ما يقرب من ثلاثة أعوام مرت علي استقالة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير, لكن هذه السنوات لم تكن كافية لإنهاء الجدل حول سياساته وقراراته. التي يأتي في مقدمتها قرار الحرب علي العراق, وتحول الجدل إلي اتهامات وانتقادات واسعة لبلير بسبب المكاسب الضخمة التي حصل عليها منذ ترك منصبه, خصوصا بعد قراره المشاركة في حملة حزب العمال لانتخابات السادس من مايو2010. فقبل أسابيع من الانتخابات التشريعية البريطانية أعلن توني بلير عودته إلي الساحة السياسية, في محاولة لدعم رئيس الوزراء الحالي جوردن براون, ومن المقرر أن يشارك بلير بشكل نشيط في حملة حزب العمال, في محاولة لقيادة الحزب نحو تحقيق فوز جديد, بعد ثلاثة انتصارات متتالية قاده بلير إليها في الأعوام1997 و2001 و2005. وقد أثار قرار بلير جدلا واسعا, وكان سببا في إطلاق الصحف البريطانية حملة ضارية ضد رئيس الوزراء البريطاني السابق, حيث طالبت بفتح جميع الملفات ومحاسبة بلير, وإلزامه بالكشف عن نشاطاته التجارية, والحجم الحقيقي لدخله السنوي, ووجهت إليه عددا من الاتهامات المباشرة, من بينها قيامه بتحويل ملايين الجنيهات الاسترلينية عبر شبكة معقدة من الشركات منذ استقالته, وأنه يقوم باستغلال الثغرات في القانون لابقاء تفاصيل دخله في إطار السرية, كما اتهمته صحيفة الجارديان بتلقي رشوة من شركة نفط كورية لتسهيل عملها في العراق. عودة بلير يراها البعض دعما كبيرا لحزب العمال ولرئيس الوزراء جوردون براون, بوصفه ورقة رابحة, وعقبة في وجه المعارضة المحافظة بقيادة ديفيد كاميرون, التي تصب استطلاعات الرأي الأخيرة في مصلحتها, بينما يري آخرون أن بلير ربما يصبح سببا في خسارة حزب العمال, حيث أن الكشف عن التعاملات الخارجية لبلير سيكون مصدر إحراج للحزب, الذي يسعي لتكثيف الضغوط علي حزب المحافظين المعارض بسبب حصوله علي دعم من أثرياء, ولكل من الفريقين مبرراته وأسانيده. الفريق الأول الذي يري إيجابية مشاركة بلير يفترض أن مشاركته ستذكر بالانتصار العمالي الساحق الذي حمله إلي السلطة في انتخابات1997, واعتبر المدير السابق للإعلام في داوننج ستريت ديفيد هيل في حديث للبي بي سي أن بلير سيكون في مقدوره التحدث إلي العديد من الناخبين المترددين, الذين يعتبرون في غاية الأهمية في انتخابات ستشهد منافسة محتدمة, ويستشهد المؤيدون بالديمقراطي آل جور الذي نأي بنفسه عن الرئيس السابق بيل كلينتون لدي ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية عام2000 وفي نهاية المطاف مني بالهزيمة, حيث مازال يقال أنه لو وافق علي أن يقف كلينتون إلي جانبه لكان ربح. ويلفت هذا الفريق إلي أنه علي الرغم من أن العلاقة بين بلير ورئيس الوزراء البريطاني جوردون براون اعترتها خلافات حين كان بلير رئيسا للوزراء, إلا أنهما نظما حملات انتخابية جنبا إلي جنب لضمان نجاح الحزب في ثلاثة انتخابات متتالية, ومن هنا فإن وقوفهما معا مجددا سيمنح الحزب فرصا كبيرة للفوز في الانتخابات المقبلة. وفي المقابل يري كثير من المحللين أن مشاركة بلير في حملة حزب العمال ستمنح حزب المحافظين فرصة ذهبية للعودة إلي حكم بريطانيا, ففي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي قال وزير الدفاع السابق في حكومة بلير بيتر كيلفويل:' إن توني بلير يثير مشاعر متناقضة جدا, خصوصا بسبب الحرب في العراق, لكن الأمر لا يقتصر علي ذلك بل اعتقد أنه يجسد كل ما لا يستهوي الناس في حزب العمال الجديد', بينما تساءلت آماندا بلاتل المسئولة السابقة عن الإعلام في حزب العمال: كم ربح من الأموال في السنوات الثلاث الماضية؟, حيث أظهرت حسابات أجرتها وسائل الإعلام أن بلير يتقاضي2200 يورو عن كل دقيقة في محاضراته التي يلقيها حول العالم, وأضافت إنه ليس علي تماس مع الناس الذين يسعون جاهدين لتأمين منزل وإيجاد وظيفة. هذا بالإضافة إلي الاتهامات التي يواجهها بلير, وتتلخص في تضخم ثروته بعد تركه للسلطة, وكيف أنه أصبح يعمل في شركاته130 موظفا, وهو ما أشارت صحيفة الديلي تلجراف إلي أنه أحدث مؤشرا علي المكاسب الواسعة التي يجنيها بلير منذ تركه منصبه, وأن عليه أن يكسب خمسة ملايين استرليني في العام لدفع رواتب هؤلاء الموظفين, وهو ما يزيد الشبهات التي تحوم حول شركات الاستشارات التي يملكها. وقد اعتبرت صحيفة الديلي ميل أن ظهور بلير في الحملة الانتخابية لحزب العمال سيكلف دافعي الضرائب البريطانيين مئات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية بسبب الإجراءات, الأمنية خصوصا بعدما تعهد المناهضون لحرب العراق باستهدافه. ويبقي الرأي الأخير للناخب البريطاني, الذي سيحدد في انتخابات السادس من مايو ما إذا كانت مشاركة توني بلير في الحملة الانتخابية لحزب العمال قد أضرت بالحزب وأدت إلي خسارته, أم ساهمت في احتفاظه بالأغلبية البرلمانية التي تضمن له الاستمرار في حكم بريطانيا.