تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بدعوتها للمشاركة في إدارة مدنية بغزة    مستشار رئيس فلسطين: سنواصل النضال الدبلوماسي حتى نيل حق العضوية الأممية الكاملة    عاجل - الخارجية الأمريكية تعلق على استخدام إسرائيل أسلحتها في انتهاكات دولية    مجلس الأمن يؤكد على ضرورة وصول المحققين إلى المقابر الجماعية في غزة دون عائق    يوسف الجزيري: الزمالك بكامل تركيزه أمام نهضة بركان في ذهاب نهائي الكونفدرالية    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    شوبير يزف خبرًا سارًا لجماهير الأهلي قبل مباراة الترجي التونسي    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    تهاني عيد الأضحى 2024: رسائل مختلفة معبرة عن الحب والفرح    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    مندوب مصر لدى الأمم المتحدة: ما ارتكبته إسرائيل من جرائم في غزة سيؤدي لخلق جيل عربي غاضب    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    ضبط المتهم بقتل صديقه وإلقائه وسط الزراعات بطنطا    أنهى حياته بسكين.. تحقيقات موسعة في العثور على جثة شخص داخل شقته بالطالبية    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حار نهاراً.. ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    مصرع شخص واصابة 5 آخرين في حادث تصادم ب المنيا    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    «عشان ألفين جنيه في السنة نهد بلد بحالها».. عمرو أديب: «الموظفون لعنة مصر» (فيديو)    عمرو أديب عن مواعيد قطع الكهرباء: «أنا آسف.. أنا بقولكم الحقيقة» (فيديو)    سيارة صدمته وهربت.. مصرع شخص على طريق "المشروع" بالمنوفية    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    حج 2024.. "السياحة" تُحذر من الكيانات الوهمية والتأشيرات المخالفة - تفاصيل    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    حظك اليوم برج الجوزاء السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    تراجع أسعار النفط.. وبرنت يسجل 82.79 دولار للبرميل    محمد التاجى: اعانى من فتق وهعمل عملية جراحية غداً    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    أخبار كفر الشيخ اليوم.. تقلبات جوية بطقس المحافظة    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    مادلين طبر تكشف تطورات حالتها الصحية    "سويلم": الترتيب لإنشاء متحف ل "الري" بمبنى الوزارة في العاصمة الإدارية    آداب حلوان توجه تعليمات مهمة لطلاب الفرقة الثالثة قبل بدء الامتحانات    حسام موافي يكشف أخطر أنواع ثقب القلب    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين مقتضيات الفن وثقافة الاستهلاك
مأزق الرواية الرائجة
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 04 - 2015

طرأ علي الوسط الثقافي المصري والعربي إلحاح بعض الظواهر التي كانت موجودة بالفعل من قبل، لكن لم يكن لها مثل هذا الحجم من الاهتمام والحشد الإعلامي الذي يدفع بها الي صدارة المشهد ويسلط عليها الأضواء، ففيما يتعلق بالرواية، النوع الأدبي
وبالطبع ليس من المعقول في المعطيات الطبيعية أن كل رواية رائجة غير ذات قيمة فنية عالية، هناك روايات أصابت رواجا وطبع منها الكثير وكانت تحمل قيما جمالية وفكرية عالية، أي أن مفردة الرائجة هذه تتضمن تدرجا في المستويات الفنية، لكن الملاحظة التي تشد انتباه المتابع للمشهد الروائي المصري في الآونة الأخيرة أن الروايات التي يقال عنها أنها الأكثر مبيعا هي غالبا التي تختص بسمات محددة لا تتوافر فيها قيم فنية رفيعة، كما تستند علي موضوعات مشوقة فقط تضمن لها الانتشار وسط فئة سنية معينة.
تتبدي في الروايات الأكثر مبيعا قيم الاستهلاك فهي ملونة وصارخة الانفعالات، فيها تتواري القضايا الوجودية التي ظلت تمثل أسئلة الإنسان الملحة والمتجددة بصيغ متغايرة في الزمن البشري، حيث الأدب الحقيقي هو التمثيل الجمالي للحياة بأسئلتها الأزلية، حالة الموازاة الرمزية للواقع.
