يشير تاريخ مصر إلى أنها دائما ما كانت معرضة للتهديد فى أمنها القومي, سواء من محيطها الإقليمى أو القوى الكبرى فى النظام الدولي، وذلك لأنها كانت على الدوام مطمعا حضاريا، ومركزا جغرافيا استراتيجيا فريدا، ولها تأثيرها ونفوذها كدولة محورية فى المنطقة العربية وفى الشرق الأوسط، يتعدى حدودها الوطنية. ولعل أبرز ما كشفته ثورتا 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 هو ذلك التشابك والترابط الكبير وبصورة لم يسبق لها مثيل بين مصادر تهديد الأمن القومى المصرى فى دوائره المختلفة، بما يوحى أن هناك نوعاً من التماثل والتنسيق وتوزيع الأدوار بين القوى التى تقف وراء هذه التهديدات، فى تلك الدوائر والتى يمكن إجمالها وفقا لخطورتها على الترتيب: تهديد تدفق مياه نهر النيل, ففى عام 2010 قررت 6 من دول منابع النهر التوقيع, دون إرادة وضد مصالح مصر, فى مدينة عنتيبى الأوغندية على معاهدة جديدة لاقتسام موارد نهر النيل، تنتهى بموجبها الحصص التاريخية لمصر والسودان وفقاً لاتفاقيات 1929، أعقب ذلك، شروع إثيوبيا ببناء سد النهضة, الذى يشكل تهديداً خطيراً لموارد مصر المائية. وربما كان ذلك عقابا من أشقائنا فى القارة على تجاهل مصر الطويل لهم، فبعد أن كانوا عونا وسندا لمصر، صاروا مصدر تهديد مخيفا، بسبب سياسات لم تحافظ حتى على علاقتها بدول حوض النيل.. مصدر الحياة لمصر. خطر إسرائيل وعدوانها الصارخ على الحقوق العربية، فى فلسطينالمحتلة، والجولان المحتلة، وبما لها من أطماع تقليدية فى سيناء، ورغبة حقيقية فى إضعاف الدولة المصرية، فى ظل محيط عربى مفكك، تسوده الفوضى، وانحياز ودعم مطلق من جانب الولاياتالمتحدة لها. الإرهاب الذى تمارسه قوى الإسلام السياسي، ومحاولتها استنزاف الدولة المصرية، وزعزعة استقرارها، فى موجة جديدة من العنف هى الأشد مع انتشار السلاح، وتطوره النوعي، بفعل الفوضى بالمنطقة، والتى جاءت على خلفية تدمير الدولة الوطنية فى العراق، واليمن، وسوريا وليبيا، وتواطؤ أنظمة عربية؛ مثل نظام تميم بن حمد فى قطر، ونظام البشير فى السودان، ودعم قوى مثل تركيا، وإسرائيل، والولاياتالمتحدة، وغيرها. أطماع القوى الإقليمية, إسرائيل، وتركيا، وإيران، الذين يريدون تغيير موازين القوى عبر إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وفق تقسيم مذهبى وديني، يخدم مصالحهم، التى تتناقض مع المصالح الوطنية المصرية والعربية. حالة الضعف العام فى النظام الإقليمى العربي، وتهديد بقاء الدولة الوطنية العربية، بتحويلها لدولة فاشلة فاقدة لمقومات بقائها وشرعيتها الداخلية من جهة، والسيادةً المطلقة على أراضيها وإقليمها من جهة أخرى، كما هو الحال فى العراق والصومال وليبيا وسوريا واليمن، بما يعنى القضاء على النظام الإقليمى العربى لصالح قوى إقليمية أخرى، وتهديد صارخ ومباشر للأمن القومى المصري، الذى يتحقق فى محيط إقليمى عربى قوى ومتماسك. الجوار الحدودى غير المستقر, فلأول مرة فى تاريخ مصر الحديث، يصبح الجوار الحدودى لمصر فى جوانبه الأربعة مصدرا للخطر على الأمن القومى المصري. حيث