بالصلوات وقلوب السعف، كنائس وأديرة بني سويف تحتفل ب أحد الشعانين (صور)    شروط التقديم لشغل 18886 وظيفة معلم مساعد    جامعة السويس تستضيف مهرجان الأنشطة الطلابية    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    نقيب أطباء مصر: لن نقبل بحبس الطبيب طالما لم يخالف قوانين الدولة    بعد قليل.. الإعلان عن مسابقة معلم مساعد مادة بجميع المحافظات    بانخفاض 15 جنيهًا، انهيار سعر البيض بالأسواق وهذه أسعار الدواجن اليوم الأحد    ضربات متتالية، سعر الجنيه الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    جهاز "المنصورة الجديدة" يكشف حقيقة تخصيص أراض بنشاط "كمبوندات سكنية" بالمرحلة الثانية    البورصة المصرية ترتفع هامشيًا وسط قيم تعاملات منخفضة بمستهل التعاملات    السيسي: 90% من الكابلات البحرية عالميًا تمر من مصر    توريد 57 ألف طن قمح لشون كفر الشيخ    الرئيس الفلسطيني: إسرائيل دمرت 75% من قطاع غزة    روسيا تعلن تدمير أكثر من 17 طائرة بدون طيار أوكرانية    مصادر فلسطينية : مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى    السفير الروسي بالقاهرة: مشروع الضبعة النووية رمزًا للصداقة بين موسكو والقاهرة    إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويصيب 33 آخرين في «قوانجتشو» الصينية    ليفاندوفسكي يغازل مدرب ريال مدريد بهذه التصريحات    أسطورة أستون فيلا: مو صلاح ليس لاعبا بديلا وكلوب يسبب المشاكل    الدوري الألماني، هاري كين يتمسك بأمل معادلة رقم ليفاندوفسكي    لم أرَ لمسة اليد.. مخرج مباراة الأهلي ومازيمبي يفجر مفاجأة بشأن تدخله في الهدف الملغي    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    إحباط محاولة بيع كمية من الدقيق البلدي المدعم في السوق السوداء بقنا    جريمة الدارك ويب، قائمة الاتهامات للقاتل والمحرض على قتل طفل شبرا    ضبط ميكانيكي استولى على مشغولات ذهبية من داخل سيارة بالهرم    رئيس أزهرية كفر الشيخ يتابع سير امتحانات النقل الثانوي    بالأسماء.. 24 مصابًا في حادث تصادم بصحراوي أسوان    احباط محاولة بيع كمية من الدقيق البلدي المدعم في السوق السوداء بقنا    "ضد الجمال" على طاولة صالون الرواق الفلسفي بمكتبة مصر الجديدة    السيسي: صرفنا مليارات الدولارات على الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات لهذا السبب    "الغردقة لسينما الشباب" يفتح باب الاشتراك في دورته الثانية    مصطفى قمر مفاجأة حفل علي الحجار ضمن مشروع «100 سنة غنا» الليلة    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    فرع الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستعد للحصول على اعتماد JCI الدولي (صور)    "الوثائقية " تعرض ندوة نادرة للفنان الراحل نور الشريف احتفاءًا بذكرى ميلاده    جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    (الإدارة العامة للمرور تتمكن خلال 24 ساعة من ضبط 21866 مخالفة متنوعة    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    أمطار رعدية وبرودة ليلا.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم حتى نهاية الأسبوع (تفاصيل)    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    وزير المالية: آخر فرصة للاستفادة من مبادرة سيارات المصريين بالخارج .. غداً    البوصلة    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    أنا وقلمى .. القادم أسوأ    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتماء بمثلث مشمس

بعد يومين من وصوله اختفت البهجة‏,‏ انسحب الجو الاحتفالي الذي صاحب تعليقاته عن انني ازددت طولا وجمالا‏,‏ وأن صوت اخي أصبح أكثر خشونة‏,‏ وظهرت له تفاحة آدم‏,‏ انتهينا من قياس الملابس الجديدة‏,‏ وتذوق الشيكولاته الماكينتوش والملبن بالفستق‏,‏ وخفتت احاديثه عن الرياض‏,‏ الصحراء التي تحولت إلي مدينة‏.‏
صحوت في الليل علي همس ينبعث من الظلام أعقبه صمت ثقيل‏,‏ شعرت بتهديد مبهم لاأعرف كنهه لكنني رجحت مصدره‏,‏ حاولت النوم لكنني استيقظت مرة أخري علي مناقشات مكتومة وراء باب غرفة النوم المغلق‏,‏ علا فجأة صوت امي‏,‏ فتوسل إليها بصوته المتعب‏,‏ وطي صوتك علشان البنت الصغيرة‏.‏
كان اخي يقف امام بابهما المغلق‏,‏ ثم يعود بحكايات عن خلافات عائلية‏,‏ أهرب من سماعها‏,‏ وافضل ان يظل ذلك العالم نائيا‏,‏ ولم يكن شيء في تلك اللحظة قادرا علي محو قلقي إلا الاحتماء بعالمي‏,‏ في المثلث المشمس من سجادة الصالون‏,‏ اجلس‏,‏ معي فلة وعرائسي‏,‏ السكينة تفترش المكان‏,‏ حتي الاصوات الآتية من الشارع تتلاشي أو تكاد‏.‏
خرج ابي وحده لزيارة اقاربه وعلا صوتها في المطبخ مرة أخري‏,‏ فانكمشت‏,‏ بينما عادت فلة لاخي وانتهي اماني الهش‏.‏
أسفل السلم الخلفي انتبهت إليها لأول مرة‏,‏ كنت ألعب وحدي فتحي ياوردة وكانت شيرين قد تركتني منذ فترة‏,‏ ظهرت هكذا مرة واحدة‏,‏ فتوقفت عن اللعب وحدقت فيها‏,‏ بدت نظيفة رغم قدومها من الشارع‏,‏ ترفع إلي عينين عسليتين بنظرة اقرب إلي الكبرياء‏,‏ فعرفت انها تربية بيوت‏,‏ لكنها لسبب ما لجأت إلي الشارع‏,‏ اقتربت منها لم تحفل‏,‏ داعبت رقبتها البيضاء‏,‏ فرفعت ذيلها وأصدرت صوتا يدل علي سعادة‏,‏ حملتها بين يدي فلم تتملص احضرتها أخيرا إلي المنزل‏,‏ قطتي‏,‏ فدائما مايحضر أخي القطط وتسمي باسمه في البداية‏,‏ حتي نطلق عليها اسما‏,‏ حاولت تنفيذ تعليماته بدقة بشأن تربية القطط ولكنني كنت أخطئ أو أتأخر‏,‏ فيسبقني هو‏,‏ اغضب فيذكرني بامرأة دخلت النار في قطة حبستها‏,‏ فيزداد بكائي‏.‏
وضعتها امام الباب الخلفي‏,‏ احضرت لها علبة زبادي قديمة بها لبن‏,‏ بدت عطشي وهي تلعق بلسانها في ضربات صغيرة متتالية‏,‏ طلبت من اخي ان يستأذن أمي في الاحتفاظ بها‏,‏ وانتظرته في الشرفة‏,‏ صرخت كالعادة رافضة‏,‏ ثم تراجعت حين رأتها‏,‏ مخلوقا ضعيفا‏,‏ وتربيتها ثواب‏,‏ فارسل لها قبلة في الهواء‏,‏ وأسرع لينفذ الموافقة قبل ان تتراجع‏.‏ أثبتت قطتي انها تربية بيوت راقية‏,‏ تقضي حاجتها في الكرتونة المليئة بالرمل أمام الباب الخلفي‏,‏ وتنام بجوار اخي تحت الاغطية‏,‏ وحين تعطش تقف علي حوض الحمام وتموء‏,‏ فنفتح لها الصنبور‏,‏ وتتقاسم معنا الجبن الرومي في الإفطار والكيك المنزلي الذي تصنعه امي كل خميس‏.‏
بعد شهر سماها أخي فلة‏,‏ وحين حاولت ان احممها في الحوض كما يفعل فزعت وجرت‏,‏ فتساقط الماء بطول المنزل‏,‏ وصرخت امي في وجهي‏,‏ وابتسم هو‏,‏ فبكيت حتي أحمرت عيناي‏,‏ في اليوم التالي قال إن القطط تكره الماء‏,‏ ودعاني ان اشاهده وهو يحممها برفق ويأخذها إلي السطح ويتركها تحت الشمس حتي تجف فروتها وتصير لامعة وكثيفة كقطط الكروت الملونة‏.‏
اعتادت فلة ان تلعب معي علي مثلث السجادة المشمس حتي يحضر هو‏,‏ فتلتصق به وترافقه ككل القطط التي ربيناها‏,‏ وحين ينشغل عنها أو يخرج تعود لي مرة أخري‏,‏ غضبت‏,‏ فهذه قطتي‏,‏ وتشاجرت معه عليها‏,‏ ولم ننتبه في فورة الخناق لأمي التي وقفت علي مقربة وهي تضع يديها في وسطها وتنادي البواب في صرامة‏:‏
خذ القطة دي بعيد عن هنا‏!‏
ثم أشارت بيدها إلي الخارج‏.‏
