وفقا لمختلف التقديرات وقوائم الأكثر مبيعا والأكثر قراءة، ومنها مبيعات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى عيده الخمسين، هناك ثمة توجه واضح فى سوق الأدب مفاده أن المجد عاد للرعب وروايات الفانتازيا. وبعد مرور عام على غياب العراب، أحمد خالد توفيق، بات نمطه الأدبى المازج بين الفانتازيا مع إطار من التشويق والرعب غير المبتذل، من الأكثر رواجا إن لم يكن الأكثر على الإطلاق. وزاد الأمر أهمية مع صعود جيل جديد من أدباء هذا النمط يطرحون فى السوق اجتهاداتهم التى أصبحت تلقى استقبالا إيجابيا من شباب القراء. وقائمة المجتهدين الجدد تتضمن شبابا مثل محمد عصمت صاحب أعمال مثل «باب اللعنات»، والإذاعى أحمد يونس صاحب رباعية «نادر فودة»، وهناك طبعا التجربة الخاصة ل «المخوفاتية»، التى تتأرجح ما بين تجربة رابطة تجمع كتاب هذا النوع من الأدب ومحبيه فى ندوات دورية لمناقشة مختلف المفاهيم والقصص المرتبطة بهذا العالم، وبين تجربة أدبية شارك بها أكثر من كاتب فى عرض قصص «الرعب الجديد». بروز هذا النمط الأدبى بعد ما مر بالمشهد المصرى من تحولات حادة وسريعة خلال العقد الأخير يبدو غير منطقي. إلا أن تحليل الظاهرة ومطالعة أغلب ما كتب عنها يكشف عن أن ذلك البروز يبدو منطقيا جدا، وله أسباب وجيهة. أول الأسباب وأهمها وهى أيضا الأكثر استدامة وثباتا، النزعة الغريزية لدى الإنسان والتى لا تفتر ولا تنقرض وإن انزوت أحيانا لتعود مجددا. فوفقا لأحد أباطرة كتابة الرعب والتشويق فى العالم ستيفين كينج، تكمن جاذبية أدب الرعب عبر الأزمنة فى كونه «يقدم بروفة لمماتنا»، ما يعنى أن المرء يطالع أدب الرعب بتلك الغريزة الراسخة، غريزة الفضول للإطلاع على ما يكون الموت عليه، أو بمعنى أدق الاقتراب من اعتاب الموت دون تخطيها. الفضول للتعرف على كل ما هو مجهول، ويمكن بغرابته أن يشكل تهديدا بالنسبة للإنسان. ولكن انحصار هذه الغريزة وعودتها بتلك القوة التى تكشفها قوائم الأكثر مبيعا، لها أسباب ظرفية مرتبطة بملابسات حاضرة. أهم هذه الأسباب، المجتهدون الجدد من الكتاب الذى يقدمون حاليا الطفرة فى إنتاج أدب الرعب. وهذا الجيل من الكتاب هو تحديدا من تمنى «العراب» أن تكون لافتة قبره عنهم، وأن يقال عنه «إنه جعل الشباب يقرأون». فقراء روايات العراب ومقالاته، مزجوا ما بين إرث قراءة غنى وفريد لم يكن له شبيه، حقا، فى العالم العربي، وما بين ما منحتهم إياه تجربة العولمة والتواصل التكنولوجى والانفتاح المعرفي. امتزج هذا كله وشجع على خروجهم كجيل جديد لكتاب أدب الرعب. فهذا النوع من الكتابة تحديدا يتطلب الإلمام بجوانب معرفية متعددة قبل الشروع فى محاولة إنتاجه. هذا الإرث والإعداد الفائق أسهم فى تقديم نصوص جيدة ساعدت أكثر فأكثر فى إحياء أدب الرعب. فذلك النمط الأدبى تحديدا قد يسقط صريعا إن لم يكن مشروع الكتابة نتاج معرفة وبراعة، وإلا تحول إلى نص هزلى فاشل فى جذب الاهتمام والفوز باقتناع القارئ ومتابعته. ومن أسباب الصحوة أيضا، التجديد، فهناك مزج واضح ما بين القصص الواردة فى الإنتاج الجديد من أدب الرعب، وما بين القضايا العلمية والاجتماعية والفلسفية المطروحة حاليا. فالغرض ليس المتعة وحدها. وإن كان حتى لو تم اقتصار غرض النص على ذلك، لكفاه. ولكن هناك وعيا واضحا فى رصد كثير من القضايا الحاضرة. ويضاف إلى ما سبق عنصر آخر. وهو محاولة الانفصال. فمقابل الإقبال الواضح على أدب الرعب، هناك تراجع واضح أيضا فى الاقبال على الإنتاج التاريخى والسياسى فى عالم الكتب. وذلك نتيجة لحالة التشبع التى بلغها القارئ محليا إثر السنوات الأخيرة التى بلغ فيها أصوات الجدل السياسى والاجتماعى عنان السماء، ومع التحولات السريعة التى عايشها جيل القراء الشباب خلال هذه السنوات، كانت فكرة الهروب إلى نص ليس منفصلا عنه، لكنه أيضا ليس واقعيا كليا، فكان المراد. الهروب والتجديد وإرضاء غريزة الفضول ومقاربة حافة الموت دون القفز منها. بعض أسباب الظاهرة، عادت بقوة لتبقى طويلا.