جعل الشرع الشريف العمل والعبادة قيمتين متلازمتين في سائر أحوال الإنسان؛ فالعبادة عمل يتقرب به العبد إلى مولاه، كما أن العمل -بكل صوره التي فيها معاني العمران والإصلاح- طاعة لله تعالى، والمتأمل في النصوص الشرعيَّة والسيرة النبوية وتاريخ الأمة يجد أن هناك علاقة وثيقة بين شهر رمضان وبين العمل والحث على إتقانه؛ وذلك من خلال ما اختص الله تعالى به هذا الشهر الفضيل من نفحات؛ أهمها عبادة الصوم التي ترسخ في المسلم التعلق بالله تعالى ومراقبته على الدوام، وفي ذات الوقت تبث لدى الصائمين ترك العجز وأسباب الكسل والتهاون؛ بل ترشدهم إلى العمل وإتقانه والتحقق بأسباب القوة وعلو الهمة والانتصار على شهوات النفس التي تميل دائما إلى التواني والراحة. فرمضان هو شهر الصبر والمصابرة والنصر العظيم للإسلام والمسلمين، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين كانوا يتركون فيه أعمالهم وأمور معاشهم للتفرغ للعبادة، سواء كانت الصيام أو القيام، بل يجمعون بين ذلك كله في توازن وانسجام وفق نظام مُحَكم يضمن أداء العبد ما افترضه الله تعالى من عبادات واستقرار العمل واستمرار الإنتاج وسلامته بطريقة وسطية لا إفراط فيها ولا تفريط. وتحقق عبادة الصوم مقاصد العمل وأسبابه وسماته، حيث ترسخ في النفوس قيمة الصبر التي تمثل ركنًا في العمل وشرطًا مهمًا في إتقانه؛ فالصوم يمثل طريقًا مختصرًا إلى تحلي الإنسان بهذه القيمة النبيلة وسماتها، فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الطرق التي ينبغي أن يسلكها الإنسان من أجل التعود على الصبر هو طريق الصوم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الصوم نصف الصبر». كما أن الصوم يرتقي بطبع الصائم -الذي قد يكون عاملًا أو صاحب جهة عمل- إلى جماع الكمالات المحمودة كمراقبة الله تعالى، وانضباط الباطن كما هو في الظاهر، والحلم، والعدل، والعفو والصفح، وحسن المعاملة، وجميل العِشرة، والوقار، والأمانة؛ فضلا عن تحقيق مظاهر احترام الآخر والمحافظة على الوقت مما يفيد إنجاز الأعمال وشيوع الحب والاحترام بين العاملين بعضهم بعضًا؛ لأن الصوم الحقيقي هو المُحَلَّى بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة التي تحمل المسلم على مجانبة اللغو والكلام فيما لا يفيد والفحش من القول ومنكر العمل.