لم يعد منصب عمدة القرية كما رسمته الدراما لرجل يتميز بالسلطان والقوة وفرض سيطرته على ابناء قريته، ولكنه حكيم العقل، حيث يلجأ إليه الأهالى لحل مشكلاتهم وخصوماتهم، ففى الدقهلية تكتظ قرى المحافظة بنماذج متعددة لحكماء القرية كلمتهم مسموعة وجانبهم مهاب ويرد إليهم القول فى الملمات ويحظون باحترام وحب الجميع. حيث نجد عبدالحميد جابر عمدة كفر الأبحر وأبو النجا المرسى عمدة كفر الجنينة وعضو مجلس الشعب سابقا، وناصر البيلى عمدة كفر بهوت، هذه الشخصيات الثلاث تعد مرجعا لأهالى نبروه والمراكز المجاورة فى حل أكبر المشكلات من خلال تشكيلهم لجنة عرفية ذات مصداقية عالية عند مختلف الأطراف المتنازعة تصدر قراراتها الملزمة بعد فحص ودراسة عميقة على أرض الواقع. يقول عبدالحميد جابر، عمدة كفر الأبحر والذى ورث هذه المكانة عن آبائه وجدوده: «يلجأ إلينا الناس لأسباب كثيرة أهمها السمعة الطيبة وحسن الظن والثقة فى تغليب الحل الودى والصدق والانحياز للحق وانتفاء أى غرض أو مصلحة شخصية إلا وجه الله، مشيرا إلى أن اللجنة العرفية قد تستعين بخبراء أو علماء دين أو شخصيات اجتماعية وعمد فى القرى المجاورة للمساعدة فى الحل، وفى البداية تأخذ تعهدا من الطرفين المتنازعين ووصل أمانة لإظهار الجدية والقبول بنتائج التحكيم». استمارة مخصصة للجلسات العرفية ويضيف عبدالحميد جابر: «نحقق فى مختلف القضايا الاجتماعية مثل خلافات الأراضى الزراعية وصراعات الشباب والتعديات والخلافات الزوجية والأسرية والمواريث وحتى قضايا القتل، مستشهدا بقضية قتل فيها شخصان فى قرية تسمى الرياض وتم الفصل فيها، لافتا إلى أنه يتم توزيع استمارة مطبوعة على الطرفين ومحضر جلسة عرفية لتشخيص الخلاف وتحديد أعضاء اللجنة وهناك تعويضات أدبية منها الاعتذار وهو ما يسمى بالصلح الأبيض أو مادية تمثل غرامات على المخالف والمتعدى، وأحيانا يتم توسيع اللجنة بأعداد أخرى، مطالباً بتفعيل دور اللجان العرفية فى أقسام الشرطة لحل المشاكل فى وقت قصير قبل أن يتلقفها المحامون ويصعدون الخلاف وتزداد الخسائر أثناء التقاضى لسنوات طويلة. فيما يقول أبو النجا المرسي: إن حكيم القرية لابد أن يتصف بالنزاهة والترفع عن المصالح الشخصية والإنصاف فى الحق مهما كانت النتائج، وألا يكون محتاجا إلى أحد، وهو لا يعرض خدماته بل يذهب إليه الناس، مشيرا إلى أنه يستضيف المتخاصمين على نفقته ويذهب إليهم ويجمعهم ولا يدخر جهدا فى التوفيق والصلح. موضحاً أن لجنة فض المنازعات تقوم بمعاينة مناطق الخلاف وجمع المعلومات، حتى من الأطفال الأبرياء الذين لم يعتادوا الكذب، ولا نركن إلى الشهود تماما ونقوم بعمل تحريات شاملة للوصول إلى الحقيقة، ضاربا مثلا بقضية فى قرية المقاطعة بالسنبلاوين سقط فيها أربعة قتلى بينهم اثنان أشقاء فى خلاف على الأرض، وتمت فيها معالجة القضية بحكمة و تحديد التعويض المناسب. أما ناصر البيلى، عمدة كفر بهوت، فيؤكد أن حل مشاكل الناس هدف نبيل لا يمكن لأحد أن يتأخر عنه بما يرضى الله، مشيرا إلى أنه مع رفاقه يذهبون إلى مناطق فى الحامول وبلقاس والسنبلاوين وفى أى منطقة تطلب المساعدة، ومما يذكره قضية قتل فى سخا بكفر الشيخ قتل فيها شخص اثنين من أولاد خاله بالرصاص وكان الحكم أن يرحل أهله من المكان كله بعد ان باعوا أملاكهم وكان برفقة اللجنة مستشار، مشيرا إلى أن الجلسة العرفية تلعب دورا كبيرا فى حسم المشاكل بإقناع كل الأطراف وتعهدهم بقبول النتائج المترتبة على التحكيم.