يبقي الاستهلاك السريع هو سمة الرواية الرائجة لسهولة قراءتها وبساطة الموضوعات التي تتناولها، ومن ثم المتعة اللحظية غير الغامضة، وسرعة الانتهاء منها، لغتها شبة تقريرية تعالج في معظم موضوعاتها اللعب علي الغرائز لا القيم الوجودية والفلسفية، سريعة التناول، ومن ثم ينتهي المتلقي منها بلا جهد، كثوب يبلي بمجرد الارتداء، ويحتاج المستهلك أو القارئ لما بعدها من نصوص، وهو مايدير ماكينات طباعة دور النشر، ويروج لمبدعي أنصاف المواهب، والقراء الباحثين عن وجبات سريعة للتسلية ودغدغة المشاعر، علي الغالب تشبه رواية ال Best seller الموجودات الهشة والمسطحة التي لا تصمد في الزمن، ولايستمر جمالها متدفقا عند كل قراءة متجددة في التاريخ.
ربما ما اكسب الرواية الرائجة سمعتها التحقيرية أن أغلب ما يتصدر قوائمها روايات للاستهلاك السريع تلعب علي قيمة التشويق لدي المتلقي، بل تبدو أحيانا كأنها تعيد تدوير ألعاب "البلاي ستيشين" وبرامجه في منحي أدبي، كما أنها تجاري الموضات والتقاليع عند هذه الفئات القرائية، كأن نسمع عن الكتاب التفاعلي الذي يُترك به فراغات ليستكملها المتلقي بنفسه، أو المدونات الخفيفة التي تتحول بعض نصوصها إلي روايات مطبوعة، أو ضرورة أن تكون الرواية باهظة الثمن، فاخرة الطباعة، وتعرض بالمولات وسط الكافيهات الشبابية لطبقة معينة وفئة عمرية فيها.
ظاهرة الرواية الأكثر مبيعا أو الرواية الرائجة ليست حديثة الظهور عربيا بل هي ظاهرة قديمة، فروايات إحسان عبد القدوس في الخمسينيات والستينيات كانت تحظي بالنسب الأعلي قراءة لتحررها في مجتمع تخطو المرأة فيه لنيل حقوقها، هذا فضلا عن ما أحيط بموضوعاتها الاجتماعية الشائكة من صراعات دائمة مع الموروث الثقافي، جمعت روايات "إحسان" بين قيم مجتمعية ناهضة وقيم فنية رفيعة، في المقابل كانت هناك نصوص "خليل حنا تادرس" التي يُذكر أنها حققت مبيعات وصلت لخمس عشرة ألف نسخة، وروايات محمود عبد الرازق، كما كان هناك دائما أدب خفيف مثل نصوص د. نبيل فاروق، وأحمد خالد توفيق، وهو ما كان يمثل حلقة وصل بين مرحلة أولية من القراءة تنضج بعدها الذائقة وتتعمق الرؤية لتنتقل لمرحلة قرائية أخري، لذا كانت هذه الروايات متوازية دائما مع النص العالي القيمة الجمالية والفكرية.
غالبا ما تلعب موضوعات الرواية الرائجة في السنوات الأخيرة علي التابوهات الثلاثة الجنس والدين والسياسة ففي نصوص أحلام مستغانمي ونوال السعداوي وعلاء الأسواني أمثلة لتلك التنويعات بأشكال مختلفة، ويزداد هذا الانتشار مع فرص الترجمة للعديد من اللغات الأوربية؛ وحبذا لو وصلت الرواية للمنع أو المصادرة، هنا تصبح الدعاية السلبية لمصلحة انتشارها وكثرة عدد طبعاتها وذيوع تداولها في ما يشبه الخفاء.
وتنهض روايات أخري علي عنصر التشويق: الحبكة البوليسية والمطاردات، أجواء الرعب والظواهر الغرائبية، رواية الغيبيات التي تتناول عالم السحر والمخدرات والدعارة، النصوص التي تعالج فوضي المجتمعات العشوائية بعلاقاتها وغرابتها وذيوع عوالم الجريمة، أوالعوز المذل لكل معني إنساني نبيل.
كما أن الحاجات اليومية والأحداث العادية التي تمر بحياة هذه الفئة الشبابية التي تقرأ هذه النصوص هي التي تشكل موضوعات وأحداث السرد في هذه الأعمال؛ ولذا يجد الشباب لغتهم الخاصة التي يتداولونها وذواتهم بهمومهم المباشرة مجسدة في هذه النصوص فتنشأ علاقة تعاطف ما معها كما في نص "هيبيا" لمحمد صادق، اذ يرون اللغة حارة تتشكل عيونا تحاكيهم لتنقل ملامح يومياتهم وأوجاعهم المباشرة وكأنها مصورة في مشاهد حريفة " سبايسي" في مواجهة لاوعيهم المتمرد. وهي من هذه الناحية تشبه المسلسلات الدرامية التركية والمكسيكية التي يعرف منتجوها لمن يتوجهون بها من مشاهدين؛ لتزكية أوقات الفراغ وتسليتهم.