تشهد الحدود المصرية مع دول الجوار تطورات تحمل الكثير من المخاطر والتحديات التى تتصاعد من آن لآخر بما يهدد الأمن القومى المصري. وهناك فى الشمال مخاطر مرتبطة بالهجرة غيرالشرعية، وبتهريب الأسلحة والمخدرات، وهى أمور كلها تهدد استقرار الدولة، خصوصًا أن مصر تخوض حربًا شرسة مع الإرهاب، وفى الوقت نفسه تواجه تحديات اقتصادية لا حصر لها. وفى الشمال الشرقى الحدود مع قطاع غزة الذى تسيطرعليه حركة حماس، صار مصدر قلق، فبغض النظر عن دور حماس المشبوه والتآمرى إبان أحداث ثورة 25 يناير 2011، وتواطئها فى دعم الجماعات الإرهابية فى مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان التى تنتمى لها، يشهد القطاع خلال هذه الفترة احتجاجات واسعة ضد الحركة، يهدد بعملية نزوح كبيرة من غزة داخل أراضى مصر فى سيناء، يساعد ويحفز على ذلك ضغط إسرائيلى متنام على القطاع. وليس بعيدا عن حدودنا الشمالية الشرقية، ما يحدث فى سوريا, تلك الدولة التى كانت وما زالت جزءا رئيسيا من الأمن القومى المصري.. هكذا يؤكد الواقع، وتجارب التاريخ. وفى الشرق , اليمن ومنطقة الخليج العربي، حيث الأطماع الإيرانية فى الهيمنة على المنطقة، وإثارة الفوضى، عبر وكلاء لها فى اليمن والعراق، والبحرين. وفى الغرب, ليبيا, تشترك مصر فى حدود برية مع ليبيا هى الأطول من نوعها, حيث تصل إلى ما يقرب من 1200 كيلومتر، والسيطرة الكاملة عليها صعبة للغاية، وهى حدود ملتهبة، ومصدر أزمة، بعد أن صارت ليبيا من أكثر النقاط جذبًا للجماعات الإرهابية، وذلك بعد سقوط نظام القذافى، ومحاولة تلك الجماعات السيطرة على السلطة هناك، مدعومين بقوى إقليمية، ترمى للإضرار بالمصالح المصرية. وفى الجنوب, السودان، حيث كان نظام عمر البشير المتحالف مع تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، والذى يقترب من الطرح الإثيوبى من قضية بناء سد النهضة، ولديه أطماع فى أراض مصرية فى حلايب وشلاتين الحدودية. وبعد إطاحة الشعب السودانى الشقيق بهذا النظام، صار أمام مصر تحد جديد يتمثل فى الحفاظ على استقرار الدولة السودانية، وبناء جسور تعاون وتحالف مع نظام الحكم الجديد، يجعل منه داعما وسندا للدولة المصرية كما كان السودان دائما. حين نتأمل هذه التهديدات لابد أن نلاحظ أنها غير مسبوقة من حيث تكتلها جميعا فى وقت واحد وخطرها الجسيم. وحجم الإمكانات المادية والمعلوماتية والتقنية الموجهة للإضرار بالدولة المصرية. والتنسيق والترابط بين مصادر التهديد المختلفة. كما أن جميعها تهديدات إستراتيجية طويلة المدى فى التأثير والتداعيات. البيئة الإقليمية والدولية الراهنة لا تخدم القدرات المصرية فى مواجهة تلك التهديدات. فى هذا السياق ، تبرز أهمية الدور المصرى فى التعامل مع كافة التهديدات، وأن تضع الدولة المصرية إستراتيجية حقيقية قابلة للتطبيق لمواجهة كل تهديد وفق مصدره، وخطره، وآليات عمله، وإمكانيات مصر. فأى غياب للدور المصرى سوف يترك مساحة شاغرة يتقدم لشغلها آخرون، ممن لا تتفق مصالحهم بالضرورة مع المصالح المصرية. لمزيد من مقالات سامى شرف