فى 21 إبريل من عامنا الحالى تمر 110 سنوات على رحيل المفكر المصرى والمصلح الاجتماعى قاسم أمين، الذى عاش بين 1863م و1908م، قدم خلالها عددًا غير قليل من الرؤى والأفكار التى حركت الفكر المصرى وساهمت فى عملية التغيير الاجتماعى، وبالأخص فى قضية المرأة، نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. لم يكن قاسم أول من يدعو إلى نهضة المرأة المصرية وتحريرها فى تاريخ مصر الحديث، فقد سبقه البعض إلى ذلك، مثل العلامة رفاعة الطهطاوى (1801-1873م) رائد التنوير فى مصر الحديثة وصاحب كتاب «المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين»، كما يبرز أيضًا أبو الإصلاح القبطى البابا كيرلس الرابع (1854حتى وفاته عام1861م) الذى أسس خمس مدارس أهلية، منها مدرستان لتعليم البنات، بالإضافة إلى بعض الجهود الرسمية التى قام بها محمد على (1805وحتى1848م) مؤسس مصر الحديثة. ومع ذلك يشتهر قاسم أمين فى الأوساط الثقافية والفكرية بلقب «مُحرر المرأة»، ربما لأنه كان أكثر جرأة وشجاعة فى موقفه من قضاياها، كما كانت أفكاره أكثر توسعًا وتشعبًا وشمولًا، ولعل مقولته «المرأة وما أدراك ما المرأة.. إنسان مثل الرجل» تلخص موقفه التنويرى من المرأة، كمكون أساسى فى المجتمع، وقد نال الكثير من الهجوم والنقد من بعض معاصريه، ما زاده قوة وصمودًا أمام معارضيه وناقدى أفكاره.ويشير كل من تعرض لتاريخ الفكر المصرى إلى أن الإنتاج الفكرى لقاسم أمين لم يقتصر على قضية تحرير المرأة، إذ تخطاها لقضايا اجتماعية أخرى مهمة، وإن تقف قضية المرأة على رأس أولويات قاسم، الذى أثرى الفكر المصرى بعشرات المقالات وعدة مؤلفات، بدأها بكتاب Les Egyptiens أى (المصريون)، كتبه باللغة الفرنسية سنه 1894م، ردًا على الكاتب الفرنسى الدوق داركور الذى كان قد نشر كتابًا عنوانه (مصر والمصريون) فى باريس سنة 1893م، وفيه نقد شديد وطعن واضح فى الإسلام والمسلمين، ما أثار استياء مفكرنا وغضبه الكبير، حيث وضع كتابه (المصريون) ردًا على مزاعم ذلك الكاتب، وفيه دافع قاسم عن مصر والمصريين والثقافة الإسلامية بحماس واضح، وكتاب (تحرير المرأة) 1899م، الذى تناول فيه موضوعات تربية المرأة - حجاب النساء - المرأة والأمة- العائلة والزواج- تعدد الزوجات- الطلاق، وفى العام التالى مباشرة، 1900م، أصدر كتابه (المرأة الجديدة)، وكتاب (أسباب ونتائج.. أخلاق ومواعظ)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرها قاسم أمين فى جريدة (المؤيد) لصاحبها الشيخ على يوسف بين عامى 1895م و1898م، ثم نأتى إلى ختام مؤلفاته حيث كتاب (كلمات) الذى نشرته صحيفة (الجريدة) عام 1908م إثر وفاته مباشرة، وهو عبارة عن مجموعة آراء وأقوال مأثورة لقاسم أمين ومجموعة من مذكراته الشخصية، تناول فيه موضوعات متنوعة، وقد أعدنا نشر نص هذا الكتاب من خلال المجلس الأعلى للثقافة عام 2009م. لقد قدم قاسم أمين جهدًا تنويريًا، لا نملك إزاءه إلا أن نحترم الرجل ونقدر رؤاه وأفكاره، ما يوجب علينا الاحتفاء به والاحتفال، عبر تنظيم الندوات والفعاليات الثقافية وإصدار طبعات شعبية جديدة من مؤلفاته تعيد للنشء الصغير والأجيال الجديدة أفكاره التنويرية التى سبق بها عصره، بل مازلنا نردد بعضها إلى اليوم، على الرغم من مرور السنوات الطوال على رحيله، وهى دعوة نقدمها لوزارات الثقافة والشباب والتربية والتعليم والتعليم العالى، علها تجد صدى واستجابة.