حين صوت بنعم على التعديلات الدستورية الأخيرة كنت أفوض واعياً الرئيس عبد الفتاح السيسى لقيادة مصر فى المرحلة القادمة. من جهة، تقديراً لدوره التاريخى والوطنى والجسور, قائدا للجيش, فى إسقاط حكم الفاشية التكفيرية والإرهابية بقيادة جماعة الإخوان, ليس لمجرد إخفاقاتها، وإنما استيعاباً لحتمية اقتلاع جذورها ووأد مشروعها المهدِد لوجود مصر، دولةً ووطناً وأمةً وهويةً. وثقةً فى قدرته, رئيساً لمصر, على الإنجاز؛ كما برهن بتنفيذه إصلاحا ماليا ونقديا محتوما وإن كان أليماً، وإنجاز مشروعات بنية أساسية كبري، بيد تبنى ويد تحارب الإرهاب، مثل: قناة السويس وربط سيناء بالوادي، والطاقة التقليدية والنووية وشبكة الطرق والكباري، والعاصمة الإدارية والمدن الجديدة. وأضيف مأثرة العلاج المجانى لفيروس سى الفتّاك، وتوفير التابلت لتطوير التعليم، والبناء غير المسبوق للمسكن اللائق البديل للعشوائيات. وبجانب ما سبق، الذى حقق لمصر والمصريين استقراراً سياسياً وبنيةً تحتية وتوسيعاً للمعمور وتشغيلا للعاطلين، واستجاب للحاجات الأساسية للصحة والتعليم؛ فانني, من منظور المستقبل, قد وافقت على تمديد رئاسة السيسى انطلاقا من يقينى بأنه القادر على قيادة تصنيع مصر، الذى لا غنى عنه لتعزيز الأمن القومى والأمن الإنسانى للمصريين، وإدراكى أن قفزة التصنيع الأهم تحتاج الى عقد من الزمان على الأقل. وأسجل، أولاً: ما كتبته وأكرره، أقول: إنه بغير التصنيع لن يتحرر اقتصاد مصر ولن نعرف تنمية اقتصادية واجتماعية وإنسانية مستدامة، ولن تتوافر لشباب مصر حياة كريمة بفرص عمل عالية الانتاجية والدخل بلا حدود، ولن تقتلع جذور اختلالات الميزان التجارى، والدين العام. وبغير التصنيع لن تتحقق غايات استراتيجية التنمية المستدامة، وأهمها: اختلال هيكل الاقتصاد. وثانيا، أن هيكل الناتج المحلى الاجمالى يكشف تأخر تصنيع مصر وتعاظم فجوة الغذاء، وينعكس فى التركيب السلعى للتجارة الخارجية، التى تعتمد على صادرات ريعية متقلبة هى تحويلات العمالة والدخل من السياحة وايرادات قناة السويس وعائدات تصدير النفط والغاز، بدلا من الاعتماد على صادرات الصناعة التحويلية. كما يكشف هيكل الناتج المحلى الاجمالى عدم تمتع الصناعة بالقدرة التنافسية فى سوق محلية وخارجية مفتوحة، وبالمرونة اللازمة لتلبية الطلب المحلى المتزايد والاستفادة من فرص التصدير. ورغم الجهود الواجبة للتوسع الأفقى والرأسى للزراعة، فان المتاح والمتوقع من المياه العذبة للزراعة لا يسمح فى أفضل الأحوال بغير رفع نسب الاكتفاء الذاتى من السلع الغذائية، خاصة فى ظل معدل الزيادة الكارثى لعدد السكان، فضلا عن الاحتياجات المتعاظمة للتنمية الشاملة المنشودة. ويقينا فان قدرات مصر تؤهلها لأن تكون دولة صناعية متقدمة, تتمتع بالأمن الاقتصادى القومى والإنسانى. ولاجدال فى أن الجدوى الاقتصادية للمشروعات الكبرى للتوسع العمرانى والبنية الأساسية تتحقق وتتعاظم بضمان التناسب والتوازن بين الاستثمار فيها والاستثمار فى مشروعات الصناعة التحويلية. وثالثا، أنه على مصر للارتقاء بالتصنيع، أن تنبذ وأد قطاع الأعمال الخاص الكبير كما جرى فى الستينيات، وأن تنبذ فى ذات الوقت إضعاف قطاع الأعمال العام الصناعى كما