تبقي ظاهرة "الدعاية السلبية" ودورها الفعال في انتشار النصوص التي تقع تحت طائلة المنع أو المصادرة من قبل أي جهة دينية أصولية، أو ما تنتقده أية جماعات أو تيارات إسلامية أو مسيحية متطرفة في أحد النصوص الروائية سببا جوهريا لذيوع التداول شبه السري لهذه الأعمال ، فكل ما يتعرض للمنع يقع عند القاريء في شرك الفضول الذي يستدعي الحصول عليه بكل الطرق لعبا علي حقيقة أن كل ما يمنع يرغب فيه.
هناك ايضا الدعاية غير الحقيقية التي تقوم بها دور النشر والتي غالبا ما تحشد لها ما يسمي الأن ب (ألتراس) الثقافة تلك المجموعات الشبابية التي تتعامل مع مواقع الفيسبوك والمواقع الألكترونية الأخري، وتروج فيها لأحد الأعمال أو المبدعين وتصوّر النص علي أنه أفضل ما كتب، وحقق أفضل نسب من التوزيع.
و قد تدعي بعض دور النشر أنها طبعت لأحد الروايات أكثر من عشرات الطبعات في حين أن كل طبعة لا تتجاوز المئتين نسخة ويمكن أن توزع علي أصدقاء المؤلف فقط ، هذا إن كانت هذه الإدعاءات صادقة من الأساس فهناك طبعات لا يدري عنها القارئ أو المتابع شيئا سوي أقاويل دور النشر وتصريحاتهم.
وفي ظل غياب ثقافة الإحصاءات وتوافر المعلومات والمراقبة من الجهات المؤسسية المنضبطة التي تضطلع بتقارير صادقة عن حركة الإصدارات والطبعات وأعدادها وما وزع منها في فوضي التصريحات الدعائية لدور النشر لا مجال للتيقن من هذه التقولات .
يعد ايضا تحويل بعض النصوص الروائية إلي أعمال درامية سينمائية وتلفزيونية من أهم الأسباب التي تسهم في زيادة توزيع النص كما حدث مع رواية "عمارة يعقوبيان" و"الفيل الأزرق" أو "فيرتيجو".
كما تسهم حركة الترجمة إلي عدد من اللغات الأجنبية في رواج أحد الأعمال الروائية علي حساب مالم يترجم منها رغم احتمال كونه أقل قيمة من الناحية الجمالية والفنية.
تسهم الجوائز أيضا في الزيادة من نسبة توزيع أحد النصوص الروائية، رغم أن حصول النص علي جائزة لا يعني أنه الأفضل فنيا في بعض التصفيات؛ فلجان التحكيم قد توجهها بعض المصالح والتوازنات السياسية أو الثقافية.
تبقي الإشكالية الرئيسية أن الكثير من هذه الأعمال التي تتصدر قوائم الأعلي مبيعا في الثلاث سنوات الأخيرة تترك المتلقي وهو خواء، لا تضيف له شيء تقريبا إلا التسلية، فهي لا تحتفظ في وعي قارئها أولا وعيه بأي قيمة تجعله أكثر إدراكا للعالم من حوله وفهما له، فما زلت أري أن الكتب العظيمة هي التي تصنع اختلافا بذواتنا بعد قراءتها، فلا نعود كما كنا قبلها. إشكالية أخري تتمثل في الغياب النسبي لدور النقد الجاد وندرة المنابر المقدمة له في الصحف والمجلات اليومية، هذا بالإضافة إلي الأجواء الإحتفائية التي توسم المجال فلا يتوافر مناخ نقدي حقيقي يواجه هذه الظواهر الروائية ويتصدي لها لتبيان امكاناتها الفنية الفعلية .
