إنهاء 90% من قضايا الثأر يفضلها البعض عن اللجوء إلى المحاكم لا يتعارض مع أحكام القضاء ولكن مكمل له إذا أخل طرف بالحكم يتم تنفيذه بالقوة عن طريق إدارة تنفيذ الأحكام تكتب فى محاضر وتوثق فى الشهر العقارى تلعب المجالس العرفية، دورًا مهمًا في تسوية المشاكل والنزاعات داخل المجتمع المصري، وتقوم بدور بارز في القضاء على الخصومات وإنهاء الاحتقان ووضع حد لنزيف الدماء عبر عقود طويلة من الصراع الدموي كما في جرائم الثأر التي تنشب بالصعيد، جنبًا إلى جنب بالتوازي مع دور الدولة، ومكمّلاً له في حصار الخارجين على القانون وحل الأزمات ووأد نار الفتن. وكان لهذه اللجان دور فعال في إنهاء الخلافات والقضاء على جرائم "الثأر"، التي تلتهم الأخضر واليابس، لسنوات طويلة تحصد في طريقها الكثير من الأرواح، وتجدد النزاعات من وقت لآخر، وعلى الرغم من فصل القضاء في كثير من تلك القضايا محل النزاع، إلا أن نار الخلافات ما تلبث أن تشتعل مرة أخرى، لتكون المجالس العرفية هي في النهاية الفيصل في إنهاء تلك النزاعات، لما تتمتع به من رمزية كبيرة داخل المجتمع، من خلال إصدار أحكام واجبة النفاذ على أطراف تلك النزاعات. ومن ذلك، نجاح لجان المصالحات والتحكيم بالتنسيق مع أجهزة الأمن في محافظة المنيا فى عقد جلسة صلح عرفية لإنهاء خصومة ثأرية بين ثلاث عائلات داخل قرية تندة في مركز ملوي جنوبي المحافظة عمرها 27 سنة. وترجع وقائع الخصومة الثأرية إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل عدد من عائله الريانية على يد أفراد عائلتي الشعاشة وأولاد راتب، وتجددت في 26 ديسمبر 2013، وأسفرت عن مقتل أحد أفراد عائلة راتب، وفي عام 2014 قتل أفراد عائلة الشعاشة وأولاد راتب أحد أفراد عائلة الريانية وأصاب اثنين آخرين. وانتهى النزاع الثأري تحت إشراف رجال والمصالحات العرفية، وبحضور القيادات الأمنية، وذلك بأن قدمت عائلتا الشعاشة وأولاد راتب 6أكفان، ومليون جنيه دية لعائلة الريانية، ووضع شرط جزائي 2مليون جنيه. وفي أبريل 2016، عقدت جلسة عرفية بين عائلتي الشاذلي وأبوحماد في مركز أطفيح بالجيزة لإنهاء الخصومة بينهما بدفع الدية وتقديم الكفن من عائلة أبو حماد لعائلة الشاذلي وتهجير مرتكبي الحادث. وبدأت الخصومة بوقوع شجار بين أربعة شباب من العائلتين وبعد فضه ومحاولة الصلح بينهما قام شباب عائلة أبو حماد بالاعتداء، ما أسفر عن سقوط شاب يبلغ من العمر 26 عاما قتيلاً وإصابة أربعة آخرين. وشهدت جلسة الصلح العرفية دفع الدية البالغة مليونا و400 ألف جنيه وحمل الكفن لمسافة كيلومتر وتهجير المعتدين من القرية. وهناك العديد من جلسات المصالحة العرفية في المحافظات المختلفة التي كان لها دور كبير في إنهاء النزاعات الثأرية. ويقول اللواء مجدى البسيونى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن "الجلسات العرفية لو تم تفعيلها بكل إيجابية ودقة وإخلاص فى النجوع والقرى، لأدى ذلك إلى انخفاض معدل الجريمة بنسبة كبيرة جدًا، وساد الأمان بين المواطنين، لكون معظم الخلافات الثأرية تتولد على أرض أو ميراث، أو لعب أطفال، أو خلافات زوجية، وهذه الخلافات لا تنشأ بين ليلة وضحاها، بل تمتد لفترات متباعدة تنتهى بالقتل". وأضاف ل"المصريون"، أن "الجلسات العرفية تعود إلى خمسينات وستينيات القرن الماضي، حيث كان يتم اللجوء إليها في إنهاء النزاعات داخل القرى والنجوع، لكون الأهالى والمواطنين يعرفون بعضهم جيدًا، وهو ما يساعد على وأد الخلافات بينهم، حيث إن الشرطة لا تصل إلى كل النجوع، ولأن معظم النار من مستصغر الشرر، فإنه ولو نجحت الجلسات العرفية في وأد الشرر لانتهت الفتنة من جذورها". وأوضح أن الشرطة لا تتدخل في هذا النوع من القضايا