كثيرا ما كانت تلاحقنى أسئلة واستفسارات الزملاء الصحفيين ونفر من الدبلوماسيين والسياسيين الذين أعرفهم أين أنت من الجزائر؟ ولماذا لا تكتب فى مقالك فى الأهرام، أو تتحدث فى اطلالاتك التليفزيونية العديدة عن قضية أحداث الجزائر والمآل الذى ستصل إليه... وأنت الذى عشت وعملت فى الجزائر طيلة أربع سنوات مديرا لمكتب الأهرام هناك، وكثيرا ما دعونى للتحدث والكتابة لأن هناك من يريد أن يتعرف على حقيقة المشهد الخفى فى الجزائر. وكنت أرد على تلك التساؤلات أننى أكثر من كتبت وقلت عن الجزائر منذ أن وصلت إليها عام 2005 وحتى بعد مغادرتى لها فى عام 2009 وربما حتى الأمس القريب، وقبل اندلاع ثورة التغيير واقتلاع الرئيس بوتفليقة من قصر المرادية باسابيع معدودة، وهذا ما هو مسجل فى التقارير والموضوعات الصحفية فى الأهرام، وخاصة فى أثناء فترة عملى هناك وكذلك فى منصات ومحطات تليفزيونية مصرية وعربية حتى أنهم بلغوا فى الجزائر من الحساسية والضيق مداها باعتبار أن كل ما كنت اقوله منذ عام 2009 تحديدا، وبعد عودتى يصب فى خانة أن هذا بلد متراجع ويعيش حالة من الانسداد السياسى والاقتصادى والمعيشى، وأنه مازال يعيش بعقلية وتفكير الستينيات من حيث القوانين والتشريعات والتسيير والصيرورة، وحتى عقلية من يسكن قصر المرادية قبل ومع بوتفليقة. وكان هذا هو الانطباع الذى لاحقنى عندما وصلت إلى الجزائر عام 2005، وكنت اتساءل بينى وبين نفسى كيف لبلد مثل هذا يعيش على بحيرات من البترول والغاز لا تجف ولا تنضب، وهذه هى احواله، حيث سوء اوضاعه الاقتصادية والمعيشية، حيث توجد ازمات سكن وبطالة وتدن فى الدخول وتعطيل للمشروعات الاقتصادية والتجارية، وندرة فى إنقاذ البنية التحتية المتهالكة، ولا بناء ولا عمران اللهم إلا النذر والقليل، فكان يقال لى من قبل أشخاص وسياسيين وزعماء أحزاب هناك إنه الفساد يا سيدي. ولذا كنت أسجل أن أى حراك جماهيرى أو ثورات او انتفاضات ربيع عربي، وهذا مسجل ومذاع فى محطات فضائيات منذ عام 2009 لابد أن يبدأ من الجزائر، حيث كنت أرى أن قيادة بوتفليقة وحيويته وقيادته قد انتهت منذ نوفمبر عام 2005 عندما أصيب بمرض سرطان الامعاء، وتم نقله فجرا إلى مستشفى فال دوغراس فى فرنسا للعلاج وعاد بعد عدة أشهر، وقيل إنه تم شفاؤه، ولكن لوحظ أن أداءه وقيادته قد تراجعا كثيرا وضرب مرضه الجزائر كلها بالسكتة الوظيفية، حيث تعطلت الحياة السياسية والاقتصادية والانمائية إلى أن بلغ المرض مداه واشتد عليه منذ منتصف عام 2011 ووصل ذروته عام 2012، حيث أصيب بالسكتة الدماغية وغيب عن الحياة والواقع تماما بعدها مباشرة إلا أن فريق القصر وشقيقيه السعيد وناصر اللذين كانا يحملان أختام الدولة ويسيران اوضاعها بجانب فريق من رجال الأعمال الكبار الذى لا يتجاوز اعدادهم عشرة أفراد ويمثلون كبار القطط السمان هم من كانوا يسيرون ويحكمون الجزائر من خلف الستار ويوقعون القرارات، ويصدرون المراسيم . وأتذكر أن لى أكثر من مقال فى هذا المكان بعد ثورة 25يناير عام 2011 هنا من مصر كنت أرد