يبقي التساؤل الأهم لماذا إلحاح هذه الظاهرة القرائية الجديدة لتلك النصوص الروائية متوسطة القيمة أو المتدنية، ولا سيما مع فئات عمرية معينة ؟
تحتمل الإجابة علي هذا التساؤل في ظني بعض التكهنات أو كلها مجتمعة:
أتصور أن فكرة "الهروب" من وراء هذه الظاهرة، الانسحاب من واقع ينضح باليأس عند فئات عمرية في مرحلة المراهقة والشباب قد يكون سببا رئيسيا خاصة بعد ثورتين لم تزل الأوضاع المجتمعية بعدهما كما هي، الهروب لعوالم بديلة بعد اليأس من اللاتحقق واللا عدالة، الهروب إلي العلاقات الجنسية بما فيها الشاذة، والعلاقات العاطفية، والقصص البوليسية التشويقية أو العوالم الغيبية أو تدمير الواقع وتصوير عنفه، فليس مصادفة علي سبيل المثال أنك لو نزلت لأقرب مكتبة أو دار نشر ستجد الأكثر مبيعا من الرويات يدور معظمها عن قصص الحب التي تشبة روايات عبير وقصص زهرة المترجمة، حتي إن اختلفت عنها بعض الشيئ، وهي روايات تعالج قصص الحب وأضلاعها الرئيسية بتنويعات مختلفة.
قد لا أغالي لو قلت أن هناك حالة من الملل العام لدي الجميع، سأم الشباب من الضجيج الناتج من برامج (التوك شو) الفضائية، أصابته الحيرة واللايقين والتشكك الذي أصبح يطال أي معني وقيمة وأي إنسان، فربما يكون ذهاب الشباب لهذه النصوص الروائية بديلا للشك الذي أصابه من التضارب الحاصل في الفضائيات وكل ما يطرح بها من موضوعات، ولما يرونه من تلون الخبراء الاستراتيجيين، والنشطاء، والمحللين، والإعلاميين ولا سيما بعد استفحال دورهم في تكوين الرأي العام عند البسطاء من الشعب المصري والعربي، فهي حالة من التهميش المتعمد من قبل الكثير لكل هذا الضجيج الإعلامي . وقد يذكرنا هذا بظاهرة الروايات الرائجة المعتمدة علي قصص الحب التي ظهرت بأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التماسا للدفء والعواطف والأمان الذي افتقد من جراء هذه الحروب الدامية .
من الواضح ان حالة الاحباط التي عاشتها المجتمعات العربية علي نحو عام قد القت بظلالها علي الأدب ونوع مايقرأ، وطبيعة مايقرأ، والهدف من قراءته ايضا. ثمة حالة من اليأس والركود تغلف الواقع العربي بكل أشكاله. وكأن القارئ في مرحلة سنية معينة شعر بعجز الأدب في مجتمعنا عن تغيير الواقع والتصدي للطموحات، واستشعر فيه عدم الجدوي، فأخذ يتعامل معه بوصفه نظرية عليا تمثل مظهرا من مظاهر الكمال الذي لا أثر له في الحياة الفعلية. وكأن الأدب الرفيع وفلسفة الوجود والقضايا العظمي تنتصر علي الورق فقط. والنتيجة لم يعد هناك قراء كثر يقرؤون ليتلمسوا فكرا او يجيبوا عن اسئلة عظيمة او يتأملوا اعماق الوجود الإنساني وإشكالاته وتناقضاته. هناك من يقرا للتسلية فقط او ارضاء لنزوات معينة. كما يبدو ان الأوضاع الاجتماعية المتأثرة بأعباء المعيشة والضغوط الاقتصادية المنهكة ووطأة الفقر والجهل قد اسهمت بدورها في تردي مزاج فئة أخري من القراء في وقت اصبحت فيه الثقافة والمعرفة العميقة لاتغني اقتصاديا ولا تعود بمكافئ مادي يذكر فلا يمكن في رصد هذه الظاهرة وتحليلها سوي الوعي بمستويات القراء واختلاف مشاربهم هم فقط يريدون ما يؤكد سخطهم وسخريتهم من هذا المجتمع بكل ما يتضمنه من مفارقات وتفاوت طبقي، فيبحثون عن هروب من هذا الواقع العبثي وهم لا يدركون خواء هذا البديل الأدبي.
ومع تردي المستوي المعرفي والثقافي تردت الذائقة الأدبية ايضا وتراجع مستوي المتلقي، وغاب عن اطار الأدب القارئ العارف الحاذق القادر علي استكناه فنون الأدب والتقاط اشاراتها الفلسفية والوجودية الصعبة.
وفي ظل هذا الغياب لقاعدة حقيقية من القراء القادرين علي الارتقاء الي مستوي النص الأدبي وفنونه ظهرت اعمال ادبية وروائية تنزل الي مستوي ادني بعملية عكسية واضحة.
