من العجيب أن يطرق الإنسان كل سبيل مادي لتحقيق هدفه وبلوغ مراده، فلا يتردد أن يسأل البشر مساعدته، فيبحث عن «واسطة» تيسر له قضاء حاجته، فيرجو هذا، ويستدر عطف هذا.. وقد يقدم مالا أو وقتا أو جهدا، ويبذل في سبيل ذلك الكثير والكثير أملا في تحقيق مراده.. في حين أنه يغفل عن باب لا يغلق أبدا، ليس له حاجب، ولا يحتاج مالا، وهو أوسع أبواب الفرج.. باب الله عز وجل. إنه الدعاء. فالدعاء من الأسباب العظيمة المهملة لصلاح حال المسلم وإسعاده، لكن قليلا من يطرقه بصدق، ومن أجود من الله ليطرق بابه!! وما أجمل ذلك أن يكون في رمضان!! الدكتور أحمد عبده عوض الأستاذ بجامعة طنطا، يؤكد أهمية الدعاء بالنسبة للمسلم، فالدعاء أمر من الله وهو مخ العبادة، والله يحب العبد اللحوح فى الدعاء، لذا فيجب أن يحرص المسلم على الدعاء فى وقت الرخاء والشدة معا. وأضاف: أن الدعاء يدفع البلاء، ويرد القضاء، فقال صلى الله عليه وسلم «لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد فى العمر إلا البر» ، حيث يقابل الدعاء القضاء والقدر بين الأرض والسماء، ويتعالجان( أى يتصارعان) فيتغلب الدعاء، وينزل البلاء مخففا على العبد، فلا يستشعر سوى برحمات تتنزل عليه من الله. شروط قبول الدعاء وأضاف، إن للدعاء المستجاب شروطا، منها :ألا نسأل أحدا إلا الله عز وجل، وهذا الشرط هو أقوى شروط الدعاء، وبدونه لا يقبل دعاء، ولا يرفع عمل، فمن الناس من يدعو الأموات ويجعلونهم وسائط بينهم وبين الله، زاعمين أن هؤلاء الصالحين يقربونهم إلى الله ويتوسطون لهم عنده سبحانه، كما يجب تجنب الاستعجال، لأنه آفة من آفات الدعاء التى تمنع قبول الدعاء، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يتعجل. قيل يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لى فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء). يتقبل من المتقين ويوضح الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط سابقا أن من شروط الدعاء كذلك: حضور القلب (واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ)، وأيضا (إطابة المأكل)، قال سبحانه وتعالى: (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، وقال النبى صلى الله عليه وسلم لمعاذ «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة». بالإضافة إلى تحرى أوقات الإجابة: ومنها: بين الأذان والإقامة، وفى الثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وختام يوم الاثنين والخميس ويوم عرفة، وفى حالة السجود حيث ترفع الأعمال إلى الله، ودعوة الصائم والمسافر وعند التقاء الجيوش، ويكون بدء الدعاء بالحمد والصلاة على المصطفى والدعاء باسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى. الدعاء فى رمضان وأضاف، د. مختار مرزوق، علينا أن نستغل رمضان فى الدعاء، فى قنوتنا بالقيام والفجر وجميع الصلوات، وعقب قراءة القرآن.. فرمضان شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، ويصفد فيه كل شيطان مريد، وينادى مناد كل ليلة، (يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك)، ويدخل فى ذلك ليلة القدر، وهى من ليالى رمضان، حيث قال النبي، صلى الله عليه وسلم، من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ويدخل فى ذلك وقت السحر، فى رمضان وفى غيره، ولكنه فى رمضان من باب أولى، فقال تعالى: وبالأسحار هم يستغفرون. صور الاستجابة وذكر د. مرزوق، بأن الله تعالى يجيب دعوة كل دعاء للمسلم، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، والإجابة ليست مقصورة على ما طلبه العبد لنفسه، فربما كانت الإجابة باختيار الله للعبد غير ما كان يختاره لنفسه، واختيار الله هو ألأفضل من غير شك، أو كانت بدفع ضر عن الإنسان كان سيطاله لولا تضرعه إلى الله بهذا الدعاء، فمثلا من كان يشكو ضيق حاله وطلب من الله الرزق بالمال، قد تكون الإجابة باب رزقا يتكسب منه، أو يرزقه وأهله الصحة، فلا يحتاج إلى طبيب ينفق عنده آلاف الجنيهات، أو يبارك له فى ولده ويحسن استيعابه الدراسي، من دون أن يحتاج دروسا خصوصية، أليس كل ذلك رزق، وإن كان لا هذا ولا ذاك، فربما أرجأ الله الإجابة لمصلحة لك، أو ادخر الله للعبد دعاءه فى رفع درجاته فى الآخرة، وصدق الله العظيم حين يقول «وقال ربكم ادعونى أستجب لكم». لذا قال ابن عطاء السكندرى فى حكمه، لا يكن تأخير العطاء موجبا ليأسك فهو سبحانه قد ضمن لك الإجابة بما يريد وفى الوقت الذى يريد. وقد أكد النبي، صلى الله عليه وسلم، هذا المعنى حين قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ما ليس بها إثم أو قطيعة رحم، إلا أعطاه الله إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته فى الدنيا، وإما أن يدخر له فى الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا إذن نكثر يا رسول الله، فقال الله أكثر) أى أكثر إجابة لعباده المسلمين. فهم خاطئ وحذر مرزوق من أن يقصر أحدنا فى الدعاء ويقول إن الله يعلم حالى ولو كان سيرزقنى لرزقني، فهذا فهم خاطئ، لأن الله يحب الدعاء ويغضب إذا تركنا الدعاء، كما أن الإكثار من الدعاء سنة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وما ينبغى لأحد أن يتركه، بل الواجب أن يكثر المسلم من الدعاء والتوسل الصادق لله عز وجل، فقد قال صلى الله عليه وسلم، «لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لى إن شئت، اللهم ارحمنى إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له»، رواه البخارى ومسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم، فى هذا الموضوع «ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه».