، فالاتحاد من أجل المتوسط ليس بديلا أبدا عن عملية برشلونة ولا منافسا لها. فالاتحاد من أجل المتوسط له أكثر من وجه يعمل من خلاله وهناك سياسة الجوار التى تربط بين الاتحاد الأوروبى وبين الدول التى تربطه بها علاقات شراكة. ونحن نعمل على تحقيق التوازن بين آلية الاتحاد من أجل المتوسط وبين سياسات الجوار. كيف يعمل الاتحاد من أجل المتوسط على تنسيق جهود الدول الأعضاء لمواجهة الهجرة غير المشروعة؟ مشكلة الهجرة لها وجهان، أولا، ضبط تدفقات الهجرة وإدارتها و ثانيا، التعامل مع الأسباب أو جذور المشكلة التى دفعت للهجرة. ولكن الاتحاد من أجل المتوسط لا يتعامل مع قضية الهجرة ، لأن الواقع العملى يثبت أنه لا يوجد توافق أوروبى أوروبى بشأن هذه القضية من ناحية ولا يوجد توافق بين شمال وجنوب المتوسط أيضا حول أفضل السياسات للتعامل مع هذه القضية، فيما عدا مصر التى لديها قدرة على ضبط هذه الظاهرة وإدارتها. والمنتدى الأول للأعمال الذى عقد فى القاهرة هو مثال لمحاولة التعامل مع أسباب الهجرة، وذلك من خلال أوجه عديدة منها مثلا تناول قضية تغير المناخ فمن المناطق الأكثر عرضة لتصدير المهاجرين غير الشرعيين هى دول يؤدى تغير المناخ فيها إلى زيادة عدد المهاجرين منها. كذلك زيادة معدل التجارة البينية بين الدول ومن ثم خلق مزيد من فرص العمل هو طريقة أخرى للتعامل مع أسباب مشكلة الهجرة، كذلك المبادرات مثل مبادرة المتوسط للتوظيف والتى تهدف لخلق فرص عمل للشباب فى المنطقة تعد وسيلة أخرى لمواجهة الأسباب. لذا فالاتحاد من أجل المتوسط لا يتعامل مباشرة مع مشكلة الهجرة غير المشروعة ولكن من خلال أعماله المتعددة يهدف لتحسين الأوضاع والتعامل مع أسباب وإدارة تدفقات الهجرة. ما هى الأولويات التى يجب أن تضعها دول جنوب المتوسط نصب عينيها؟ ينظر الاتحاد من أجل المتوسط للأمر من منظور إقليمى وليس من منظور وطنى، فلكل دولة فى المنطقة سياساتها ونجاحاتها وإخفاقاتها أيضا. لذا فنحن نقوم بتشجيع فكرة التكامل الإقليمى لأن منطقة جنوب المتوسط من أقل المناطق على مستوى العالم تحقيقا للتكامل الاقتصادى فنسبة التجارة البينية بين دول جنوب المتوسط منخفضة جدا لدرجة لا تذكر، لذا يعتبر التحدى الأكبر بالنسبة لنا باعتبارنا منظمة إقليمية هو خلق بيئة تشريعية ودفع متخذى القرار وتهيئة مجتمع الأعمال فى هذه الدول ليكون أكثر قدرة على التعاطى مع شركائه وخلق مجتمع أعمال متصل ببعضه. ومن هنا تأتى ضرورة تفعيل التجارة الإلكترونية لأن درجة نفاذ هذه التقنية عال وتعتبر مصر نموذجا ناجحا يمكن للدول الاقتداء به فى مجال الخدمات والتطبيقات الإلكترونية الناجحة الخاصة بالأعمال وتوجه الدولة نحو تطبيق خدمات الحكومة الإلكترونية. التحديات التى تواجهها منطقة جنوب المتوسط هل دفعت الجانب الأوروبى للنظر لأسواق بديلة فى شرق أوروبا أو آسيا ؟ لم يحدث ذلك على الإطلاق، فمنطقة جنوب المتوسط منطقة جوار مباشر لمنطقة شمال المتوسط من الناحية الجغرافية، فرغم أن أوروبا تعد كتلة اقتصادية كبرى إلا أنها تعيش فى عالم يتميز بالتكتلات وببزوغ قوى وتكتلات كبرى مثل الصين أو الهند أو الآسيان وغيرها ، لذا فمن مصلحة أوروبا تحقيق تكتلات مع دول جنوب المتوسط وأن تحقق تلك الدول معدلات نمو كبيرة لتحقق الاستفادة على ثلاثة مستويات. أولا وجود أسواق يستطيع الجانب الأوروبى تحقيق الوجود فيها، ثانيا، توفير مراكز الإنتاج لأن اوروبا تعانى انخفاض معدلات السكان لذا يعد نقل جزء من قواعدها الإنتاجية لمنطقة الجنوب التى تتميز بالزيادة السكانية أمرا ضروريا، وثالثا، خلق كيان متكامل ضخم قادر على المنافسة فى عالم لا يعترف إلا بوجود كيانات كبرى. لذلك فعلاقة أوروبا بجنوب المتوسط ليست علاقة جانب مانح بجانب متلق، بل هى علاقة شراكة متكاملة من منظور تبادل المصالح ولابد للمنطقة من تحقيق مستويات نمو كبيرة حتى يستفيد الطرفان. هل يمكن أن يؤثر انشغال أوروبا بمشكلاتها الداخلية من صعود اليمين المتطرف والدعوات لتفكيك الاتحاد الاوروبى على اهتماماتها بعلاقاتها الخارجية؟ تعطى اوروبا أولوية كبيرة لعلاقاتها بالجنوب، وحتى صعود اليمين مرتبط أساسا بمشكلة توافد المهاجرين لأوروبا، ولكن حتى تلك الدول التى صعد فيها اليمين المتطرف يظل من مصلحتها أن ترى تحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة فى دول الجنوب حتى تتحسن الظروف الاقتصادية ومن ثم يقل توافد المهاجرين. وحتى أكثر الدول استخداما للخطاب السياسى المعادى للمهاجرين لديها علاقات قوية جدا مع دول جنوب المتوسط. حتى بريطانيا التى ستواجه مشكلات من جراء خروجها من عضوية الاتحاد الأوروبى، هناك رغبة كبيرة من جانبها لتحقيق معدلات أكبر للتعاون بينها وبين دول جنوب المتوسط، ونرى ذلك من خلال الزيارات المتكررة لوزراء التجارة والصناعة الأوروبيين للمنطقة لتحقيق حجم تجارة أكبر.