فيه على أحمد أو يحيى رئيس الحكومة، وهو بالمناسبة الرجل القوى الثانى فى الجزائر بعد بوتفليقة والذى تولى رئاسة الحكومة خمس مرات منفصلة ومتتالية، حيث كان يعد بقوة لخلافة بوتفليقة, وأتذكر أن اول رؤية لشخصه عندما وصلت الجزائر بعدة أيام معدودة عام 2005 أن رأيته يلقى بيان الحكومة فى البرلمان الجزائري، وهو يضرب بكلتا يديه منضدة البرلمان الجالس فوقها، ويحذر الجزائريين أنه رجل العمليات القذرة الأول فى الجزائر من اشارة إلى أنه سوف يلجأ إلى كل الحيل والأساليب لقتل وتعقب الارهابيين ليمنع أى عودة لسنوات العشرية السوداء إلى الجزائر مرة أخري. وعندما خاطب الجزائريين بعنف محذرا من انتقال عدوى ثورة الربيع العربى فى مصر وتونس إلى بلاده بعد عام 2011 قائلا إن الجزائر ليست مصر أو تونس كتبت هنا وتحدثت فى لقاءات تليفزيونية ردا عليه أن الثورة والغضب سيقعان لا محالة فى الجزائر حيث إن هذا الأمر تأخر كثيرا ولعدة سنوات، حيث إنه كان من المفترض أن تكون الجزائر أول دولة تشهد مثل هذه الثورات، حيث إن بوتفليقة وأويحيى وغيرهما كثير ظلموا الجزائر والجزائريين عندما عطلوا البلاد وأفقروا العباد هناك ستأتى ساعة الحساب لهم، حيث جعلوا الجزائر صراحة بلدا كان ومازال يعيش خارج سياق التاريخ، حيث النهب والفساد الممنهج كان قاعدة حاكمة لجماعة وعصابة بوتفليقة الحاكمة.. وأتذكر وأنا اغادر الجزائر أن كان حجم الاحتياطى المالى بلغ 360 مليار دولار بسبب ارتفاع اسعار البترول عالميا ثم فجأة مع اندلاع احداث ثورة الجزائر فى الأشهر الثلاثة الماضية قرأت أن الاحتياطى قد تناقص ليصل إلى 80 مليارا فقط دون أن تقام المشروعات أو إنجاز أى نجاحات حتى أن أحدهم قال لى الاسبوع الماضى إن الجزائر التى تركتها عام 2009 ظلت كما هى حتى الآن دون أى تغيير يذكر منه والجزائر الكبير لم ينجز بعد وحجم بوتفليقة الكبير لم ينجز أو يتم الانتهاء منه منذ 13عاما وأزمة السكن تفاقمت وازدادت بؤسا والمواطن الجزائرى ازداد فقرا. وعندما سألته عن أموال الاحتياطي، وأين ذهبت؟ قال إن تلك مسئولية عصابة بوتفليقة التى جرفت البلاد بالكامل. أعتقد أن بوتفليقة هو الذى اختار تلك النهاية البائسة لنفسه مثل بعض الزعماء العرب السابقين الذين اطاحتهم ثورات الربيع العربي، حيث كان الرجل يدرك تلك النهاية المأساوية لتاريخه ومجده الذى تحطم على صخرة الطمع والانسياق وراء نزوات المحيطين به للبقاء فى القصر والحكم لولاية خامسة، وهو المريض العاجز القائل فى آخر ظهور، وحديث له، فهو لاية سطيف شرق الجزائر عام 2012 باللغة العامية الجزائرية جيلى طاب جنانه أى جيله انتهى مات من مات منه والباقى اصابه الكبر والخرف، ولابد عليه أن يرحل هو الآخر، ولكنه لم يفعل ولا أنسى عندما استمعت اليه فى أحد خطبه بالجزائر أن الفساد أصبح شجرة وارقة الظلال هناك، وأنه إما أن يقطعها أو يهزم ويترك الساحة لهم.. ليته قد فعل بدلا من أن يقتلعه الشارع ليكتب نهاية مأساوية لتاريخ أحد اساطين وأمهر السياسيين هناك. لمزيد من مقالات أشرف العشرى