والخلافات إلا في حال وقوع جريمة، أو استفحال الأزمة، ما يؤدي إلى تأزم الوصول إلى حلول وترضى الأطراف بخلاف لجان المصالحات التى تنعقد فور وقوع اشتباكات وتسارع بكل تلقائية فى وأد الفتنة خشية تطورها. ووفق مساعد وزير الداخلية الأسبق، فإن "الأمن يشارك فى لجان المصالحات العرفية بهدف دفع مسيرة التراضى، وتعزيز دور لجان المصالحات لمنع تفاقم الأزمات وللحفاظ على الأحكام النهائية التى توصلت إليها لجنة المصالحة، ولإعطاء ضمانة لها حتى لا يتم اختراقها أو التراجع عنها، حيث يتم تسجيل ما انتهت إليه الجلسة العرفية من أحكام في محضر صلح. وقال البسيونى إنه عندما كان فى الخدمة بادر بتكوين مجالس عرفية مكونة من العمد والمأذون وشيخ البلد وأعضاء مجلس نواب لإجراء المصالحات عند اندلاع الأزمات، وكان يتم الاجتماع مرة أسبوعيًا للتشاور في النزاعات المثارة، وفى حال استفحال الأزمة وتعذر الصلح في قضية يتم إحالتها إلى المركز وتحرير محضر بشأنها واتخاذ الإجراءات القانونية، مشيرًا إلى أن 90% من الأزمات كان يتم حلها عن طريق الجلسات العرفية. وقسم، مساعد وزير الداخلية الأسبق، الخلافات التي تحتاج إلى جلسات صلح عرفية لنوعين، فهناك خصومات أسبابها بسيطة لا تصل إلى حد النزاع، كخلافات الجيرة ولهو الأطفال والسباب وغير ذلك من أفعال لم تتطور إلى جرائم جنائية، وتلك من السهل حلها فى جلسة عرفية. أما النوع الثاني – كما يقول - فيشهد نزاعات طاحنة مثل سقوط قتلى ومصابين، أو خلاف على أرض أو عقار، وهنا تدخل لجان المصالحات لكنها لم تسقط حق الدولة، وهنا يمكن الاحتكام إلى "الدية" باعتبارها تعويضا يجبر الضرر. وأوضح أن الجلسات العرفية لا تعارض أحكام القضاء نهائيًا، بل مكملة لها لأن الهدف من القضاء هو المصالحة، فإذا نجحت المجالس العرفية في إذابة الخلاف وتدارك الأمور فإنها تؤدى دور القضاء، خاصة أن أحكامها واجبة النفاذ. ومضى مساعد وزير الداخلية الأسبق إلى القول بأن "جلسات الصلح والتحكيم العرفية أفضل من اللجوء إلى المحاكم"، مبررًا ذلك بأن "القضاء يحكم فقط بالورق وينتهي إلى العقاب والسجن فقط، فى حين يعتبر الجلسات العرفية أوقع من المحاكم، لأنها تُصلح بين الطرفين بخلاف أحكام القضاء، كما أن المجالس العرفية تتمتع بالشفافية ويُطرح أمامها ما لا يتم طرحه أمام المحاكم "الناس عارفة بعضها فى جلسة الصلح". وأشار إلى "أن المجالس العرفية لا تحكم فى قضايا تخالف القانون، فإذا وقع الخلاف بين طرفين بسبب تجارة سلاح أو مخدرات، لا يتم تسويتها عن طريق الجلسات العرفية لحلها، ولا تحكم وإنما تعمل على تطييب النفوس، وإذا وقعت جريمة قتل يكون للدولة حق فيها، ولا تسقط بجلسات عرفية". خبير قانونى: الأحكام العرفية لا تعارض القضاء المحامي والخبير القانوني، مؤمن رميح، قال إن "جلسات الصلح العرفية لا تتعارض مع القانون بل إنها شديدة الإيجابية، وتسير بالتوازي معه عن طريق ما يسمى "عقد الصلح"، وهو أن يتراضى الطرفان بمحكمين يلجآن إليهما لفض النزاع وتصبح أحكامهما واجبة النفاذ". وأضاف ل"المصريون"، أن "قرارات المجالس العرفية تتم كتابتها فى محضر ويتم توثيقه فى الشهر العقارى، وإذا أخل طرف بالحكم، يتم تنفيذه بالقوة عن طريق إدارة تنفيذ الأحكام". وأوضح أن "الجلسات العرفية لا تقتصر على مشاكل الأهالى، بل تمتد إلى الشركات أيضا بمنظومة أشبه بالجلسات العرفية ويتم تدويل القضية والانتهاء إلى أحكام واجبة النفاذ بعيدًا عن منظومة القضاء". وذكر رميح أن "الصلح له قوة قانونية ملزمة بشرطة ألا يكون متعلقًا بالعقوبة الجنائية، فإذا وقعت جريمة قتل يعاقب القانون الجنائي المتهم، لأن تلك من الجنايات التى لا يمكن فيها مصادرة حق الدولة فى الجريمة".