من بين المؤلفات التي تمثل علامة مميزة في تاريخ الفكر المصري الحديث يبرز كتاب «تحرير المرأة » للمفكر الكبير والمصلح الاجتماعي قاسم أمين الذي أصدره عام 1899م، ثم أتبعه بكتاب «المرأة الجديدة» عام 1900م، وكان لكتابيه صدى كبير ورد فعل واسع بين المثقفين، خاصة أن الكتابين صدرا في ظل الكثير من التحولات والتغيرات المجتمعية آنذاك، وقد تعرض للمؤلف وكتابيه كثيرون من المفكرين وأصحاب الأقلام ما بين مؤيد ومعارض، موافق ورافض، مساند ومقاوم، مدافع عنه ومهاجم له، حيث أثار العملان جدلًا واسعًا، تحول إلى معركة فكرية. لم يكن قاسم الأول بين دعاة الإصلاح ورواد التنوير الذي يدعو إلى تحرير المرأة المصرية وترقيتها، ولكنه استحق لقب محرر المرأة لجرأته وشجاعته، وأفكاره الأكثر توسعًا وتشعبًا، التي احتوت رؤى إصلاحية وأفكارًا تنويرية، جديدة وغريبة على المصريين، ما أثار غضب واستياء كثيرين، فكان الهجوم عليه عنيفًا وشرسًا، إلا أنه ازداد صمودًا بهذا النقد الجارح، الذي أعطاه قوة وعزيمة. رصد قاسم أمين بمهارة عالية واقع المرأة المصرية والكثير من مشاهد ظلمها واحتقارها، مُفندًا بعض الأفكار والتصورات والعادات والتقاليد التي ربطها البعض بالدين على عكس الحقيقة، مؤكدًا أن حالة المرأة تابعة لحالة الآداب في الأمة، وأنه ليس في أحكام الإسلام ما يُنسب إليه انحطاط المرأة المسلمة، فالمرأة إنسان مثل الرجل، ومن المهم تربيتها وتعليمها معارف عقلية وأدبية لتقوم بوظيفتها في الهيئة الاجتماعية والعائلة، فلا شيء يمنع المرأة المصرية من الاشتغال بالعلوم والآداب والفنون الجميلة والتجارة والصناعة إلا جهلها وإهمال تربيتها، فالتعليم والعمل لازمان لها حتى تنتج بقدر ما تستهلك، وتستطيع التصرف في حالة فقدان العائل. انتقد قاسم فكرة أن التعليم غير لازم للمرأة بدعوى أنه يفسد أخلاقها ويكسبها المزيد من الحيل، مؤكدًا أن للمرأة دورًا كبيرًا في تربية الأطفال، وأنه من الضروري المساواة بين المرأة والرجل في التعليم الابتدائي، وهي دعوة مهمة في وقتها. وتناول مسألة الحجاب من الجهتين الدينية والاجتماعية، والالتزام به دون مبالغة في إطار ما جاء في الشريعة الإسلامية، فالعفة ملكة في النفس لا ثوب يختفي دونه الجسم، مُطالبًا بالحجاب الشرعي، من حيث إظهار الوجه والكفين، أما الانتقاب والتبرقع فليسا من الإسلام، ولم ير قاسم في الاختلاط بين النساء والرجال فسادًا للأخلاق بل من أسباب توسعة مدارك المرأة، طالما في حدود الأدب. وقاوم الادعاء بأن الإسلام سبب تأخر المسلمين، مُحذرًا من انحطاط العقول وإهمال التربية في الرجال والنساء، فمن المهم تربية المرأة جسميًا وعقليًا، فإذا كانت العائلة أساس الأمة فإن المرأة أساس العائلة وميزانها، وارتقاء الأمم يتطلب ارتقاء المرأة، مُستشهدًا بتقدم النساء الغربيات ودورهن في خدمة المجتمع، ودور المرأة في الإسلام، وهو يأسف لحرمان الأمة من مشاركة المرأة في الأعمال الخيرية. والزواج عند مفكرنا نظام جميل يقوم على المودة والرحمة وحسن العشرة، مؤكدًا أهمية التوافق بينهما قبل الارتباط بعقد الزواج وأن هذا ما تدعو له الشريعة الإسلامية، مُبينًا عواقب عدم التوافق على المنزل والزوج والأولاد، ما جعل بعض الرجال يفضلون العزوبية على زواج لا يجدون فيه أمانيهم. ناقش قاسم مسألة تعدد الزوجات وفي رأيه أن خير ما يفعله الرجل هو انتقاء سيدة واحدة فيوفي زوجته وأولاده حقوقهم من النفقة والتربية والمحبة، وأن الشارع يرى الاكتفاء بواحدة للخوف من عدم العدل، ويكون الزواج بامرأة أخرى في حالة الضرورة، كأن تكون المرأة مريضة غير قادرة على أداء الواجبات الزوجية، وحتى في هذه الحالة فإن المروءة تقتضي أن يتحملها الرجل، أو متى كانت المرأة عاقرًا والرجل يفكر في الإنجاب لاستمرار النسل. وفي الخاتمة يرى قاسم أن إصلاح حال النساء يتعلق بالعادات وطرق المعاملة والتربية، ومراعاة حاجات الأمة الإسلامية وضروراتها فيما يختص بالنساء، من خلال العلم والعزيمة، ويقترح تأسيس جمعية تختص بتربية البنات يرأسها أحد كبار المصريين، لتعمل على تربية البنات وفقًا لهذه الأفكار الجديدة وحث الحكومة على إصدار القوانين التي تضمن للمرأة حقوقها دون الخروج عن الحدود الشرعية ودون التقيد بمذهب معين. «تحرير المرأة» كتاب مهم يستحق إعادة القراءة رغم مرور مائة وعشرين عامًا على تأليفه. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق