يبدو البيان الصادر عن الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكرى الانتقالى مخاطبا مشكلات الوضع الراهن إلى حد كبير، وذلك نظرا لكونه حدد صلاحيات المجلس العسكرى على نحو دقيق وأشار إلى وجود حكومة مدنية تستصحب الفترة الانتقالية بعد أن نجح الحراك السياسى السودانى فى إزاحة الرئيس البشير، وذلك بعد أربعة أشهر تقريبا من الصمود فى الشوارع، تحت مظلة تحالف سياسى واسع, قوى الحرية والتغيير والتى تضم إلى جانب الأحزاب السياسية، والحركات المسلحة ومنظمات المجتمع المدنى، تجمع المهنيين وهو تكوين حديث من أجيال الوسط عابر للنقابات المهنية السودانية فى الداخل وأكاديميين ودبلوماسيين سابقين فى الخارج. ويمكن القول إن الوضع الجيوسياسى الحساس للسودان قد لعب دورا كبيرا فى تمكين الرئيس المخلوع عمر البشير من ممارسة مراوغات، وتكتيكات للاستمرار فى الحكم على مدى الشهور الماضية، ذلك أن السودان يمتلك ساحلا ممتدا على البحر الأحمر، وهو بلد مؤثر على منظومة الأمن فيه وسلامة التجارة العالمية، كما أنه بلد مشارك فى قوات دعم الشرعية التى تحارب فى اليمن، يضاف إلى ذلك هو بلد مؤثر على الأوضاع الأمنية فى كل من ليبيا وتشاد ومجمل دول إقليم الساحل الإفريقى، من هنا يمكن تفهم تبنى الإقليم مبادرات الخروج الآمن للرئيس وزمرته مقابل انتقال سلس للسلطة فى السودان لايؤثر على عافية مؤسسة الدولة السودانية, وبالفعل تم التواصل مع الرئيس البشير فى هذا السياق منذ عام 2015 من الجانب الخليجى وبرزت محاولة لعدم ترشحه فى انتخابات ذات العام، وتكررت هذه المحاولة مرة ثانية فى الأسبوع الأول من اندلاع الاحتجاجات من الجانب المصرى، ومع عدم اتخاذ المجتمع الدولى موقفا حاسما ضد البشير للاعتبارات الجيوسياسية، والرغبة الإقليمية فى عدم وجود فراغ بالسلطة فى السودان. لكن الرئيس المخلوع مارس مراوغاته المعهودة، واعتبر أن الحرص الإقليمى والدولى على عدم وجود فراغ فى السودان يسمح له بالاستمرار فى السلطة. وقد أخذت مراوغات البشير مسارين أحدهما داخلى والآخر إقليمى، على المستوى الداخلى كان أخطر هذه المراوغات محاولة تقسيم الحراك المضاد لنظام حكمه على أساس عرقى فى محاولة لزرع الشقاق بين إقليم دارفور ووسط السودان وكان ذلك من الممكن أن يتسبب فى كوارث إنسانية لولا وعى قادة الحراك الجماهيرى السودانى. وقد لجأ البشير إلى فك الارتباط مع حزب المؤتمر الوطنى الحاكم اعتبارا من 22فبراير الماضى، وفرض قوانين الطوارئ والتوسع فى الاعتقالات السياسية ضد المعارضين السياسيين والنشطاء، على أن التطور الأهم والذى كان من الممكن أن تنزلق معه السودان إلى مواجهات داخلية مسلحة هو الاعتداء اليومى على جموع المتظاهرين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة من 7إلى 10إبريل من جانب قوات الأمن الشعبى وهى الميليشيا التابعة للحركة القومية الإسلامية التى حكمت السودان اعتبارا من 1989 وحتى الآن، وهو الهجوم الذى أسفر عن وقوع شهداء، وأيضا تسبب فى الانتباه الإقليمى والدولى إلى أن استمرار البشير فى الحكم هو الذى سوف يسفر عن الفوضى السودانية المؤثرة سلبا على الأمن فى إقليم ملتهب وليس العكس. وتحت مظلة هذه التفاعلات الساخنة فى السودان يبدو أن احترام خيارات الشعب السودانى، وقياداته السياسية هو الطريق الأفضل للحفاظ على مؤسسة الدولة، وخصوصا أن الحراك الاحتجاجى يملك خبرات تاريخية فى التغيير السياسى السلمى خلال النصف قرن الماضى، وأن هذا الحراك وقياداته يعى حجم التحديات الاقتصادية الماثلة أمام أية حكومة سودانية قادمة، وأخيرا فإن الشخص الذى تم الاستقرار عليه لقيادة المرحلة الانتقالية هوالفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن الذى يعد عسكريا محترفا، ولايملك لا ولاء إيديولوجى، للحركة القومية الإسلامية، ولاعلاقات مع حزب المؤتمر الوطنى الذى كان حاكما فى السودان. على القاهرة واجبات دعم الدولة السودانية على الصعيد الاقتصادى فى المشروعات المؤجلة ومنها الربط الكهربى وإنشاء المخابز والدعم بالدقيق، والتواصل مع النخب المدنية من جامعات ومراكز فكر وتفكير حتى يكون التفاعل المستقبلى بين مصر والسودان يملك شروط النجاح، خصوصا وأن هناك اتفاقات وبروتوكولات تعاون فى إطار اللجنة العليا المشتركة، وأن هناك اتفاقات مماثلة بين الجيشين المصرى والسودانى فى إطار محاربة الإرهاب وضبط الحدود. لمزيد من مقالات د. أمانى الطويل