كل هذا يجعلنا نقول ان نوعية الرائج، ووقت رواجه، ربما يعكس حالة جيل في مرحلة من مراحل الأمة التي نعيشها، وهي باختصار (غياب الهدف) والتلقي السلبي الذي ليس له موقف مما يقدم اليه، اذ لا تتعدي المسألة غالبا حدود الإلهاء ودائرة التسلية. وهو ما لايمكن ان تلبيه ببساطة الا اعمال ذات طبيعة استهلاكية ترتبط للأسف بالقاعدة العريضة والنسبة الأكبر من القراء في مجتمعاتنا العربية المترنحة تحت وطأة التطرف الديني والحروب والفقر والجهل بكل اشكاله وصوره.
يظل هناك تساؤل علي قدر كبير من الأهمية: هل نعد ظاهرة الرواية الرائجة بكل أبعادها لصالح المشهد الثقافي أم ضده ؟ مع التقدير الواعي للمستوي المتواضع فنيا وفكريا لأغلبها؟ في تصوري أن للظاهرة وجهين فجذب أكبر عدد من القراء في مجتمع غير قارئ بطبيعته يعد كسبا للعالم القرائي، لماذا لا نتوقع مثلا ان تترسخ عادة القراءة عند من يتلقي اليوم هذه الأعمال الروائية فيبحث لاحقا عن الأجود والأعلي قيمة فنيا وفكريا؟ فعادة ما يربي الذوق ويتطور مع التكرار وزيادة الوعي التراكمي في المراحل الزمنية الأعلي، فلنعد هذه الظاهرة إيجابية من حيث ترسيخ عادة القراءة وكسب أكبر عدد من القراء.
وفي هذا الصدد هناك اقتراح بالتفاعل الإيجابي مع معطيات هذه الواقع حيث لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي أمام بعض الظواهر التي يمكن تحويل جوانبها السلبية لإيجابيات، لماذا لا يُعد لهؤلاء الكتاب الجدد ورش عمل تناقش عوالم نصوصهم من خلال مناقشات مفتوحة مع مبدعين ونقاد لإثراء ثقافتهم وتقنياتهم الكتابية وبلا تدخل في حرية إبداعهم بالطبع ؟ ومن ثم استثمار قدرتهم وتنمية جوانبها، والاستفادة من إقبال شباب القراء علي نصوصهم.
وتبقي دائما قضية التعليم محورا جوهريا ألح علي تكرار أهميته في كل القضايا الثقافية المصرية والعربية؛ لكونه منوطا به تربية ذائقة سليمة، والقدرة علي كشف المسطح من العميق في الفنون والأنواع الأدبية، كما أن اختيار المناهج المقدمة للطلبة والنماذج الأدبية المتميزة في مستواها الفني والفكري هي التي تعطي مثالا جيدا للنشئ وهو ما يعد أساسا محوريا للخروج بذوات قادرة علي إدراك القيم الأصيلة في الفن واكتشافها سريعا، ذوات مبدعة أو متلقية.
ربما بقيت السلبية والوجه الآخر من الظاهرة التي تقلق المعنيّ بالشأن الثقافي تتمثل في ذيوع هذا النموذج، ومن ثم سيطرته علي المنتج الروائي بحجة رواجه، وهو ما قد يشكّل ذائقة فئة عريضة من القراء علي هذا النمط ، وهنا ندق نواقيس الخطر، فنحن نسعي لتنمية العقل الناقد القادر علي تقييم ما يقدم له والارتقاء به لا النزول للنموذج الأسوأ والركون إليه، لذا يجب الإلحاح من النقد علي أن هذه النماذج الروائية ليست هي النموذج الأفضل ولا المميز، هي فقط مستوي من الكتابة لا ينبغي أن تصور أنها الأفضل لأنها الأعلي مبيعا، ولا يسلط عليها الأضواء علي هذا النحو.
لكن يظل المشهد الروائي المصري والعربي من الثراء والتنوع الذي يدعو للثقة في غني مستويات الخطاب الروائي وتعدده، فبجانب ظاهرة ال Best seller هناك أعمال روائية رفيعة المستوي الفني والفكري تسعي لتجسيد توق الإنسان لفهم ذاته والوجود من حوله، وإضفاء لمساتها الفنية الرفيعة للموروث البشري رغم كونها لا تتصدر قوائم الأعلي مبيعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.