جرى منذ السبعينيات. وبوجه خاص، ينبغى الانطلاق من حقيقة أن الدولة قد نهضت فى كل مكان بدور رئيسى فى عملية التصنيع لتحقيق أهداف التنمية، وتعزيز الأمن الاقتصادى القومى والإنساني، ولا يتحقق هذا بإلغاء أدوار السوق والقطاع الخاص، وإنما بالتكامل معها، وللتغلب على اخفاقاتهما. وفى هذا السياق، يجدر أن أنوه بتشديد الرئيس السيسى على أهمية دور قطاع الأعمال العام فى عملية التنمية الشاملة، ومطالبته بحسن إدارة الأصول المملوكة للدولة لتعظيم المردود الناتج منها لصالح الاقتصاد الوطني، وتوجيهه بمواصلة جهود تطوير شركات قطاع الأعمال العام. ويجدر هنا تسجيل أن هذه الشركات، رغم نهوضها بأعباء دورها فى تحقيق الاستقرار الاجتماعى والسياسى والأمني، ورغم تراجع الاستثمار فى تجديد وإحلال أصولها، بلغ صافى أرباحها خلال العام المالى 2017/2018 نحو 11.3 مليار جنيه مقابل 7 مليارات فقط خلال العام المالى 2016/2017، ومن المتوقع أن ترتفع الى اكثر من 20 مليار جنيه خلال 3 سنوات. ورابعا، أنه بين الأخبار الملهمة، التى حملتها الشهور الأخيرة والمتعلقة بتصنيع مصر تحت قيادة السيسي، تأكيد الرئيس عزم الدولة على تطوير مصانع الغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال العام، من خلال تحديث الآلات والمعدات ورفع كفاءة المعدات الحالية بالاستعانة بخبرة كبريات الشركات العالمية فى هذا المجال، وفق أفضل العروض الفنية والتمويلية، والدعم الفنى والتدريب، وميكنة إجراءات العمل، وتأهيل وتدريب العنصر البشرى لرفع كفاءتهم ومهاراتهم. وكما أوضح هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام فان قطاع الغزل والنسيج سيتم تطويره بالكامل، وستتكلف عملية التطوير 24 مليار جنيه، وسيتم احياء هذه الصناعة من الصفر! وبالتوازى مع هذا والتكامل معه، أسجل خبر بدء البنوك تنفيذ تعليمات البنك المركزى بوقف منح أو زيادة التسهيلات الائتمانية للانشطة التجارية فى اطار مبادرة البنك المركزى لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتركيز على القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، بما يحقق النفع والدعم لنمو الاقتصاد القومي، ويحقق التنمية المستديمة والإسهام الفعال فى تحقيق أهداف الدولة. وتأتى هذه الخطوة الرشيدة للبنك المركزى بعد أن كشفت البيانات أن حصة الأنشطة التجارية بلغت نحو 58% من التمويل المصرفى عام 2018. وقبل استكمال تناول مهام تصنيع مصر بقيادة السيسى بما تتضمنه من تحد واستجابة، أسجل هنا أن الأخبار التى أشرت اليها تستجيب لما تؤكده تقارير منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية. أقصد أنه على الدولة أن تنهض بأدوارها لإزالة العقبات أمام التصنيع، وتصحيح إخفاقات السوق؛ بتعزيز السياسات الصناعية باعتبارها جهة منظمة؛ تضع التعريفات الجمركية والحوافز المالية؛ وجهة ممولة؛ تؤثر على سوق الائتمان وتخصيص الموارد المالية العامة والخاصة للمشاريع الصناعية؛ وجهة منتجة تشارك مباشرة فى النشاط الاقتصادى من خلال المؤسسات المملوكة للدولة، وجهة مستهلكة تضمن سوقا للصناعات الاستراتيجية من خلال المشتريات الحكومية. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم