مرة ثانية.. ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال.. تفاجأنا بمحاولة انقلابية بقيادة عدد محدود من العسكريين فى جيش فنزويلا، ضد الرئيس الشرعى نيوكلاس مادورو. وأعلنت أمريكا رسميًا مساندتها لهذه المحاولة، دعمًا لمنافس مادورو، وهو خوان جوايدو، إلا أنها باءت كالعادة بالفشل، وأعلن وزير الدفاع الفنزويلى الرسمى فشل الانقلاب، وأن الجيش الوطنى الفنزويلى مع الرئيس الشرعى مادورو، وأنه سيجرى التعامل القانونى والدستورى مع هؤلاء الانقلابيين المدعومين من أمريكا. كما وجدنا وزير الإعلام فى فنزويلا، يؤكد فشل الانقلاب العسكرى ضد مادورو، وكذلك وزير الاتصالات الذى دعا الشعب فى فنزويلا لليقظة ضد أى محاولة للنيل من شرعية مادورو، واليقظة ضد محاولات أمريكا التدخل السافر فى الشأن الفنزويلي. والسؤال: ما الذى تريده أمريكا ترامب من فنزويلا؟! الإجابة الواضحة أن أمريكا ترامب، تريد الموارد والبترول والنفوذ! فالرئيس الأمريكى ترامب يمارس السياسة بمنطق التجارة، وليس بمنطق المصلحة فحسب، أى أن المقايضة فى التجارة شيء واضح، بينما فى السياسة، فإن المصالح المتبادلة تكون مشروعة وتتم بشكل دبلوماسي، وليس بصورة الرجل مفتول العضلات، مثل ترامب. فبعض المروجين لأمريكا فى وسائل الإعلام المؤممة لحساب أجهزة الاستخبارات الأمريكية، يقولون إن أمريكا هى البلد الداعم للنظم الديمقراطية، وانها ضد النظم الاستبدادية أو غير الدستورية، أو غير الديمقراطية، وكلها مصطلحات متشابهة! بل إن أمريكا ضد الانتخابات غير السليمة، وضد الانتخابات المزورة والمزيفة....الخ. إلا أن الحقيقة ليست هكذا. فأمريكا تريد فعلاً الانتخابات، بشرط أن تكون نتيجتها لصالح مرشحيها ورجالها! هى تريد نظمًا، أيًا كانت هويتها بشرط أن تحقق مصالحها بغض النظر عن ديمقراطيتها من عدمه! ولعل القارئ لأنظمة الشرق الأوسط يدرك ذلك بسهولة ودون مجهود! فتركيا غيرت دستورها من أجل استبداد أردوغان، وسكتت عنه! اذن الورقة الديمقراطية، والورقة الخاصة بحقوق الإنسان واضطهاد الأقليات، والورقة الخاصة بحقوق المسيحيين والأديان، كلها أوراق الهدف منها توظيف ذلك كآليات للتدخل والتغلغل فى الشأن الداخلى لدول بعينها تحقيقًا لمصالح أمريكية بعينها. ولم تعد أمريكا فى عهد ترامب تفرق بين صديق أو عدو، ومن ذلك أزمات ترامب المتتالية مع أوروبا، ضاربًا بالتحالف التاريخى معها، عرض الحائط، تحقيقًا لمصلحة أمريكا أولاً، حتى يستمر فى مقعده كرئيس للولايات المتحدة لفترة ثانية رغم أنه مهدد بفقدان منصبه قبل نهاية مدته الأولي! وهذه الازدواجية هى الحادثة فى التعامل الأمريكى مع فنزويلا. فهى لا تريد تكرار شافيز مرة أخري، وهو المعادى للولايات المتحدة على طول الخط، ومن ثم فلابد من ضرب فكرة أن يكون الرئيس الفنزويلى الجديد هو خليفة شافيز، فكرًا وسلوكًا. وعلى الرغم من نجاح مادورو فى الانتخابات، إلا أن أمريكا ترامب أعلنت عدم الاعتراف به، بل والاعتراف بمنافسه المعارض (غوايدو)!. وكما أن أمريكا تريد الموارد (بترول وغيره)، تريد أيضًا النفوذ فى أمريكا اللاتينية (الجنوبية)، بأن تكون كل دول القارة خاضعة تحت السيادة الأمريكية والتعليمات الأمريكية، ولا تريد أن يغرد أحد خارج السرب الأمريكي! وقد تلقت أمريكا ضربة قوية خلال الأسابيع الأخيرة بإعلان فنزويلا الانسحاب من منظمة الدول الأمريكية والبالغ عدد أعضائها (35) دولة، وهى بداية لتفكيك المنظمة وتشجيع دول أخرى على الانسحاب، وهى ضربة لأمريكا ومصالحها بلاشك. إذن نحن أمام دولة كبري، ليست لها مبادئ فى التعامل الدولي، بل هى تمارس أبشع أنواع الازدواجية، حينما تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما تساند دولاً تنتهك حقوق الإنسان، وحينما تبرر غزوها للعراق وأفغانستان، لتأسيس الديمقراطية، نجد أنها فشلت لأن هذا لم يكن القصد بل النفوذ والموارد! وحينما تتم انتخابات سليمة وتأتى برئيس معاد لأمريكا، ترفض الاعتراف به، وتعترف بالمعارض غير الشرعي! الأمر يحتاج إلى وقفة من الشعوب الحرة، وكشف الولاياتالمتحدة التى تمارس الازدواجية، وستنتصر فنزويلا، بفضل إرادة شعبها، والدعم المباشر الذى وصل إلى نقل القوات العسكرية من روسيا والصين، وبفضل مساندة الشعوب الحرة فى العالم. وآن الأوان لانكفاء أمريكا فى ظل تغيرات عالمية متسارعة. لمزيد من مقالات د. جمال زهران