الحياة رحلة شاقة شيقة نعيش تفاصيلها معا. قد نختلف ولكننا نجد فى النهاية أننا نشترك فى كثير من الأشياء وربما أكثر مما نظن فنحن جميعاً نضحك، نتألم، نقترف أخطاءً ونحلُم.. بين كل هذه التفاصيل هناك قصص وتجارب لبعض الشخصيات تُحرك الشهية دائماً للمعرفة كفريق كايروكى الذى استطاع بكل مهارة الكاتب والمُترجم المصرى ولاء كمال أن يُشبع شهية القارئ بكتاب «أيامى مع كايروكي»؛ ذلك الكتاب الذى بدأ بفضول قارئ مُحب وانتهى بإدراكه أنها ليست أيام الكاتب مع الفرقة فحسب بل أيامنا نحن وحكاية جيل يبحث عن صوته المتفرد وسط هذا العالم بين النغمات والكلمات. عزيزى القارئ أنت على موعد خلال الأسطر القليلة المقبلة للغوص داخل تجربة خاصة تمنحك الكثير من الإمتاع والمعرفة، فرغم ضخامة كتاب «أيامى مع كايروكي.. وحكاية جيل أراد أن يغير العالم» فإنه مُنظم و مُنمق بشكل جيد؛ الكلمة الأولى كانت للغُلاف المُصمم بشكل راق جذاب يمنحك الحالة المُناسبة لمُعايشة حكاية أيام الكتاب الذى استطاع الكاتب بأسلوبه السلس والصادق أن يخطفك مُنذ الوهلة الأولى دون الشعور بين صفحات الفصول بالملل أو التشتت ولو لحظة حتى النهاية. بدأ الكاتب بمدخل ومقدمة تحترم عقلية القارئ وتؤهله للحكاية المقبلة عن جيل مر بالكثير من الأحداث والتطور التكنولوجى فى العشرين عاماً الأخيرة، و رغبته فى أن يكتب كتاباً عن هذا الجيل ومعاناته بشكل موثق بعيداً عن ثقافة الاختزال العصرية المتبعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتكون فرقة كايروكى هى محور هذا الكتاب باعتبارها تجربة تعبر فى مضمونها عن روح وأفكار شباب هذا الجيل. الكتاب مقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية تحاكى أيام رحلة الكاتب مع الفرقة التى استغرقت ما يقرب من عامين، سجل فيها جميع مشاهداته فيما يخص إصدار آخر ألبوماتهم «نقطة بيضا» والحفلات التى أقاموها داخل وخارج مصر، كما خاض معهم حوارات عديدة ومتعمقة حول حياتهم الشخصية منذ أن بدأ أصدقاء الطفولة فى لعب الموسيقى وصولاً لأخر إبداعاتهم الفنية ونقطة الارتباط الحقيقية التى جمعت بين أبناء الجيل الجديد و «كايروكي» والتى ساعدتهم على الانطلاق، وعن مشروعهم الموسيقى والفنى المستقبلي، قدم الكاتب تحليلاً وافياً للعملية الإبداعية لشباب مصرى فى المجال الفنى المستقل قرب القارئ أكثر للأسرار التى لا يعرفها عن الفنان وفك لغز صناعة العمل الموسيقى ويكتشف القارئ عبر أحداث الكتاب إنها لا تحدث اعتباطاً بأى شكل من الأشكال. كما سجل الكتاب الانفعالات التى مرت بالفرقة وتحدث عن الأزمات المختلفة التى واجهتها من رفض رقابة وتعثر رأس المال وكيفية إيجاد عالم مواز للفرقة أكبر وأكثر قوة من عالم الإعلام، هذا إلى جانب الصراعات الفنية والشخصية التى تحدث عبر عشرات الآراء والجدال المستمر بين أعضاء الفرقة الخمسة والفرق المعاونة لهم من أجل الخروج بأعمالهم الموسيقية. كلما تعمق القارئ بين ثنايا الكتاب تأكد أنه أكثر من مجرد سرد وتوثيق لمرحلة صعود فرقة «كايروكي» الفنية وملامح النشأة والتكوين والحياة الشخصية لأفرادها الخمسة؛ فقد تناول الكتاب أيضاً الفن والانتاج الموسيقى و الأبعاد الدرامية والكلاسيكية للأغنية وتطور الحضارات بسرد بسيط وجذاب يمنح القارئ الكثير من المعلومات الممتعة، ومن خلال تحليل أغانى الفرقة ناقش أيضاً الكثير من الموضوعات التى تمس أبناء هذا الجيل كأزمة الهوية، صراع الحضارات والتغريب، اللغة، وغيرها. فالكتاب يعد دراسة اجتماعية تاريخية فنية عن الجيل الذى ينتمى له الكاتب وأعضاء الفرقة، وفى الوقت نفسه تشعر وكأنك تقرأ سردا روائيا ممتعا لأشخاص أنت تعرفهم يقدم خلاله ولاء كامل دور الراوى الذى يأخذنا بين الأحداث التاريخية والفنية بكلمات حية تراها تثور تارة وتنطلق وتطوف أوروبا و إنجلترا تارة أخري، كلمات تجعلك ترى مشاهد حية للفرقة وهى تغنى وهتاف الجمهور على الإيقاع داخل المسرح و نبض الشباب داخل الميدان وقت الثورة؛ أحداث متناثرة هنا وهناك لكنها متضافرة بشكل مهنى مميز، ربما كانت دراسة الكاتب للإخراج السينمائى وخوضه مجال كتابة الرواية مُسبقاً أحد الأسباب الأساسية التى جعلت الكلمات والأحداث تنبض حياة أمام القارئ. وفى النهاية نجد أن بين الأحداث التاريخية للكتاب والمعلومات الفنية استطاع الكاتب أن يأخذنا فى رحلة ممتعة خالية من الملل لنتأرجح جميعاً بين صعود وهبوط وتيرة الكلمات الحية النابعة من قلب الأحداث والنغمات التى تنوعت بين العثرات وفرح النجاح، نعزف مع الفرقة ونستمع للأغانى النابعة من تفاصيل حياتنا اليومية دون أن نُدرك اننا مَفَاتيح جُمل حكاية كتاب «أيامى مع كايروكي». أيامى مع كايروكي.. وحكاية جيل أراد أن يغير العالم ولاء كمال. القاهرة. الدار المصرية اللبنانية.2019