استطاع الإمام الشافعى أن يجمع ما بين مدرستى الحديث ومدرسة الرأي، فمزج الرأى والأثر، فى توازن نادر فى هذا الزمان، حتى أن الإمام أحمد بن حنبل الذى تتلمذ على يد الإمام الشافعى قال عن ذلك: «ما زلنا نلعن أهل الرأى ويلعنونا، حتى جاء الشافعى فمزج بيننا»، ولذلك تبنى أكثر علماء الحديث مذهب الشافعي. ويعد الإمام الشافعى - كما يقول هانى ضوة نائب المستشار الإعلامى لمفتى الجمهورية- عند جمهور المحققين، أول من كتب فى أصول الفقه وشرحها، واعتنى بالقواعد الكلية أكثر من الفروع الفقهية، ولعل نشأة الإمام الشافعى وسعة اطلاعه وتتلمذه على يد أصحاب المدارس الفقهية المختلفة، قد أثر بشكل كبير فى تأسيسه لمذهبه الفقهى وتنقيحه وتطويره، فقد حفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ثم أخذ يطلب العلم فى مكة حتى أُذن له بالفتيا وهو فتىً دون عشرين سنة، والتقى بالإمام مالك -رحمه الله- فى المدينةالمنورة وطلب العلم على يديه، وكان يميل فى بداية حياته الفقهية إلى آرائه بشكل كبير، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 ه، فطلب العلم فيها عند القاضى محمد بن الحسن الشيبانى تلميذ الإمام الأعظم أبى حنيفة -رحمه الله-، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك يكون قد اجتمع للإمام الشافعى فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي) فتشرب أصولهما ومسائلهما ليعود إلى مكة التى ظل يلقى دروسه الفقهية فيها على مدار تسع سنوات فى الحرم المكي، حتى عاد مرة أخرى إلى بغداد سنة 195 هجرية وألف هناك كتابه الذى أسس فيه لعلم الأصول وهو كتاب «الرسالة». وقد مر مذهب الإمام الشافعى ومدرسته الفقهية بعدة مراحل كان أولاها: ما بين عامى (195 ه) و(199 ه)، وهى مدة إقامته فى العراق؛ وفيها ظهر مذهبه القديم؛ مستقلاً به عن اجتهادات شيخه الإمام مالك بن أنس فى أصوله وفروعه، حيث صنف كتابيه «الحجة» و»الرسالة القديمة» العراقية فى أصول الفقه، وهما المصنفان اللذان ضما آراءه القديمة فى المذهب، ومرحلة ثانية: كانت ما بين عامى (199 ه) و(204 ه)، وذلك عندما انتقل إلى مصر واستقر فيها، حيث بدأ فى مراجعة بعض آرائه الفقهية القديمة التى كان قد استقر عليها فى العراق فغير اجتهاداته فيما يعرف بالمذهب الجديد وضمنها كتابيه «الأم» فى الفقه، و»الرسالة الجديدة» فى أصول الفقه.