بعد نصف ساعة عاد البواب يلهث‏,‏ وقال انه رماها خلف الجمعية الاستهلاكية في شارع البادية‏,‏ علي مبعدة اربعة شوارع من شارع الميرغني‏,‏ بينما لم يشعر أحد سواي بها حين خربشت الباب الأمامي بأظافرها‏,‏ وحين فتحت لها‏,‏ دخلت مسرعة كالسهم‏,‏ واختبأت في فراش اخي‏,‏ وبينما كان البواب يتكلم مع امي وقفت فلة بين قدمي البواب في تحد‏,‏ فقال في خجل‏:‏
العفريتة‏,‏ اصل القطط بسبعة أرواح‏.‏
صارت فلة مهزومة‏,‏ كسولة وثقيلة الحركة‏,‏ لم تعد متحمسة للعب والركض‏,‏ كانت خائفة‏,‏ كان مافعله البواب مائلا في ذهنها‏,‏ وعندما شعرت ان الأمر ربما يكون خطيرا‏,‏ تجنبت السؤال وخمنت انها مريضة ولجأت إلي المثلث المشمس من سجادة الصالون وظللت وحدي‏.‏ كانت فلة تفتح فمها كثيرا كأنها ستتقيأ‏,‏ فأدخلها اخي إلي الحمام‏,‏ بينما كانت امي مع تانت زينب في الشقة المقابلة تشربان القهوة‏,‏ وبعد نصف ساعة‏,‏ كانت ترقد منهكة علي الاقمشة الملوثة بسوائل بنية‏,‏ بجوارها قطتان رماديتان مغمضتي العينين تموءان بضعف‏,‏ فعرفت انها تقيأت القطتين من فمها‏.‏
بعد ولادتها بشهرين اختفت فجأة‏.‏
كنت في الثالثة عندما اختفت اول قطة ربيناها سألت امي عنها‏,‏ فأخبرتني انها راحت لمامتها‏,‏ وكنت أتناسي صوت الطلقات التي اسمعها عشية اختفاء القطط‏,‏ وأقنع نفسي بأنها ذهبت لامهاتها‏,‏ لكنني كنت اؤجل السؤال لبعض الوقت خشية ان تتعثر يدي بطرف خيط يفجر علي اوجاعا لانهاية لها‏.‏
فاجأنا أبي ذات صباح خماسيني خانق بعودته من السفر‏,‏ لم يخبر احدا بحضوره‏,‏ دخل مستندا علي ذراع البواب وتهاوي علي اقرب معقد للباب‏,‏ خفت حين بدا لي فجأة عجوزا متعبا‏,‏ ببشرته الصفراء الشاحبة‏,‏ ونظرته الغائبة كأنه لايعرفنا‏.‏
في الإجازتين السابقتين بدا لي مريضا‏,‏ ولم تعد البهجة تصاحب حضوره‏,‏ حتي صراخ امي اختفي وحل محله شعور اقرب للحنان القلق‏,‏ وساد البيت في الفترة التي تلت عودته صمت ثقيل‏,‏ لم تكن هناك قطة بعد ان اقلع اخي عن تربية القطط‏,‏ ولا عرائس بعد كبرت علي اللعب بالعرائس‏.‏
اصبحت غرفة ابي التي احتلها وحده بثقلها وظلمتها مكانا مخيفا‏,‏ لاأقترب منها إلا للضرورة‏,‏ يتملكني رعب خرافي‏,‏ اهرب منه بالقراءة‏,‏ وأتجنب الاستماع إلي همهمات امي القلقة مع اخي‏,‏ لا أسعي إلي تفسير للإيحاءات الغامضة‏,‏ فقط أهرب من كل مايدفعني للنظر إلي الهاوية‏,‏ حتي شعرت ذلك الصباح بعيون امي تراقبني‏,‏ كانت جالسة علي حافة الفراش‏,‏ في وجهها شيء مختلف لم استطع تحديده‏,‏ صوتها خشن وهي تطلب من ان استعد لأن البواب سيصطحبني لبيت تانت نادية‏,‏ شيء كالنذير في صوتها دفعني للذهاب دون سؤال‏.‏
لأسبوع ظل أخي يحدثني يوميا للاطمئنان علي‏,‏ يقول ان امي ترافق ابي في المستشفي‏,‏ لكنني كنت أشعر ان الأمور تزداد سوءا‏,‏ لكنني تواطأت مع الجميع‏,‏ اخي وتانت نادية وزوجها‏,‏ وجدتني أميل إلي تصديق انه مازال مريضا وحين قالت تانت نادية ان الموت علينا حق‏,‏ فزعت وغيرت الموضوع‏,‏ وعاودني اختفاء القطط‏,‏ ازددت شرودا‏,‏ بينما كان الجميع يحومون حولي في انتظار لحظة مناسبة للمكاشفة‏,‏ احتميت من المعرفة الجارحة بوحدتي الكثيفة حتي استعذبتها‏,‏ وحين جاء اخي ليعود بي إلي المنزل‏,‏ كان يسير بجانبي في صمت علي غير عادته‏,‏ وكنت كأنما اسير في هذا الطريق لأول مرة‏,‏ في وحشة ماقبل المغرب‏,‏ والضوء الذي ينير السلم به طيف ازرق‏,‏ وحشرجة مفزعة تأتي من ميكروفون الجامع قبل الأذان‏,‏ وحين فتح الباب علي وجه امي‏,‏ عرفت كل شيء‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.