السابعة صباحا موعدهم .. وطريق مصر الاسماعيلية الصحراوى قبلتهم .. والحدث المتكرر هو فتح وتدوير دواليب المخدرات فى أروقة عزب بساتين الاسماعيلية على حدود الشرقية بناحية بلبيس . التحرك هذه المرة من موقف العاشر من رمضان حيث ينبه قائد «الميكروباص» المتجه الى مدينة بلبيس بانه لا توقف عند محطة الشون وهى تلك المنطقة الموبوءة التى يتصدرها تجار البودرة خاصة مستقلي «الموتوسيكلات» لنقل راغبى الكيف .. عرفت أحدهم لأنه بدت عليه علامات الارتباك وهو يستجدى أحد السائقين ويعرض عليه مالا أكثر ليوصله الى الشون حيث ينتظره بائعو الكيف وبالفعل امتثل أحد السائقين أمام الزيادة المالية ولكن الكارثة ان هذا الشاب كغيره من رواد هذه المناطق تبدو عليه علامات اليسر المادى من ملابسه وما يحمله من نقود واستثمر السائق هذا المشوار وبمجرد ان فتح الباب موافقا ركب ستة اشخاص آخرون يقصدون المكان نفسه وفى صمت رهيب جلسوا ولكنهم اشباه مستيقظين وجلست فى الكرسى الخلفى مع مرافقى أراقب الصمت على وجوههم وعند دفع الأجرة واخرج الشاب الذى اتابعه عن كثب المال غير واع كم يدفع وأخذ السائق ما اخذ، أما الباقون فدفع احدهم 200 جنيه ولم يهتم بما تبقى ، وقبل مكان نزولهم كانت تنتظرنا سيارة أخرى على بعد كيلو متر واحد من الشون لأسبقهم الى هناك. وفى السابعة والنصف وصلوا الى الشون وهذه المرة لم نكن فى حاجة إلى التنكر لأن قاصديهم بسياراتهم الفارهة هو ما يجعل وجودنا فى ملابسنا العادية امرا معتادا وجاءت الموتوسيكلات حملت كلا منهم إلى ضالته المنشودة حيث مكان دولاب المخدرات. جاءنى أحدهم يتساءل هل تريدون أى مساعدة ..ارتجف قلبى خوفا ولكننى طالبته أن يصف لى طريق احدى القرى بالقرب من «ترعة قطة» فقال لى أول مرة فأجبته نعم ثم سألنى ديلفرى أم داخل الدولاب فطالبته بالديلفرى لأن الفارق بين هذا وذاك 100 جنيه فالتذكرة من 70 الى 120 جنيها ورسوم الاخراج لاقرب نقطة داخل عزبة الجبل 100 جنيه وطلب منا أن نتبعه ولكن بعد قلق رفضت الدخول خلفه وقررت ارتداء العباءة بعيدا والعودة وفعلت هذا داخل إحدى استراحات الطريق عند كارتة بلبيس وعدت وليتنى لم افعل لأن احد اهل المنطقة شك فينا فعليا لانها المرة الثانية لنا ودخلت إلى طريق «الرضاونة» فى الجهة المقابلة لعزبة زكى وكان معنا دليل للتمويه عرف اننا صحفيون وطلب 200 جنيه لمساعدتنا وكأنه نجدة السماء لنا وأشار إلى أحد الاشخاص الملقى على الارض وأكد أننا إذا أعطيناه ثمن تذكرة البودرة سيفعل لنا ما نشاء وسيسمح لنا بالتصوير ..نزلت له وهو شبه تائه وعقدت معه الصفقة وبالفعل اعطانى ما اريد لانه لم يعد يملك ثمنها فقد اخرج الدليل هاتفه وتوارينا بعيدا بمساعدة الرجل الذى رفض ذكر اسمه خوفا من بطش التجار الكبار وفى لمح البصر جاء احدهم يقود الموتوسيكل و اعطاه البودرة ورحل الغريب عندما لمح المدرعة الامنية تجوب المكان بين الحين والآخر حيث يتحركون فيما بين هذه المنطقة ومنها الى الظهير الصحراوى حيث توجد منطقة السحر والجمال التى تمشطها الداخلية بشكل دورى ..أيضا هذا المكان «الشون» اصبح بديلا لتجارة الموت بعد منطقة السحر والجمال ،وبعدها استطعنا الاختباء واخذ يفرم مسحوق البودرة التى بدا شكلها متحجرا بعكس ما كنت أظن. وبدأ يحكى أن جرام البودرة ب 70 جنيها ويصل ديلفرى إلى 120 جنيها فى بلبيس فقط بأقل مما سمعنا على الطريق حيث كان يريد «الديلر» وهو المسئول عن التواصل مع التاجر أن يبيعها لنا بسعر أغلى . و كان يشرح لنا أن البودرة يبدأ تعاطيها بربع جرام ثم تزيد مع المتعاطى لنصف جرام ثم جرام كامل وتزيد إلى 3 جرامات وبعد هذه الكمية لاتصبح مجدية فنبدأ بحرقها على القصديرة « ورقة تغليف» فى مجموعات قبل التعاطى ومن يقوم بحرقها لابد ان يكون محترفا حيث نسميه (السواق) وهو الذى يمرر القصديرة علينا ليأخذ كيفه كل منا بالشم وبالتمرير ويتم عمل (مبسم لشد مسحوق البودرة) بعملة ورقية جديدة، والقصديرة هى ورقة علبة السجائر المفضضة التى يتم حرقها اولا ثم تبدأ عملية تسييح البودرة لتصبح سائلة... ويستمرالتعاطى وتزيد الرغبة عند أصحاب المزاج العالى لتبدأ مرحلة الشد والتسطير حيث يتم فرد البودرة ببطاقة او كارنيه لطحنها لأنها تأتى فى اسطوانات منفصلة ربع كيلو مثل الحجر ثم تقسم الى سطور ويتم (شدها) اى استنشاقها بلغة الشم. طالبته بأن يفعل هذا أمامى وبالفعل بدأ استخراج القصديرة وحرقها وقام بعملية تسطير البودرة وشدها ولكن أثار انتباهى انها ليست ناعمة كما هو معروف للعامة فاكد أنها تأتى متحجرة فى أسطوانات الواحدة منها ربع كيلو وهى عبارة عن مخلوط من الهيروين والترامادول ومواد أخرى ثم يتم كبسها و تجزئتها الى جرامات واخذ يشرح طريقة الحقن ويطلقون عليها «انجكة» حيث يتم تسخين البودرة لتسييلها فى امبولات مياه ويتم اضافة الليمون الى مسحوق « البودرة» لتصبح ناعمة اى يسهل سحبها ونقلها الى الجسم ويأخذها أولا فى اليدين وعند تجلط الاوردة من كثرة استخدامها وتليف الأوردة يقوم بعد ذلك بحقن اوردة القدمين وبعد انسدادها يتجه إلى اوردة الرقبة وهنا يتم التقسيم الى 3 درجات لأن من يقوم بعملية «الشك بالابرة « هو متخصص وله اهمية كبرى لدى المتعاطين خاصة اذا كان يجيد الوخذ فى الرقبة واسفل البطن. انتهت مهمتى التى نشرنا الجزء الاول منها امس وظل المدمنون والتجار مستمرين فى الحرق على «القصديرة» وفرد «البودرة» .